دخول يسوع الظافر إلى القدس
يبدأ الفصل بدخول يسوع الظافر إلى القدس. أرسل يسوع تلاميذه لإحضار أتان وجحش، ثم ركب يسوع على الجحش ودخل المدينة. استقبله الجموع بحفاوة بالغة، فرشوا ثيابهم وأغصان الشجر على الطريق، وهتفوا قائلين: “أوصنا لابن داود! مبارك الآتي باسم الرب! أوصنا في الأعالي!”. هذا الحدث يمثل تتويجًا لخدمة يسوع العلنية وإعلانًا ملكيًا لدوره المسيحاني. كان دخول يسوع إلى القدس على جحش تحقيقًا لنبوءة زكريا (زكريا 9: 9)، مما يؤكد على هويته كملك متواضع ومخلص.
كانت ردود فعل الجموع متباينة. فمنهم من آمن به واعترف به كمخلص، ومنهم من استغرب وتساءل عن هويته. أما الفريسيون والكتبة، فقد غضبوا من هذا الاستقبال الحافل واعتبروه تحديًا لسلطتهم الدينية. طلبوا من يسوع أن يوبخ تلاميذه ويسكتهم، لكنه رفض وأجابهم بأنهم لو صمتوا فإن الحجارة ستصرخ.
تطهير الهيكل
بعد دخوله إلى القدس، ذهب يسوع إلى الهيكل وطرد الباعة والصيارفة. قلب موائد الصيارفة وكراسي باعة الحمام، وقال لهم: “مكتوب بيتي بيت صلاة، وأنتم جعلتموه مغارة لصوص!”. هذا العمل الجريء يظهر غيرة يسوع على قدسية بيت الله واستياءه من الممارسات التجارية التي حولت الهيكل إلى مكان للربح بدلًا من العبادة.
كان تطهير الهيكل عملًا رمزيًا يشير إلى ضرورة تطهير القلوب والنفوس من النفاق والرياء. كما أنه كان تحديًا مباشرًا للسلطة الدينية الفاسدة التي سمحت بهذه الممارسات. أثار هذا العمل غضب رؤساء الكهنة والكتبة الذين سعوا إلى قتله، لكنهم خافوا من الجموع لأنهم كانوا يعتبرونه نبيًا.
شفاء المرضى والتعليم في الهيكل
بعد تطهير الهيكل، أتى إلى يسوع عمي وعرج في الهيكل فشفاهم. هذه المعجزات أكدت على سلطة يسوع وقوته الإلهية. استمر يسوع في التعليم في الهيكل، وشرح للناس معاني الكتب المقدسة وكشف لهم عن الحقائق الروحية. أثارت تعاليمه إعجاب الجموع واستياء القادة الدينيين.
سلطة يسوع: سؤال التحدي
جاء رؤساء الكهنة والشيوخ إلى يسوع وسألوه: “بأي سلطان تفعل هذا؟ ومن أعطاك هذا السلطان؟”. كان هدفهم هو تحدي سلطة يسوع وتقويضها أمام الناس. رد يسوع عليهم بسؤال مضاد: “معمودية يوحنا، من أين كانت؟ من السماء أم من الناس؟”. إذا قالوا “من السماء”، فسيسألهم يسوع لماذا لم تؤمنوا به. وإذا قالوا “من الناس”، فسيخافون من الجموع لأنهم كانوا يعتبرون يوحنا نبيًا.
لم يتمكن رؤساء الكهنة والشيوخ من الإجابة على سؤال يسوع، فقالوا: “لا نعلم”. فأجابهم يسوع: “ولا أنا أقول لكم بأي سلطان أفعل هذا”. بهذا الرد الذكي، فضح يسوع نفاقهم وعدم قدرتهم على الاعتراف بالحق.
مثل الابنين
بعد هذا الحوار، قدم يسوع مثل الابنين ليشرح لهم رفضهم للحق وقبول الخطاة التائبين. قال يسوع: “كان لإنسان ابنان، فجاء إلى الأول وقال: يا ابني، اذهب اليوم اعمل في الكرم. فأجاب وقال: إني ماض يا سيد، ولم يذهب. وجاء إلى الثاني وقال كذلك. فأجاب وقال: لا أريد. ثم ندم ومضى. فأي الاثنين فعل إرادة الأب؟”.
أجابوا: “الثاني”. فقال لهم يسوع: “الحق أقول لكم إن العشارين والزواني يسبقونكم إلى ملكوت الله. لأن يوحنا جاءكم في طريق الحق فلم تصدقوه، والعشارون والزواني صدقوه. وأنتم إذ رأيتم لم تندموا أخيرًا لتصدقوه”. هذا المثل يوضح أن الأفعال أهم من الأقوال، وأن التوبة الحقيقية تؤدي إلى تغيير في السلوك.
مثل الكرامين الأردياء
ثم قدم يسوع مثل الكرامين الأردياء ليشرح لهم مصيرهم الوشيك بسبب رفضهم للمسيح. قال يسوع: “كان إنسان رب بيت غرس كرمًا، وسيج عليه سياجًا، وحفر فيه معصرة، وبنى برجًا، وأجره كرامين، وسافر. ولما قرب وقت الأثمار أرسل عبيده إلى الكرامين ليأخذوا أثماره. فأخذ الكرامون عبيده وجلدوا بعضًا وقتلوا بعضًا ورجموا بعضًا. ثم أرسل أيضًا عبيدًا آخرين أكثر من الأولين، ففعلوا بهم كذلك. فأخيرًا أرسل إليهم ابنه قائلًا: إنهم سيهابون ابني. وأما الكرامون فلما رأوا الابن قالوا فيما بينهم: هذا هو الوارث. هلموا نقتله ونأخذ ميراثه. فأخذوه وأخرجوه خارج الكرم وقتلوه”.
ثم سأل يسوع: “فمتى جاء صاحب الكرم، ماذا يفعل بأولئك الكرامين؟”. قالوا له: “يهلك أولئك الأردياء هلاكًا رديئًا، ويسلم الكرم إلى كرامين آخرين يعطونه الأثمار في أوقاتها”. فقال لهم يسوع: “أما قرأتم قط في الكتب: الحجر الذي رفضه البناؤون هو قد صار رأس الزاوية؟ من قبل الرب كان هذا وهو عجيب في أعيننا! لذلك أقول لكم: إن ملكوت الله ينزع منكم ويعطى لأمة تعمل أثماره. ومن سقط على هذا الحجر يترضض، ومن سقط هو عليه يسحقه”. هذا المثل يوضح أن الله سيعاقب قادة إسرائيل لرفضهم المسيح وإيذائهم أنبيائه، وسيمنح بركته لأمة أخرى تؤمن به وتعمل بوصاياه.
الحجر الزاوية
يشير يسوع إلى نفسه على أنه “الحجر الذي رفضه البناؤون” (مزمور 118: 22-23)، وهو تعبير عن نبوة تشير إلى أن المسيح سيُرفض من قبل قادة إسرائيل ولكنه سيصبح أساسًا للكنيسة. هذه الصورة تؤكد على دور المسيح المركزي في خطة الله للخلاص.
إدراك القادة الدينيين
أدرك رؤساء الكهنة والفريسيون أن يسوع يتكلم عنهم في هذه الأمثال. كانوا يسعون إلى القبض عليه، لكنهم خافوا من الجموع لأنهم كانوا يعتبرونه نبيًا.
خاتمة
الفصل الحادي والعشرون من إنجيل متى يسجل دخول يسوع الظافر إلى القدس، وتطهير الهيكل، والجدالات التي دارت بينه وبين السلطات الدينية. يكشف هذا الفصل عن هوية يسوع كملك متواضع ومخلص، ويدين النفاق والفساد في القيادة الدينية. كما يقدم أمثالًا توضح رفض قادة إسرائيل للمسيح ومصيرهم الوشيك.