مقدمة
الإصحاح العشرون من إنجيل متى هو الإصحاح العشرون في إنجيل متى في العهد الجديد من الكتاب المقدس المسيحي. يواصل يسوع حديثه عن ملكوت السماوات، ويكشف المزيد عن طبيعة الخدمة الحقيقية والتضحية. يتضمن هذا الإصحاح أمثالًا وتعليمات مهمة حول الأجر العادل، والتواضع، والسلطة الحقيقية.
مثل صاحب الكرمة والعمال
يبدأ الإصحاح بمثل صاحب الكرمة والعمال، وهو مثل يوضح مفهوم الأجر في ملكوت السماوات. يخرج صاحب الكرمة في الصباح الباكر لاستئجار عمال لكرْمه، ويتفق معهم على أجرة دينار واحد في اليوم. ثم يخرج في ساعات مختلفة من النهار ويستأجر المزيد من العمال، واعدًا إياهم بما يستحقونه. في نهاية اليوم، يدفع لصاحب الكرمة لجميع العمال دينارًا واحدًا، بدءًا بالذين عملوا ساعة واحدة فقط. يتذمر العمال الذين عملوا طوال النهار، معتقدين أنهم يستحقون أجرًا أكبر، لكن صاحب الكرمة يوضح لهم أنه لم يظلمهم، وأنه حر في أن يعطي ما يشاء لمن يشاء.
هذا المثل يعلمنا أن الأجر في ملكوت السماوات لا يعتمد بالضرورة على المدة التي قضيناها في الخدمة، بل على نعمة الله ورحمته. الله حر في أن يعطي بسخاء لمن يشاء، ولا ينبغي لنا أن نحسد الآخرين على بركاتهم.
يسوع يتنبأ بآلامه وموته للمرة الثالثة
أثناء صعود يسوع إلى أورشليم، انفرد بالاثني عشر تلميذًا وقال لهم: “ها نحن صاعدون إلى أورشليم، وابن الإنسان يُسلم إلى رؤساء الكهنة والكتبة، فيحكمون عليه بالموت، ويسلمونه إلى الأمم لكي يهزأوا به ويجلدوه ويصلبوه، وفي اليوم الثالث يقوم.” (متى 20: 18-19). هذه هي المرة الثالثة التي يتنبأ فيها يسوع بآلامه وموته وقيامته، مما يدل على أهمية هذه الأحداث في خطة الله للخلاص.
طلب ابني زبدي
تقدمت أم ابني زبدي مع ابنيها يعقوب ويوحنا إلى يسوع، ساجدة له وطالبة شيئًا منه. سألها يسوع: “ماذا تريدين؟” فقالت له: “مُر أن يجلس ابناي هذان، أحدهما عن يمينك والآخر عن يسارك، في ملكوتك.” (متى 20: 21). أجاب يسوع: “لستما تعلمان ما تطلبان. أتستطيعان أن تشربا الكأس التي سأشربها، وأن تعتمدا بالمعمودية التي أعتمد بها؟” قالا له: “نستطيع.” فقال لهما: “أما الكأس التي سأشربها فستشربانها، وبالمعمودية التي أعتمد بها ستعتمدان، أما الجلوس عن يميني وعن يساري فليس لي أن أعطيه، بل هو للذين أُعد لهم من أبي.” (متى 20: 22-23).
هذا الحوار يكشف عن سوء فهم طبيعة ملكوت السماوات. كان يعقوب ويوحنا وأمهما يفكرون من منظور دنيوي، ويتوقعون أن يكون لملكوت يسوع مجد وسلطة أرضية. لكن يسوع يوضح لهم أن المجد الحقيقي في ملكوته يأتي من خلال الخدمة والتضحية، وأن الجلوس عن يمينه وعن يساره ليس من حقه أن يمنحه، بل هو مُعد للذين اختارهم الله.
يسوع يعلم عن الخدمة الحقيقية
عندما سمع العشرة الآخرون بما طلبه يعقوب ويوحنا، غضبوا. فدعاهم يسوع إليه وقال: “تعلمون أن رؤساء الأمم يسودونهم، والعظماء يتسلطون عليهم. فلا يكون هكذا بينكم، بل من أراد أن يكون عظيمًا فيكم فليكن لكم خادمًا، ومن أراد أن يكون أولًا فيكم فليكن لكم عبدًا، كما أن ابن الإنسان لم يأتِ ليُخدم بل ليَخدم، وليبذل نفسه فدية عن كثيرين.” (متى 20: 25-28).
هذا التعليم هو جوهر رسالة يسوع. إنه يدعو تلاميذه إلى أن يكونوا مختلفين عن قادة العالم، وإلى أن يضعوا مصالح الآخرين قبل مصالحهم الخاصة. العظمة الحقيقية في ملكوت السماوات تكمن في الخدمة والتضحية، تمامًا كما فعل يسوع الذي بذل نفسه فدية عن كثيرين.
شفاء الأعميين في أريحا
عندما خرج يسوع من أريحا، تبعه جمع كثير. وكان أعميان جالسين على الطريق. فلما سمعا أن يسوع عابر، صرخا قائلين: “ارحمنا يا سيد، يا ابن داود!” (متى 20: 30). انتهرهما الجمع ليسكتا، فكانا يصرخان أكثر قائلين: “ارحمنا يا سيد، يا ابن داود!” فوقف يسوع ودعاهما وقال: “ماذا تريدان أن أفعل لكما؟” قالا له: “يا سيد، أن تنفتح أعيننا.” فتحنن يسوع ولمس أعينهما، فللوقت أبصرت أعينهما فتبعاه. (متى 20: 31-34).
هذه المعجزة تظهر رحمة يسوع وقدرته على شفاء الأمراض. الأعميان كانا يعرفان أن يسوع هو المسيح المنتظر، “ابن داود”، وصرخا إليه طلباً للرحمة. يسوع استجاب لإيمانهما وشفى أعينهما، مما يدل على أنه هو النور الذي يضيء على العالم.
خاتمة
الإصحاح العشرون من إنجيل متى يقدم لنا دروسًا قيمة حول طبيعة ملكوت السماوات، والأجر العادل، والتواضع، والخدمة الحقيقية. يسوع يعلمنا أن العظمة الحقيقية تكمن في الخدمة والتضحية، وأن الله يعطي بسخاء لمن يشاء. كما يظهر لنا رحمة يسوع وقدرته على شفاء الأمراض، ويؤكد على أهمية الإيمان به كمخلص.