التجلي على الجبل
تبدأ أحداث الفصل بصعود يسوع مع ثلاثة من تلاميذه – بطرس ويعقوب ويوحنا – إلى جبل عالٍ. على هذا الجبل، حدث التجلي، وهي ظاهرة إلهية كشفت عن مجد يسوع الحقيقي. “وَتَغَيَّرَتْ هَيْئَتُهُ قُدَّامَهُمْ: وَأَضَاءَ وَجْهُهُ كَالشَّمْسِ، وَصَارَتْ ثِيَابُهُ بَيْضَاءَ كَالنُّورِ.” (متى 17: 2). ظهر موسى وإيليا، وهما شخصيتان بارزتان في التاريخ اليهودي، وتحدثا مع يسوع. هذه الرؤية أكدت للتلاميذ أن يسوع هو المسيا المنتظر، وأنه يتمتع بسلطة تفوق الأنبياء.
تدخل صوت من السماء قائلاً: “هَذَا هُوَ ابْنِي الْحَبِيبُ الَّذِي بِهِ سُرِرْتُ. لَهُ اسْمَعُوا.” (متى 17: 5). هذا الإعلان الإلهي شدد على أهمية الاستماع إلى يسوع واتباع تعاليمه. خاف التلاميذ وسقطوا على وجوههم، ولكن يسوع لمسهم وقال لهم ألا يخافوا. عندما رفعوا أعينهم، لم يروا أحدًا إلا يسوع وحده. هذه التجربة عززت إيمان التلاميذ وأعدتهم للتحديات القادمة.
الشفاء من الصرع
بعد نزولهم من الجبل، وجدوا جمعًا كبيرًا ورجلاً يعاني ابنه من نوبة صرع شديدة. لم يتمكن التلاميذ الذين بقوا في الأسفل من شفاء الصبي، مما أثار استياء يسوع. قال يسوع: “أَيُّهَا الْجِيلُ غَيْرُ الْمُؤْمِنِ وَالْمُلْتَوِي إِلَى مَتَى أَكُونُ مَعَكُمْ؟ إِلَى مَتَى أَحْتَمِلُكُمْ؟ قَدِّمُوهُ إِلَيَّ هَهُنَا.” (متى 17: 17). وبمجرد أن قدموا الصبي ليسوع، زجره يسوع فخرج الشيطان منه، وشفي الصبي في الحال.
سأل التلاميذ يسوع على انفراد: “لِمَاذَا لَمْ نَقْدِرْ نَحْنُ أَنْ نُخْرِجَهُ؟” (متى 17: 19). أجاب يسوع: “لِعَدَمِ إِيمَانِكُمْ. فَالْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: لَوْ كَانَ لَكُمْ إِيمَانٌ مِثْلُ حَبَّةِ خَرْدَلٍ لَكُنْتُمْ تَقُولُونَ لِهَذَا الْجَبَلِ: انْتَقِلْ مِنْ هُنَا إِلَى هُنَاكَ فَيَنْتَقِلُ، وَلاَ يَكُونُ شَيْءٌ غَيْرَ مُمْكِنٍ لَدَيْكُمْ. وَأَمَّا هَذَا الْجِنْسُ فَلاَ يَخْرُجُ إِلاَّ بِالصَّلاَةِ وَالصَّوْمِ.” (متى 17: 20-21). هذا التعليم يوضح أهمية الإيمان الحقيقي في تحقيق المعجزات، وأنه يجب أن يكون مصحوبًا بالصلاة والصوم لتقوية الروح والتغلب على التحديات الروحية.
التنبؤ بالموت والقيامة
بينما كانوا يتجولون في الجليل، أخبر يسوع تلاميذه مرة أخرى بأنه سيسلم إلى أيدي الناس وسيقتل، ولكنه سيقوم في اليوم الثالث. “وَفِيمَا هُمْ يَتَرَدَّدُونَ فِي الْجَلِيلِ قَالَ لَهُمْ يَسُوعُ: «إِنَّ ابْنَ الإِنْسَانِ سَوْفَ يُسَلَّمُ إِلَى أَيْدِي النَّاسِ، فَيَقْتُلُونَهُ، وَفِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ يَقُومُ» فَحَزِنُوا جِدًّا.” (متى 17: 22-23). على الرغم من أن يسوع كان يحاول إعدادهم لما سيحدث، إلا أن التلاميذ لم يفهموا تمامًا معنى كلماته وحزنوا بشدة.
ضريبة الهيكل
عندما وصلوا إلى كفرناحوم، جاء جُباة الضرائب إلى بطرس وسألوه: “أَمَا يُؤَدِّي مُعَلِّمُكُمُ الضَّرِيبَةَ؟” (متى 17: 24). أجاب بطرس بالإيجاب. ثم دخل بطرس إلى البيت، فبادره يسوع بالسؤال: “مَاذَا تَظُنُّ يَا سِمْعَانُ؟ مِمَّنْ يَأْخُذُ مُلُوكُ الأَرْضِ الْجِبَايَةَ أَوِ الضَّرِيبَةَ، أَمِنْ بَنِيهِمْ أَمْ مِنَ الأَجَانِبِ؟” (متى 17: 25). أجاب بطرس: “مِنَ الأَجَانِبِ.” فقال له يسوع: “فَإِذًا الْبَنُونَ أَحْرَارٌ. وَلَكِنْ لِئَلاَّ نُعْثِرَهُمْ، اِذْهَبْ إِلَى الْبَحْرِ وَأَلْقِ صِنَّارَةً، وَالسَّمَكَةُ الَّتِي تَطْلُعُ أَوَّلاً خُذْهَا، وَمَتَى فَتَحْتَ فَاهَا تَجِدُ إِسْتَارًا. فَخُذْهُ وَأَعْطِهِمْ عَنِّي وَعَنْكَ.” (متى 17: 26-27). هذه المعجزة تؤكد سلطة يسوع وقدرته على توفير كل ما يحتاجه أتباعه، وفي الوقت نفسه تعليمهم أن يكونوا حكماء في تعاملهم مع السلطات الدنيوية.
دروس مستفادة من إنجيل متى 17
- أهمية التجلي: تؤكد التجلي على جبل التجلي على طبيعة يسوع الإلهية وأنه المسيا المنتظر.
- قوة الإيمان: الشفاء من الصرع يظهر قوة الإيمان الحقيقي وأهمية الصلاة والصوم.
- التنبؤ بالموت والقيامة: يسوع يوضح لتلاميذه مصيره وأهمية قيامته لخلاص البشرية.
- الحكمة في التعامل مع السلطات: قصة ضريبة الهيكل تعلم الحكمة والتوازن في التعامل مع السلطات الدنيوية.
خاتمة
إنجيل متى 17 يقدم لنا رؤى عميقة حول طبيعة يسوع المسيح، وقوة الإيمان، والتحديات التي تواجه المؤمنين. من خلال التجلي، نرى مجد يسوع الحقيقي وتأكيده كابن الله. من خلال شفاء الصبي المصاب بالصرع، نتعلم أهمية الإيمان الحقيقي المصحوب بالصلاة والصوم. ومن خلال التنبؤ بموته وقيامته، ندرك عمق خطة الله لخلاص البشرية. وأخيرًا، من خلال قصة ضريبة الهيكل، نتعلم الحكمة والتوازن في التعامل مع السلطات الدنيوية. يعتبر هذا الفصل دعوة لنا لتعزيز إيماننا، والتمسك بتعاليم يسوع، والسعي نحو حياة القداسة والبر.