مقدمة
متى 11 هو الفصل الحادي عشر من إنجيل متى في قسم العهد الجديد من الكتاب المقدس المسيحي. يواصل هذا الفصل سرد أحداث خدمة يسوع المسيح في منطقة الجليل، ويتضمن أسئلة يوحنا المعمدان ليسوع، ومديح يسوع ليوحنا، وتوبيخ يسوع للمدن التي لم تتب رغم معجزاته، ودعوة يسوع للذين تعبوا وثقلت عليهم الأحمال.
سؤال يوحنا المعمدان
يبدأ الفصل بذكر أن يوحنا المعمدان، الذي كان في السجن، سمع عن أعمال المسيح وأرسل اثنين من تلاميذه ليسألاه: “أأنت هو الآتي أم ننتظر آخر؟” (متى 11: 3). كان يوحنا يريد تأكيدًا بأن يسوع هو المسيح الموعود، خاصةً وأنه كان يعاني في السجن. رد يسوع على رسل يوحنا بأن يخبروا يوحنا بما يرونه ويسمعونه: “اذهبوا وأخبروا يوحنا بما تسمعون وترون: العمي يبصرون، والعرج يمشون، والبرص يطهرون، والصم يسمعون، والموتى يقومون، والمساكين يبشرون” (متى 11: 4-5). هذه الأعمال كانت علامات على أن يسوع هو المسيح المنتظر.
مديح يسوع ليوحنا المعمدان
بعد أن انصرف رسل يوحنا، بدأ يسوع يكلم الجموع عن يوحنا المعمدان. سألهم: “ماذا خرجتم إلى البرية لتنظروا؟ أقصبة تحركها الريح؟ بل ماذا خرجتم لتنظروا؟ أنبياً؟ نعم، أقول لكم، وأفضل من نبي. هذا هو الذي كتب عنه: ها أنا أرسل قدام وجهك ملاكي الذي يهيئ طريقك قدامك” (متى 11: 7-10). أكد يسوع على أهمية يوحنا ودوره كمبشر سابق للمسيح، مشيرًا إلى أنه أعظم من نبي، لأنه أعد الطريق ليسوع.
ثم أضاف يسوع: “الحق أقول لكم: لم يقم بين المولودين من النساء أعظم من يوحنا المعمدان، ولكن الأصغر في ملكوت السماوات أعظم منه” (متى 11: 11). هنا، يوضح يسوع أن يوحنا، على الرغم من عظمته، لا يزال أقل من أولئك الذين هم في ملكوت السماوات، لأنهم يتمتعون ببركات العهد الجديد.
جيل رافض
انتقد يسوع الجيل الذي عاصره لرفضهم رسالة يوحنا ورسالته: “ولكن بماذا أشبه هذا الجيل؟ يشبه أولاداً جالسين في الأسواق ينادون إلى أصحابهم ويقولون: زمرنا لكم فلم ترقصوا، نحنا لكم فلم تنوحوا” (متى 11: 16-17). شبه يسوع هذا الجيل بالأطفال الذين يرفضون الاستجابة لأي نوع من الموسيقى أو الدعوة. لم يستجيبوا لرسالة يوحنا الزاهدة ولا لرسالة يسوع التي كانت أكثر بهجة.
ثم أضاف: “لأن يوحنا جاء لا يأكل ولا يشرب، فيقولون: به شيطان. جاء ابن الإنسان يأكل ويشرب، فيقولون: هوذا إنسان أكول وشريب خمر، محب للعشارين والخطاة. والحكمة تبررت من بنيها” (متى 11: 18-19). يوضح يسوع أن الناس ينتقدون كل من يوحنا ويسوع بغض النظر عن سلوكهما. يؤكد يسوع أن الحكمة الإلهية ستظهر في النهاية من خلال أفعال المؤمنين بها.
توبيخ المدن التي لم تتب
بعد ذلك، بدأ يسوع في توبيخ المدن التي صنع فيها معظم قواته ولم تتُب: “ويل لك يا كورزين! ويل لك يا بيت صيدا! لأنه لو صنعت في صور وصيداء القوات المصنوعة فيكما، لتابتا قديماً في المسوح والرماد” (متى 11: 21). يوبخ يسوع كورزين وبيت صيدا، وهما مدينتان شهدتا العديد من معجزاته، ولكنهما لم تتوبا. يشير إلى أنه لو كانت صور وصيداء، وهما مدينتان وثنيتان، قد شهدتا نفس المعجزات، لكانتا تابتا.
ثم قال: “ولكن أقول لكم: إن صور وصيداء تكونان أكثر احتمالاً في يوم الدين منكما. وأنت يا كفرناحوم المرتفعة إلى السماء! ستهبطين إلى الهاوية. لأنه لو صنعت في سدوم القوات المصنوعة فيك، لبقيت إلى اليوم” (متى 11: 22-23). يوضح يسوع أن كفرناحوم، التي كانت مركزًا لخدمته، ستعاني من دينونة أشد لأنها رفضت الإيمان رغم امتيازاتها الكبيرة. يشير إلى أن سدوم، المدينة الشريرة، كانت ستبقى لو أنها شهدت نفس المعجزات.
ويختم هذا التوبيخ قائلاً: “ولكن أقول لكم: إن أرض سدوم تكون أكثر احتمالاً في يوم الدين منك” (متى 11: 24). هذا التأكيد يبرز خطورة رفض دعوة الله للتوبة.
دعوة إلى الراحة
يختتم الفصل بدعوة يسوع للذين تعبوا وثقلت عليهم الأحمال: “تعالوا إلي يا جميع المتعبين والثقيلي الأحمال، وأنا أريحكم. احملوا نيري عليكم وتعلموا مني، لأني وديع ومتواضع القلب، فتجدوا راحة لنفوسكم. لأن نيري هين وحملي خفيف” (متى 11: 28-30). هذه الدعوة هي جوهر رسالة يسوع، حيث يقدم الراحة والسلام الروحي لأولئك الذين يثقلهم عبء الحياة. يعد يسوع بأن نيره (طاعته) سيكون سهلاً وحمله خفيفًا، مما يشير إلى أن اتباعه يجلب الحرية والفرح.
تحليل لاهوتي
يقدم متى 11 رؤى لاهوتية مهمة حول هوية يسوع ورسالته. أولاً، يؤكد الفصل على أن يسوع هو المسيح الموعود من خلال أعماله ومعجزاته. رد يسوع على سؤال يوحنا المعمدان يؤكد على أن أعماله هي دليل على هويته المسيحانية. ثانيًا، يبرز الفصل أهمية الاستجابة لرسالة يسوع. توبيخ المدن التي لم تتُب يوضح أن رفض رسالة يسوع له عواقب وخيمة. ثالثًا، يقدم الفصل دعوة عالمية للراحة والسلام من خلال يسوع. هذه الدعوة هي عرض للمغفرة والخلاص لكل من يقبل يسوع.
الأهمية التاريخية والثقافية
متى 11 له أهمية تاريخية وثقافية كبيرة. فهو يوفر نظرة ثاقبة على السياق التاريخي لخدمة يسوع في منطقة الجليل. يشير الفصل إلى التحديات التي واجهها يسوع في إقناع الناس بهويته المسيحانية. كما يسلط الضوء على التوترات بين يسوع والجماعات الدينية في عصره. بالإضافة إلى ذلك، تعكس دعوة يسوع إلى الراحة والسلام قيمًا ثقافية مهمة في العالم القديم، حيث كانت الراحة والسكينة مطلبين أساسيين.
تفسيرات مختلفة
تم تفسير متى 11 بطرق مختلفة على مر القرون. بعض المفسرين يركزون على أهمية سؤال يوحنا المعمدان وكيف أدى إلى تأكيد هوية يسوع المسيحانية. يركز آخرون على توبيخ يسوع للمدن التي لم تتُب كتحذير من عواقب رفض رسالة الله. ويركز البعض الآخر على دعوة يسوع للراحة والسلام كعرض للمغفرة والخلاص.
- التفسير التقليدي: يركز على أن يسوع هو المسيح الموعود وأهمية الاستجابة لرسالته.
- التفسير الرمزي: يرى أن المدن المذكورة ترمز إلى رفض الإنسان لله، وأن دعوة يسوع للراحة هي دعوة للتوبة.
- التفسير الاجتماعي: يرى أن يسوع يتحدى السلطات الدينية والاجتماعية في عصره ويدعو إلى المساواة والعدالة.
تأثيرات معاصرة
لا يزال متى 11 يؤثر في المسيحية المعاصرة. غالبًا ما تُستخدم دعوة يسوع للراحة والسلام في الوعظ والتعليم المسيحي. يُنظر إلى توبيخ المدن التي لم تتُب كتحذير من خطورة التهاون في الأمور الروحية. سؤال يوحنا المعمدان يمثل تحديًا للمؤمنين لفحص إيمانهم والتأكد من أنهم يتبعون يسوع حقًا.
تطبيقات عملية
هناك العديد من التطبيقات العملية لمتى 11 في الحياة اليومية. يمكن للمؤمنين أن يتأملوا في سؤال يوحنا المعمدان ويسألوا أنفسهم عما إذا كانوا يؤمنون حقًا بأن يسوع هو المسيح. يمكنهم أيضًا أن يتعلموا من توبيخ المدن التي لم تتُب وأن يكونوا حذرين من التهاون في الأمور الروحية. وأخيرًا، يمكنهم أن يقبلوا دعوة يسوع للراحة والسلام وأن يجدوا فيه القوة والرجاء.
- التأمل في الإيمان: هل أؤمن حقًا بأن يسوع هو المسيح؟
- الحذر من التهاون الروحي: هل أنا حريص على الأمور الروحية؟
- قبول دعوة يسوع: هل أقبل دعوة يسوع للراحة والسلام؟
أسئلة للمناقشة
فيما يلي بعض الأسئلة التي يمكن استخدامها للمناقشة حول متى 11:
- لماذا أرسل يوحنا المعمدان رسلًا ليسألوا يسوع؟
- ماذا يعني أن يسوع هو “الأتي”؟
- ما هي أهمية مديح يسوع ليوحنا المعمدان؟
- لماذا وبخ يسوع المدن التي لم تتُب؟
- ماذا يعني أن نير يسوع هين وحمله خفيف؟
خاتمة
متى 11 هو فصل غني بالمعاني اللاهوتية والروحية. يقدم نظرة ثاقبة على هوية يسوع المسيحانية، وأهمية الاستجابة لرسالته، ودعوة يسوع للراحة والسلام. يمكن للمؤمنين أن يتعلموا الكثير من هذا الفصل وأن يطبقوا مبادئه في حياتهم اليومية.