مقدمة
متى 8 هو الفصل الثامن من إنجيل متى في العهد الجديد، ويواصل السرد حول خدمة يسوع. يركز هذا الفصل على قوة يسوع وسلطانه من خلال سلسلة من المعجزات التي قام بها، بالإضافة إلى بعض تعاليمه الهامة حول التلمذة الحقيقية. يُظهر هذا الفصل يسوع كشخص متعاطف وقادر على شفاء الأمراض الجسدية والروحية، وكذلك كمعلم يطلب من أتباعه التضحية والالتزام الكامل.
شفاء الأبرص
يبدأ الفصل بقصة شفاء الأبرص. عندما نزل يسوع من الجبل، تبعه جمع كثير. اقترب إليه أبرص وسجد له قائلاً: «يا سيد، إن أردت، تقدر أن تطهرني». فمد يسوع يده ولمسه قائلاً: «أريد، اطهر». وللوقت طهر برصه. ثم أمره يسوع قائلاً: «انظر أن لا تقول لأحد. لكن اذهب أرِ نفسك للكاهن، وقدم القربان الذي أمر به موسى شهادة لهم». هذه القصة توضح عدة نقاط مهمة:
- إيمان الأبرص: الأبرص لم يتردد في الاقتراب إلى يسوع والإيمان بقدرته على شفائه.
- رحمة يسوع: يسوع لم يرفض الأبرص بسبب مرضه المعدي، بل أظهر له الرحمة والتعاطف.
- سلطان يسوع: شفاء الأبرص على الفور يظهر سلطان يسوع وقوته الإلهية.
- طاعة الشريعة: يسوع أمر الأبرص بالذهاب إلى الكاهن وتقديم القربان كما أمرت الشريعة، مما يدل على احترامه للشريعة الموسوية.
شفاء عبد قائد المئة
بعد شفاء الأبرص، دخل يسوع إلى كفرناحوم، فجاء إليه قائد مئة يطلب منه أن يشفي عبده المشلول. قال قائد المئة ليسوع: «يا سيد، عبدي مطروح في البيت مفلوجاً، متعذباً جداً». فقال له يسوع: «أنا آتي وأشفيه». فأجاب قائد المئة: «يا سيد، لست مستحقاً أن تدخل تحت سقفي، لكن قل كلمة فقط فيبرأ عبدي. لأني أنا أيضاً رجل تحت سلطان، ولي جنود تحت يدي. أقول لهذا: اذهب! فيذهب، ولآخر: تعال! فيأتي، ولعبدي: افعل هذا! فيفعل».
تعجب يسوع من إيمان قائد المئة وقال للذين يتبعونه: «الحق أقول لكم: لم أجد ولا في إسرائيل إيماناً بمقدار هذا! وأقول لكم: إن كثيرين سيأتون من المشارق والمغارب ويتكئون مع إبراهيم وإسحاق ويعقوب في ملكوت السماوات. وأما بنو الملكوت فيطرحون إلى الظلمة الخارجية. هناك يكون البكاء وصرير الأسنان». ثم قال يسوع لقائد المئة: «اذهب. وكما آمنت ليكن لك». فبرأ عبده في تلك الساعة.
هذه القصة تسلط الضوء على عدة جوانب:
- إيمان قائد المئة: إيمان قائد المئة كان قوياً جداً لدرجة أن يسوع تعجب منه. لقد آمن بأن يسوع قادر على شفاء عبده بكلمة واحدة فقط.
- شمولية الخلاص: يسوع أشار إلى أن كثيرين من الأمم سيأتون إلى ملكوت السماوات، بينما قد يُرفض البعض من بني إسرائيل بسبب عدم إيمانهم.
- سلطان يسوع المطلق: شفاء عبد قائد المئة بكلمة واحدة يظهر سلطان يسوع المطلق على المرض والشفاء.
شفاء حماة بطرس
بعد ذلك، دخل يسوع إلى بيت بطرس ورأى حماته مضطجعة ومصابة بالحمى. فمس يدها فتركتها الحمى، فقامت وخدمتهم. هذه القصة القصيرة تظهر:
- الشفاء الفوري: شفاء حماة بطرس كان فورياً ومباشراً.
- الخدمة بعد الشفاء: بعد شفائها، قامت حماة بطرس بخدمة يسوع وتلاميذه، مما يدل على امتنانها وتكريسها.
شفاء كثيرين آخرين
عندما جاء المساء، أحضروا إلى يسوع كثيرين ممن بهم شياطين، فأخرج الأرواح بكلمة، وشفى جميع المرضى. وذلك ليتم ما قيل بإشعياء النبي القائل: «هو أخذ أسقامنا وحمل أمراضنا». هذه الآية من إشعياء تؤكد أن خدمة يسوع كانت تحقيقاً لنبوءات العهد القديم.
- الشفاء الشامل: يسوع شفى جميع المرضى الذين أُحضروا إليه، مما يدل على رحمته وقدرته الشاملة.
- إخراج الشياطين: قدرة يسوع على إخراج الشياطين تظهر سلطانه على قوى الظلام.
- تحقيق النبوءات: خدمة يسوع كانت تحقيقاً لنبوءات العهد القديم، مما يؤكد هويته المسيانية.
تكلفة التلمذة
بعد ذلك، رأى يسوع جمعاً كثيراً حوله، فأمر بالذهاب إلى العبر. فتقدم كاتب وقال له: «يا معلم، أتبعك أينما تمضي». فقال له يسوع: «للثعالب أوجرة ولطيور السماء أوكار، وأما ابن الإنسان فليس له أين يسند رأسه». وقال له آخر من تلاميذه: «يا سيد، ائذن لي أن أمضي أولاً وأدفن أبي». فقال له يسوع: «اتبعني، ودع الموتى يدفنون موتاهم». هذه الحوارات تكشف عن تكلفة التلمذة الحقيقية:
- التضحية: يسوع أوضح أن اتباعه قد يتطلب التخلي عن الراحة والأمان المادي.
- الأولوية القصوى: يسوع دعا أتباعه إلى إعطاء الأولوية لاتباعه على الالتزامات العائلية، حتى دفن الأقارب.
- الالتزام الكامل: التلمذة الحقيقية تتطلب الالتزام الكامل والتضحية بكل شيء من أجل المسيح.
تهدئة العاصفة
عندما صعد يسوع إلى السفينة، تبعه تلاميذه. وإذا اضطراب عظيم حدث في البحر حتى غطت الأمواج السفينة. وكان هو نائماً. فتقدم إليه تلاميذه وأيقظوه قائلين: «يا سيد، نجنا فإننا نهلك». فقال لهم: «لماذا أنتم خائفون يا قليلي الإيمان؟» ثم قام وانتهر الرياح والبحر، فصار هدوء عظيم. فتعجب الناس قائلين: «أي إنسان هذا؟ فإن الرياح والبحر أيضاً تطيعه!». هذه القصة تظهر:
- سلطان يسوع على الطبيعة: قدرة يسوع على تهدئة العاصفة تظهر سلطانه على قوى الطبيعة.
- ضعف إيمان التلاميذ: يسوع وبخ تلاميذه لضعف إيمانهم وخوفهم أثناء العاصفة.
- قوة الصلاة: التلاميذ لجأوا إلى يسوع بالصلاة أثناء العاصفة، مما يدل على أهمية الصلاة في أوقات الشدة.
طرد الشياطين في أرض الجرجسيين
عندما جاء يسوع إلى العبر إلى أرض الجرجسيين، استقبله مجنونان خارجين من القبور، هائجين جداً، حتى لم يقدر أحد أن يجتاز من تلك الطريق. وإذا بهما قد صرخا قائلين: «ما لنا ولك يا يسوع ابن الله؟ أجئت إلى هنا قبل الوقت لتعذبنا؟» وكان بعيداً عنهم قطيع خنازير كثيرة ترعى. فالشياطين طلبوا إليه قائلين: «إن كنت تخرجنا، فائذن لنا أن نذهب إلى قطيع الخنازير». فقال لهم: «اذهبوا». فخرجوا ومضوا إلى قطيع الخنازير، وإذا القطيع كله قد اندفع من على الجرف إلى البحر ومات في المياه.
أما الرعاة فهربوا ومضوا إلى المدينة وأخبروا بكل شيء، وبخبر المجنونين. فإذا المدينة كلها قد خرجت للقاء يسوع. ولما أبصروه طلبوا إليه أن ينصرف عن تخومهم. هذه القصة تثير بعض النقاط الهامة:
- اعتراف الشياطين بهوية يسوع: الشياطين عرفوا يسوع بأنه ابن الله، مما يؤكد هويته الإلهية.
- سلطان يسوع على الشياطين: يسوع أخرج الشياطين من المجنونين وأذن لهم بالدخول في قطيع الخنازير، مما يدل على سلطانه المطلق على قوى الظلام.
- رفض يسوع من قبل الجرجسيين: الجرجسيون طلبوا من يسوع أن ينصرف عن تخومهم، ربما بسبب الخسارة الاقتصادية التي لحقت بهم بسبب موت الخنازير. هذا يظهر أن البعض قد يرفضون يسوع بسبب مصالحهم الدنيوية.
خاتمة
متى 8 يقدم صورة قوية ليسوع المسيح كشخص يتمتع بالسلطان والقوة والرحمة. من خلال معجزات الشفاء وطرد الأرواح الشريرة، يظهر يسوع قدرته على التغلب على المرض والظلام. بالإضافة إلى ذلك، يكشف هذا الفصل عن تكلفة التلمذة الحقيقية، والتي تتطلب التضحية والالتزام الكامل. إن رفض الجرجسيين ليسوع يسلط الضوء على أن البعض قد يختارون مصالحهم الدنيوية على الخلاص الروحي. بشكل عام، يقدم متى 8 شهادة قوية عن هوية يسوع المسيانية ودعوته إلى التلمذة.