نشأته وتعليمه
ولد فرديناند أوغسطين هالرستين في ليوبليانا، سلوفينيا (التي كانت آنذاك جزءًا من الإمبراطورية النمساوية). انضم إلى جمعية يسوع في عام 1721 ودرس في جامعات غراتس وفيينا. أظهر تفوقًا في الرياضيات وعلم الفلك، مما أهله للعمل في البعثات التبشيرية في الصين.
الرحلة إلى الصين
في عام 1736، أبحر هالرستين إلى الصين، ووصل إلى هناك في عام 1739. كانت هذه الفترة تشهد نشاطًا ملحوظًا للبعثات اليسوعية في الصين، حيث لعب اليسوعيون دورًا هامًا في نقل المعرفة العلمية والتكنولوجية إلى الصين، بينما سعوا في الوقت نفسه إلى نشر المسيحية.
العمل في المحكمة الإمبراطورية
سرعان ما وجد هالرستين طريقه إلى المحكمة الإمبراطورية في بكين، حيث تم تقدير مهاراته في علم الفلك والرياضيات. تم تعيينه في المكتب الفلكي، وهو مؤسسة حكومية مسؤولة عن الحفاظ على التقويم الإمبراطوري وإجراء التنبؤات الفلكية. كان هذا المنصب ذا أهمية كبيرة في الصين، حيث كان يُعتقد أن الأحداث الفلكية تؤثر بشكل مباشر على مصير الإمبراطورية.
عمل هالرستين في البداية تحت إشراف المبشرين اليسوعيين الآخرين الذين سبقوه في هذا المنصب، مثل إغناز كوغلر. بعد وفاة كوغلر، تولى هالرستين منصب رئيس المكتب الفلكي في عام 1746، وهو منصب شغله حتى وفاته في عام 1774.
إنجازاته في علم الفلك
خلال فترة عمله في المكتب الفلكي، قام هالرستين بالعديد من الإنجازات الهامة، بما في ذلك:
- تحسين دقة التقويم الإمبراطوري: قام هالرستين بإجراء تعديلات على التقويم الإمبراطوري لجعله أكثر دقة، بناءً على أحدث المعارف الفلكية الأوروبية.
- إجراء عمليات رصد فلكية دقيقة: قام هالرستين وفريقه بإجراء عمليات رصد فلكية دقيقة للكسوف والخسوف والمذنبات والكواكب. تم استخدام هذه البيانات لتحسين النماذج الفلكية وتوفير معلومات قيمة للإمبراطور.
- ترجمة النصوص الفلكية: قام هالرستين بترجمة العديد من النصوص الفلكية الأوروبية إلى اللغة الصينية، مما ساهم في نشر المعرفة الفلكية الغربية في الصين.
- تصميم الأدوات الفلكية: ساهم هالرستين في تصميم وتصنيع الأدوات الفلكية المستخدمة في المكتب الفلكي.
العلاقات مع الإمبراطور
حظي هالرستين بتقدير كبير من قبل الإمبراطور تشيان لونغ، الذي كان مهتمًا بالعلوم والتكنولوجيا الغربية. كان هالرستين يقدم تقارير منتظمة إلى الإمبراطور حول الأحداث الفلكية والتطورات العلمية. كما شارك في العديد من المشاريع التي أمر بها الإمبراطور، مثل رسم الخرائط وإنشاء الأطلس الإمبراطوري.
كان هالرستين يتمتع بحرية نسبية في ممارسة شعائره الدينية، على الرغم من القيود التي كانت تفرضها الحكومة الصينية على التبشير بالمسيحية. تمكن من الحفاظ على علاقات وثيقة مع المبشرين اليسوعيين الآخرين في الصين، وساعد في دعم أنشطتهم التبشيرية.
الخلافات والتحديات
لم تخل حياة هالرستين في الصين من الخلافات والتحديات. واجه صعوبات في التعامل مع البيروقراطية الصينية المعقدة، وفي الحفاظ على علاقات جيدة مع المسؤولين الصينيين الذين لم يكونوا دائمًا متعاونين. كما واجه تحديات بسبب الخلافات بين الفصائل المختلفة في المحكمة الإمبراطورية.
بالإضافة إلى ذلك، كان هالرستين يعيش في فترة شهدت تدهورًا في العلاقات بين الصين والفاتيكان. أدى الخلاف حول “طقوس الأجداد” الصينية إلى قيام البابا بإصدار مرسوم يحظر على الكاثوليك المشاركة في هذه الطقوس، وهو ما أثار غضب الإمبراطور الصيني وأدى إلى فرض قيود إضافية على النشاط التبشيري.
مراسلاته
حافظ هالرستين على مراسلات واسعة مع زملائه اليسوعيين في أوروبا، حيث كان يتبادل معهم الأخبار والمعلومات حول التطورات العلمية والسياسية في الصين. تعتبر رسائله مصدرًا قيمًا للمعلومات حول حياة اليسوعيين في الصين خلال القرن الثامن عشر، وعن التبادل الثقافي والعلمي بين الصين وأوروبا.
وفاته وإرثه
توفي فرديناند أوغسطين هالرستين في بكين في عام 1774، بعد أن قضى أكثر من 35 عامًا في خدمة الإمبراطور الصيني. تم دفنه في مقبرة زالان، وهي مقبرة تاريخية للمبشرين اليسوعيين في بكين.
يُذكر هالرستين كعالم فلك ورياضيات متميز، ومبشر يسوعي مخلص، وشخصية هامة في تاريخ العلاقات بين الصين وأوروبا. ساهم عمله في المكتب الفلكي في الحفاظ على التقويم الإمبراطوري وتطوير العلوم الفلكية في الصين. كما لعب دورًا هامًا في نقل المعرفة العلمية والتكنولوجية الغربية إلى الصين، وساعد في تعزيز التبادل الثقافي بين البلدين.
خاتمة
كان فرديناند أوغسطين هالرستين شخصية بارزة في تاريخ التبادل العلمي والثقافي بين أوروبا والصين خلال القرن الثامن عشر. بصفته عالم فلك ورياضيات، قدم مساهمات قيمة في تطوير العلوم الفلكية في الصين، وترك بصمة واضحة في تاريخ العلاقات الصينية الأوروبية. يظل إرثه شاهدًا على أهمية التعاون الدولي في مجال العلوم والثقافة.