خلفية تاريخية
شهدت الولايات المتحدة في أربعينيات وخمسينيات القرن التاسع عشر موجة كبيرة من الهجرة، معظمها من أوروبا. تدفق المهاجرون، وخاصة الأيرلنديون (الذين فروا من المجاعة) والألمان، إلى المدن الأمريكية بحثًا عن فرص عمل وحياة أفضل. أدى هذا التدفق المفاجئ إلى تغييرات ديموغرافية كبيرة وزعزع التوازن الاجتماعي والسياسي في العديد من المناطق.
أثار هذا التدفق رد فعل عنيفًا من قبل الأمريكيين الأصليين، الذين كانوا قلقين بشأن تأثير المهاجرين على الوظائف، والثقافة، والسياسة. اتهم القوميون المهاجرين بتقويض القيم الأمريكية، والولاء للبابوية (في حالة الكاثوليك)، والتهديد للاستقرار الاجتماعي.
نشأة الحركة وتطورها
بدأت حركة “اعرف لا شيء” في أوائل خمسينيات القرن التاسع عشر كمنظمة سرية تسمى “النظام السري للنجوم الأمريكية”. كان هدفها الرئيسي هو الحد من نفوذ المهاجرين والكاثوليك في السياسة الأمريكية. تطورت هذه المنظمة بسرعة إلى حزب سياسي، واكتسبت دعمًا واسع النطاق في جميع أنحاء البلاد.
اتبعت الحركة هيكلًا تنظيميًا هرميًا، مع فصول محلية، وفصول ولاية، ومجلس وطني. كان الأعضاء ملزمين بالسرية، وكانوا يتعهدون بعدم الكشف عن أنشطة المنظمة أو كشف هويتهم. كان هذا جانبًا أساسيًا من جاذبية الحركة، حيث سمح لها بالعمل في الخفاء وتنفيذ أجندتها دون تدقيق عام كبير.
أهداف الحركة
كانت أهداف حركة “اعرف لا شيء” متعددة الأوجه، ولكنها ركزت بشكل أساسي على الحد من نفوذ المهاجرين والكاثوليك. شملت أهدافهم الرئيسية:
- تقييد الهجرة: دعوا إلى فرض قيود أكثر صرامة على الهجرة، بما في ذلك فترات تجنيس أطول للمواطنين الجدد.
- معارضة الكاثوليكية: اعتبروا الكاثوليك تهديدًا للقيم الأمريكية، متهمين إياهم بالولاء للبابوية وعدم الولاء للولايات المتحدة.
- التمسك بالقومية: دافعوا عن “الأمريكيين الأصليين” ورفضوا التأثير الأجنبي.
- تولي المناصب السياسية: سعوا إلى السيطرة على المناصب السياسية على جميع المستويات، من البلديات إلى الكونغرس، لتمرير قوانين تدعم أجندتهم.
التأثير السياسي
حققت حركة “اعرف لا شيء” نجاحًا سياسيًا كبيرًا نسبيًا في منتصف خمسينيات القرن التاسع عشر. فازوا بالعديد من المناصب المحلية والولائية، وأرسلوا أعضاء إلى الكونغرس. في عام 1854، حقق الحزب مكاسب كبيرة في انتخابات الولاية، وفازوا بالعديد من مقاعد الهيئات التشريعية للولاية. كان لديهم أيضًا وجود كبير في الانتخابات الرئاسية عام 1856، حيث ترشح ميلارد فيلمور كمرشح للحزب.
على الرغم من نجاحهم الأولي، إلا أن قوة “اعرف لا شيء” بدأت في التلاشي بسرعة في أواخر خمسينيات القرن التاسع عشر. كان هذا يرجع إلى عدة عوامل، بما في ذلك الانقسامات الداخلية حول قضية العبودية، والجدل حول الدين، وفشلهم في تقديم حلول فعالة للمشاكل التي حددوها. مع اشتداد التوتر حول قضية العبودية، انقسم الحزب بين مؤيدين ومعارضين للعبودية، مما أدى إلى تفككه.
انهيار الحركة
تدهورت حركة “اعرف لا شيء” بسرعة بسبب عدد من العوامل. أدت الانقسامات الداخلية، وخاصة بشأن مسألة العبودية، إلى إضعاف الحزب. بالإضافة إلى ذلك، فقد الحزب تدريجياً مصداقيته مع الناخبين. تعرضت أجندته القومية لانتقادات واسعة النطاق على أنها غير ديمقراطية وتمييزية. علاوة على ذلك، فقد الحزب العديد من مؤيديه مع ظهور قضايا أكثر إلحاحًا مثل مسألة العبودية التي طغت على قضايا الهجرة والدين.
بحلول عام 1860، كانت حركة “اعرف لا شيء” قد انهارت بشكل فعال، وتحول العديد من أعضائها إلى أحزاب سياسية أخرى، بما في ذلك الحزب الجمهوري والحزب الديمقراطي. على الرغم من عمرها القصير، إلا أن الحركة تركت بصمة دائمة على السياسة الأمريكية، مما يدل على قوة القومية وكيف يمكن للخوف من التغيير أن يشكل المشهد السياسي.
إرث الحركة
على الرغم من عمرها القصير، إلا أن حركة “اعرف لا شيء” تركت إرثًا دائمًا في التاريخ الأمريكي. أظهرت الحركة كيف يمكن للقومية والتحامل أن يشكلا السياسة، وكيف يمكن للخوف من التغيير أن يؤثر على الرأي العام. ساهمت أفكار الحركة في مناقشات أوسع حول الهجرة والدين والهوية الوطنية، والتي لا تزال ذات صلة حتى اليوم.
كما سلطت الحركة الضوء على أهمية التسامح والشمولية في المجتمع الديمقراطي. أظهرت حركة “اعرف لا شيء” أن استبعاد المجموعات على أساس أصلها أو دينها يمكن أن يكون له عواقب وخيمة، وأن احترام التنوع أمر بالغ الأهمية لصحة الأمة.
خاتمة
كانت حركة “اعرف لا شيء” حركة سياسية قومية مؤقتة في الولايات المتحدة في منتصف القرن التاسع عشر، عارضت الهجرة والكاثوليكية. على الرغم من نجاحها الأولي في الانتخابات، إلا أنها انهارت بسبب الانقسامات الداخلية، وفقدان المصداقية، وصعود قضايا أكثر إلحاحًا مثل العبودية. تركت الحركة إرثًا دائمًا، مما يدل على قوة القومية والتحامل، وأهمية التسامح والشمولية في المجتمع الديمقراطي.