خلفية تاريخية
في عام 1965، أعلنت روديسيا، التي كانت مستعمرة بريطانية تتمتع بالحكم الذاتي، استقلالها بشكل أحادي الجانب تحت قيادة إيان سميث. جاء هذا الإعلان ردًا على معارضة الحكومة البريطانية لمنح الاستقلال لروديسيا في ظل حكم الأقلية البيضاء. كان المطلب الأساسي للمملكة المتحدة هو إرساء حكم الأغلبية، أي منح حقوق التصويت والمشاركة السياسية للأغلبية السوداء في البلاد. رفضت حكومة سميث هذا الشرط، معتبرة أنه سيؤدي إلى فقدان السيطرة السياسية والاقتصادية للبيض.
بعد إعلان الاستقلال الأحادي، فرضت المملكة المتحدة والأمم المتحدة عقوبات اقتصادية على روديسيا في محاولة لإجبار الحكومة على التفاوض وإعادة الحكم الدستوري. ومع ذلك، تمكنت حكومة سميث من البقاء في السلطة على الرغم من هذه العقوبات، وذلك بفضل الدعم من جنوب إفريقيا والبرتغال (التي كانت تحكم موزمبيق وأنغولا المجاورتين). أدى هذا الوضع إلى فترة طويلة من العزلة الدولية والاضطرابات الداخلية.
الاستفتاء
في عام 1969، طرحت حكومة سميث دستورًا جديدًا مقترحًا على استفتاء شعبي. تضمن هذا الدستور تغييرات جوهرية في نظام الحكم في روديسيا. كانت أهم ميزات الدستور الجديد:
- إعلان روديسيا كجمهورية: ألغى الدستور المقترح النظام الملكي، وحول روديسيا إلى جمهورية برئاسة رئيس.
- نظام انتخابي جديد: أُنشئ نظام انتخابي معقد يضمن سيطرة الأقلية البيضاء على البرلمان. تم تقسيم الناخبين إلى فئتين: فئة “أ” وفئة “ب”. كان يحق لجميع البيض التصويت في فئة “أ”، بينما كان يحق لعدد محدود من السود التصويت في هذه الفئة إذا استوفوا متطلبات معينة تتعلق بالتعليم والدخل. أما فئة “ب” فكانت مخصصة بشكل أساسي للسود، ولكن كان تمثيلهم في البرلمان محدودًا للغاية.
- المحافظة على التمييز العنصري: حافظ الدستور على العديد من القوانين التمييزية التي كانت سارية في روديسيا، بما في ذلك الفصل العنصري في المدارس والمستشفيات والأماكن العامة.
جرى الاستفتاء على سؤالين منفصلين: الأول حول الموافقة على الدستور الجديد، والثاني حول اختيار نظام جمهوري. كان التصويت إلزاميًا للناخبين المسجلين من البيض، بينما كان اختياريًا للناخبين السود الذين تمكنوا من التسجيل.
نتائج الاستفتاء
أظهرت نتائج الاستفتاء دعمًا ساحقًا للدستور الجديد والنظام الجمهوري. صوت غالبية الناخبين البيض لصالح كلا المقترحين. من ناحية أخرى، كان الإقبال على التصويت من قبل السود منخفضًا للغاية، ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى عدم ثقتهم بالنظام الانتخابي الجديد والقيود المفروضة على حقوقهم السياسية. أعلنت الحكومة أن الاستفتاء كان بمثابة تفويض شعبي للدستور الجديد والتحول إلى جمهورية.
في مارس 1970، أعلنت روديسيا رسميًا جمهورية، مما أدى إلى تفاقم عزلتها الدولية. رفضت المملكة المتحدة الاعتراف بالجمهورية الجديدة، واعتبرت الحكومة الروديسية غير شرعية. استمرت العقوبات الدولية والنزاع المسلح في التدهور.
تداعيات الاستفتاء
كان للاستفتاء عام 1969 تداعيات كبيرة على مسار الأحداث في روديسيا. فقد عزز الاستفتاء سيطرة الأقلية البيضاء وساهم في استمرار التمييز العنصري. كما أدى إلى تفاقم النزاع المسلح بين الحكومة الروديسية والميليشيات الأفريقية، مما أسفر عن مقتل الآلاف وتشريد الآلاف. على الرغم من الدعم الأولي للدستور الجديد، إلا أنه لم يوفر الاستقرار السياسي أو السلام المطلوب. في النهاية، أدى الاستفتاء إلى تفاقم الأزمة السياسية والاقتصادية في البلاد.
استمرت الحرب الأهلية حتى عام 1979، عندما تم التوصل إلى اتفاق سلام برعاية بريطانية. أُجريت انتخابات جديدة عام 1980، فازت فيها الجبهة الوطنية الأفريقية بقيادة روبرت موغابي. أعلنت روديسيا استقلالها عن المملكة المتحدة مرة أخرى في عام 1980، تحت اسم زيمبابوي، مع حكم الأغلبية.
الخلاصة
كان استفتاء 1969 في روديسيا نقطة تحول حاسمة في تاريخ البلاد. فقد أقر دستورًا جديدًا أعلن روديسيا كجمهورية، وأسس نظامًا انتخابيًا يضمن سيطرة الأقلية البيضاء. على الرغم من الدعم الأولي من قبل الناخبين البيض، إلا أن الاستفتاء أدى إلى تفاقم العزلة الدولية، وتصعيد النزاع المسلح، وإطالة أمد الأزمة السياسية والاقتصادية. كان هذا الاستفتاء بمثابة تأكيد على تصميم حكومة الأقلية البيضاء على الحفاظ على السيطرة، مما أدى في النهاية إلى حرب أهلية دموية وإنهاء نظام الفصل العنصري في زيمبابوي.