خلفية تاريخية
بعد تأسيس الحزب الشيوعي الصيني في عام 1921، بدأ الحزب في التوسع في المناطق الريفية، واكتسب الدعم من الفلاحين الذين عانوا من الفقر والظلم. بحلول عام 1930، أنشأ الشيوعيون سلسلة من المناطق السوفيتية في جميع أنحاء الصين، بما في ذلك المنطقة السوفيتية في جيانغشي. كانت هذه المناطق بمثابة دول داخل دولة، حيث قام الشيوعيون بتنفيذ إصلاحات زراعية، وإنشاء جيوشهم الخاصة، وتحدي سلطة الكومينتانغ بقيادة تشيانغ كاي تشيك.
أدركت حكومة الكومينتانغ التهديد المتزايد الذي يشكله الشيوعيون، وقررت سحقهم. شنت الحكومة سلسلة من الحملات العسكرية ضد المناطق السوفيتية، بدأت بالحملة الأولى في عام 1930. كانت الحملات الثلاث الأولى غير حاسمة، حيث تمكن الشيوعيون من صد هجمات الكومينتانغ بفضل حرب العصابات والتكتيكات الماهرة. ومع ذلك، أدرك تشيانغ كاي تشيك الحاجة إلى اتباع نهج مختلف لسحق الشيوعيين، وهكذا تم التخطيط للحملة الرابعة.
التحضيرات للحملة
أدرك تشيانغ كاي تشيك أن الحملات السابقة قد فشلت بسبب عدم كفاءة القوات الوطنية وتكتيكات حرب العصابات التي استخدمها الشيوعيون. ولذلك، قام بتغيير استراتيجيته للحملة الرابعة. بدأ بتدريب القوات الوطنية بشكل مكثف على التكتيكات الحديثة، وتجهيزهم بأسلحة أفضل. كما قام بتجنيد مستشارين عسكريين ألمان للمساعدة في التخطيط للحملة وتنفيذها.
بالإضافة إلى ذلك، قام تشيانغ كاي تشيك بحصار المناطق السوفيتية، وقطع خطوط إمدادها، ومنع وصول الغذاء والدواء إلى السكان. كان الهدف من ذلك هو إضعاف الشيوعيين وإجبارهم على الاستسلام. كما استخدمت الحكومة الوطنية الدعاية لنشر الدعاية المعادية للشيوعية، ومحاولة كسب دعم السكان المحليين.
في المقابل، استعد الشيوعيون للدفاع عن مناطقهم. قاموا بتعزيز دفاعاتهم، وتدريب قواتهم، وتجميع الإمدادات. اتبعوا سياسة “الدفاع السلبي” في البداية، وتجنبوا الاشتباكات المباشرة مع القوات الوطنية المتفوقة. خططوا لاستخدام حرب العصابات والإغارات لإضعاف القوات الوطنية، وانتظار الفرصة المناسبة للهجوم المضاد.
سير المعركة
بدأت الحملة الرابعة في أكتوبر 1932. تقدمت القوات الوطنية في ثلاثة اتجاهات رئيسية نحو المنطقة السوفيتية في جيانغشي. واجهوا في البداية مقاومة طفيفة من الشيوعيين، الذين انسحبوا إلى مواقع دفاعية. اتبع تشيانغ كاي تشيك استراتيجية “التقدم التدريجي”، وبناء الخنادق وتحصين المواقع التي تم الاستيلاء عليها.
ومع تقدم القوات الوطنية، بدأت تظهر مشاكل في الإمدادات والاتصالات. أصبح من الصعب إيصال الغذاء والذخيرة إلى الجنود، وتضاءلت معنوياتهم. استغل الشيوعيون هذه المشاكل، وبدأوا في شن هجمات مضادة على القوات الوطنية. استخدموا حرب العصابات والإغارات، وهاجموا خطوط الإمداد، وقتلوا الجنود المعزولين.
شهدت الحملة الرابعة معارك عنيفة. خاضت القوات الشيوعية بقيادة ماو تسي تونغ معارك ضارية مع القوات الوطنية. بالرغم من تفوق القوات الوطنية في العدد والتجهيزات، إلا أن الشيوعيين تمكنوا من تحقيق بعض الانتصارات، بفضل التكتيكات العسكرية الماهرة، والروح القتالية العالية. كان من بين المعارك الرئيسية معركة غوانغيوانغ، التي شهدت خسائر كبيرة في كلا الجانبين.
مع مرور الأشهر، بدأ وضع القوات الشيوعية في التدهور. أدى الحصار الذي فرضه الكومينتانغ إلى نقص الإمدادات، وتفشي الأمراض بين السكان. كما بدأت الخلافات الداخلية في الظهور بين القيادات الشيوعية. ومع ذلك، استمر الشيوعيون في القتال، وأظهروا تصميماً على الدفاع عن مناطقهم.
في مارس 1933، أنهت القوات الوطنية الحملة الرابعة بالإعلان عن النصر. على الرغم من أنهم لم يتمكنوا من سحق الشيوعيين تمامًا، إلا أنهم استولوا على مساحة كبيرة من الأراضي، وأضعفوا القوات الشيوعية بشكل كبير. اضطر الشيوعيون إلى التراجع إلى مواقع دفاعية جديدة، والتحضير لمواجهة الحملات القادمة.
نتائج الحملة وتأثيرها
كانت الحملة الرابعة للإطباق على السوفييتية في جيانغشي بمثابة نقطة تحول في الحرب الأهلية الصينية. على الرغم من أن الكومينتانغ لم يتمكن من تدمير الشيوعيين، إلا أن الحملة أضعفتهم بشكل كبير. فقد الشيوعيون السيطرة على العديد من المناطق، وعانوا من خسائر فادحة في الأرواح والعتاد. أظهرت الحملة أيضًا أن الكومينتانغ كان قادرًا على تحسين استراتيجيته وتكتيكاته، وأنه يشكل تهديدًا خطيرًا للشيوعيين.
أدت الحملة الرابعة إلى تغييرات كبيرة في قيادة الحزب الشيوعي الصيني. تم توبيخ القادة الشيوعيون، بمن فيهم ماو تسي تونغ، على أدائهم في الحملة. برزت قيادات جديدة، مثل وانغ مينغ ولي دي سان، اللذان كانا مؤيدين لسياسة أكثر تشددًا ضد الكومينتانغ.
في النهاية، مهدت الحملة الرابعة الطريق للحملة الخامسة للإطباق، والتي كانت أكثر تدميراً للشيوعيين. أدت هذه الحملات إلى “المسيرة الطويلة”، وهي عملية انسحاب تاريخية قامت بها القوات الشيوعية، وساعدت في الحفاظ على وجودهم وقوتهم حتى تمكنوا في النهاية من الفوز بالحرب الأهلية الصينية في عام 1949.
خاتمة
بشكل عام، كانت الحملة الرابعة للإطباق على السوفييتية في جيانغشي بمثابة معركة حاسمة في الحرب الأهلية الصينية. على الرغم من أنها لم تكن حاسمة، إلا أنها أضعفت القوات الشيوعية، وأجبرتهم على تغيير استراتيجيتهم. مهدت الحملة الطريق لمزيد من الصراع، وفي النهاية، انتصار الحزب الشيوعي الصيني. شهدت الحملة استخدام تكتيكات عسكرية جديدة، وأظهرت أهمية الدعم الشعبي في الحرب، وأبرزت أهمية القيادة الفعالة في أوقات الأزمات.