خلفية تاريخية
بعد انتهاء الحملة الشمالية في عام 1928، التي وحدت الصين اسمياً تحت قيادة الكومينتانغ، بدأت الحكومة القومية في مواجهة التحدي المتزايد المتمثل في التمرد الشيوعي. كان الحزب الشيوعي الصيني، الذي تأسس في عام 1921، قد نما في القوة والنفوذ خلال العشرينات. أدى فشل تحالف الحزب الشيوعي مع الكومينتانغ في عام 1927، المعروف باسم “مجزرة شنغهاي”، إلى قمع واسع النطاق للشيوعيين. ومع ذلك، نجا العديد من الشيوعيين ولجأوا إلى المناطق الريفية، حيث أسسوا قواعدهم الخاصة.
أحد هذه القواعد كان في جيانغشي، حيث أسس ماو تسي تونغ في عام 1927 منطقة سوفييتية ريفية. قام ماو، إلى جانب قادة شيوعيين آخرين، بتنفيذ إصلاحات الأراضي التي اكتسبت دعماً واسعاً بين الفلاحين. بحلول عام 1930، كانت منطقة جيانغشي السوفييتية بمثابة نموذج أولي ناجح للحكم الشيوعي، مع جيشها الخاص، وهو الجيش الأحمر الصيني.
أهداف الحملة
كانت أهداف حكومة الكومينتانغ من الحملة الإلتفافية الأولى متعددة الأوجه. كان الهدف الرئيسي هو تدمير القاعدة الشيوعية في جيانغشي. رغبت الحكومة في سحق الجيش الأحمر واستعادة السيطرة على المنطقة، وتوحيد الصين تحت حكمها. بالإضافة إلى ذلك، أرادت الحكومة القضاء على التهديد الذي يمثله الشيوعيون على سلطتها، وتأكيد سيطرتها على المناطق الريفية.
قوات المشاركة
قادت القوات القومية في الحملة الجنرال تشين مينغ شو، واستخدمت حوالي 100000 جندي من الجيش الوطني الثوري. كانت القوات القومية متفوقة من حيث العدد والتجهيزات، ولكنها عانت من نقص في الخبرة والتنسيق. كان الجيش الأحمر، بقيادة تشو ده ومو تسي تونغ، يتكون من حوالي 40000 جندي. كان الجيش الأحمر متمرساً في حرب العصابات، وكان يتمتع بميزة معرفة التضاريس.
سير المعارك
بدأت الحملة في أكتوبر 1930. قسم الكومينتانغ قواته إلى ثلاثة ألوية، تحركت ببطء نحو المنطقة السوفييتية. اعتمد الجيش الأحمر على استراتيجية “الانسحاب إلى الأمام”، وتجنب الاشتباكات المباشرة مع القوات القومية المتفوقة. سمحت هذه الاستراتيجية للجيش الأحمر بتجنب الخسائر الفادحة والحفاظ على قوته.
شهدت الحملة سلسلة من المعارك، بما في ذلك معركة لونغدو، حيث هزم الجيش الأحمر القوات القومية. في يناير 1931، تمكن الجيش الأحمر من إلحاق هزيمة ساحقة بالقوات القومية في معركة جوانزيا، مما أجبرهم على التراجع. أدت هذه الهزيمة إلى نهاية الحملة الإلتفافية الأولى.
نتائج الحملة
كانت الحملة الإلتفافية الأولى بمثابة انتصار كبير للجيش الأحمر الصيني. تمكن الجيش الأحمر من صد هجوم الكومينتانغ، والحفاظ على سيطرته على منطقة جيانغشي السوفييتية. عزز هذا الانتصار سمعة الجيش الأحمر، وأظهر قدرته على تحدي قوات الكومينتانغ المتفوقة.
بالنسبة للكومينتانغ، كانت الحملة بمثابة إخفاق. أظهرت الحملة أن الجيش الوطني الثوري كان يفتقر إلى القيادة الفعالة والتنسيق اللازمين للقضاء على الجيش الأحمر. أدى هذا الإخفاق إلى إضعاف حكومة الكومينتانغ، وعزز ثقة الشيوعيين في قدرتهم على الفوز.
بعد الحملة الإلتفافية الأولى، بدأ الكومينتانغ في التخطيط لسلسلة من الحملات الإلتفافية الأخرى ضد السوفييتية في جيانغشي. استمرت هذه الحملات، التي أصبحت أكثر ضراوة، حتى عام 1934، عندما أُجبر الشيوعيون على الفرار في المسيرة الطويلة.
الدروس المستفادة
قدمت الحملة الإلتفافية الأولى عددًا من الدروس المهمة لكلا الجانبين. بالنسبة للجيش الأحمر، أظهرت الحملة أهمية حرب العصابات والمرونة الاستراتيجية. تعلم الجيش الأحمر أهمية الحفاظ على قوته، وتجنب الاشتباكات المباشرة مع العدو المتفوق، والاعتماد على معرفة التضاريس.
بالنسبة للكومينتانغ، أظهرت الحملة الحاجة إلى قيادة أفضل وتنسيق أفضل وتخطيط عسكري أكثر فعالية. أدركت الحكومة القومية أنها بحاجة إلى تحسين قدراتها القتالية إذا كانت تنوي القضاء على الجيش الأحمر.
تأثير الحملة على التاريخ الصيني
كان للحملة الإلتفافية الأولى تأثير كبير على التاريخ الصيني. فقد عززت قوة الحزب الشيوعي الصيني، وأثبتت قدرة الشيوعيين على البقاء والصمود في مواجهة الشدائد. مهدت الحملة الطريق لنمو الحزب الشيوعي الصيني، وقيامه في نهاية المطاف بالاستيلاء على السلطة في عام 1949.
كما أثرت الحملة على استراتيجيات الحرب في الصين. أظهرت الحملة أهمية حرب العصابات، التي أصبحت فيما بعد السمة المميزة للجيش الشيوعي الصيني. أثرت الحملة على تطور الأفكار العسكرية، وساهمت في تشكيل استراتيجيات الحرب خلال الحرب اليابانية الصينية الثانية والحرب الأهلية الصينية.
خاتمة
كانت الحملة الإلتفافية الأولى ضد السوفييتية في جيانغشي نقطة تحول مهمة في تاريخ الصين الحديث. انتهت بانتصار الجيش الأحمر الصيني، مما عزز مكانة الحزب الشيوعي الصيني. أظهرت الحملة أهمية حرب العصابات والمرونة الاستراتيجية، وأثرت على تطور الأفكار العسكرية في الصين. مهدت الحملة الطريق لنمو الحزب الشيوعي الصيني، وفي نهاية المطاف، قيامه بالاستيلاء على السلطة في عام 1949. كانت الحملة اختبارًا مبكرًا لقدرات الجيش الأحمر وأظهرت صلابة المقاومة الشيوعية، ووضعت الأساس لمراحل الصراع اللاحقة بين الشيوعيين والكومينتانغ.