<![CDATA[
نشأته وتعليمه
ولد داريوش مهرجوي في طهران عام 1939. تعود أصول عائلته إلى مدينة كرمان. بدأ اهتمامه بالفنون في سن مبكرة، حيث درس الموسيقى والفلسفة قبل أن يتجه إلى السينما. في عام 1959، سافر إلى الولايات المتحدة لدراسة السينما والفلسفة في جامعة كاليفورنيا، لوس أنجلوس (UCLA). حصل على درجة البكالوريوس في الفلسفة عام 1964.
بداياته السينمائية
بعد عودته إلى إيران في أواخر الستينيات، بدأ مهرجوي مسيرته المهنية في صناعة الأفلام. في عام 1966، أخرج أول أفلامه الروائية الطويلة بعنوان “الماس 33″، وهو فيلم تجاري لم يلقَ نجاحًا كبيرًا. ومع ذلك، لم يثبط هذا الأمر عزيمته، واستمر في تطوير أسلوبه السينمائي الفريد.
فيلم “البقرة” (Gav) وبداية الموجة الجديدة
يعتبر فيلم “البقرة” (1969) نقطة تحول في مسيرة مهرجوي وفي تاريخ السينما الإيرانية. الفيلم مقتبس من قصة قصيرة للكاتب الإيراني غلام حسين ساعدي، ويروي قصة قروي يعيش في عزلة مع بقرته، وعندما تموت البقرة، يصاب الرجل بصدمة نفسية عميقة تجعله يعتقد أنه هو نفسه البقرة. حقق الفيلم نجاحًا كبيرًا على المستويين النقدي والجماهيري، وفاز بجوائز في مهرجانات سينمائية دولية مرموقة. يعتبر “البقرة” بداية الموجة الجديدة في السينما الإيرانية، وهي حركة سينمائية تتبنى الواقعية والعمق الفلسفي وتنتقد الأوضاع الاجتماعية والسياسية.
أعماله البارزة
بعد النجاح الكبير لفيلم “البقرة”، أخرج مهرجوي سلسلة من الأفلام الهامة التي عززت مكانته كواحد من أبرز المخرجين الإيرانيين. من بين هذه الأفلام:
- “السيد هالو” (Aghaye Halloei) (1970): فيلم كوميدي ساخر ينتقد البيروقراطية والفساد في المجتمع الإيراني.
- “الدائرة المينا” (Mina Cycle) (1975): فيلم وثائقي يصور معاناة عمال مصانع الطوب في إيران، ويسلط الضوء على الظروف المعيشية الصعبة التي يواجهونها.
- “الضيوف” (Ghesseh-ha) (1981): فيلم درامي يستكشف العلاقات الإنسانية المعقدة في المجتمع الإيراني.
- “هامون” (Hamoun) (1990): يعتبر من أهم أفلام مهرجوي وأكثرها شهرة. الفيلم دراما فلسفية تدور حول مثقف يعاني من أزمة وجودية وعلاقاته المتدهورة.
- “سارا” (Sara) (1993): مقتبس من مسرحية “بيت الدمية” لهنريك إبسن، ويتناول قضايا المرأة في المجتمع الإيراني.
- “بيري” (Pari) (1995): مقتبس بشكل غير رسمي من رواية “Franny and Zooey” لجي دي سالينجر، ويستكشف مواضيع روحية وفلسفية.
- “ليلى” (Leila) (1997): دراما اجتماعية مؤثرة تدور حول زوجين يواجهان ضغوطًا اجتماعية كبيرة بسبب عدم قدرتهما على الإنجاب.
- “ميكس” (Mix) (1999): فيلم كوميدي ساخر ينتقد صناعة السينما في إيران.
- “الورثة” (The Weeping Willow) (2005): دراما فلسفية تدور حول رجل يستعيد بصره بعد سنوات من العمى، ويكتشف أن رؤية العالم ليست دائمًا نعمة.
- “نارنجي پوش” (Orange Suit) (2012): فيلم كوميدي درامي عن مصور فوتوغرافي يصبح جامع قمامة بسبب اهتمامه بالبيئة.
أسلوبه السينمائي
تميز داريوش مهرجوي بأسلوبه السينمائي الفريد الذي يجمع بين الواقعية والعمق الفلسفي. كان مهتمًا بتصوير الحياة اليومية للناس العاديين في إيران، واستكشاف القضايا الاجتماعية والسياسية المعقدة التي تواجههم. غالبًا ما تتناول أفلامه مواضيع مثل الهوية، والعلاقات الإنسانية، والصراع بين التقاليد والحداثة، وأزمة المعنى في الحياة المعاصرة.
كما اشتهر مهرجوي بقدرته على استخراج أفضل أداء من الممثلين، حيث عمل مع بعض من أبرز الممثلين الإيرانيين في أفلامه. كان يتميز أيضًا ببراعته في استخدام الموسيقى والتصوير السينمائي لخلق أجواء مؤثرة ومعبرة في أفلامه.
تأثيره على السينما الإيرانية والعالمية
كان لداريوش مهرجوي تأثير كبير على السينما الإيرانية والعالمية. يعتبر من مؤسسي الموجة الجديدة في السينما الإيرانية، وهي حركة سينمائية ساهمت في تطوير السينما الإيرانية وجعلها تحظى بتقدير دولي. ألهمت أفلامه العديد من المخرجين الإيرانيين الشباب، وساهمت في تشكيل أسلوبهم السينمائي.
كما حظيت أفلام مهرجوي بتقدير كبير من قبل النقاد والجمهور في جميع أنحاء العالم، وفازت بالعديد من الجوائز في مهرجانات سينمائية دولية مرموقة. ساهمت أفلامه في التعريف بالثقافة الإيرانية وتسليط الضوء على القضايا الاجتماعية والسياسية التي تواجه إيران.
الجوائز والتكريمات
حصل داريوش مهرجوي على العديد من الجوائز والتكريمات خلال مسيرته المهنية، من بينها:
- جائزة أفضل فيلم في مهرجان طهران السينمائي عن فيلم “البقرة” (1969).
- جائزة النقاد الدوليين في مهرجان كان السينمائي عن فيلم “البقرة” (1971).
- جائزة أفضل مخرج في مهرجان سان سيباستيان السينمائي عن فيلم “هامون” (1990).
- جائزة الإنجاز مدى الحياة في مهرجان القاهرة السينمائي الدولي (2007).
وفاته
توفي داريوش مهرجوي وزوجته وحيده محمدي فر في منزلهما في كرج في 14 أكتوبر 2023. وأعلنت الشرطة أن الوفاة كانت نتيجة جريمة قتل.
خاتمة
كان داريوش مهرجوي شخصية بارزة في تاريخ السينما الإيرانية، وأحد مؤسسي الموجة الجديدة. ترك إرثًا سينمائيًا غنيًا ومؤثرًا، وسيظل اسمه محفورًا في ذاكرة السينما الإيرانية والعالمية. تميز بأسلوبه الواقعي العميق وتناوله للقضايا الاجتماعية والفلسفية المعقدة في أفلامه، وألهم العديد من المخرجين الإيرانيين الشباب. ستظل أفلامه شاهدة على موهبته وإبداعه وإسهامه الكبير في تطوير السينما.