خلفية تاريخية
شهد إقليم الباسك تاريخًا طويلًا من السعي إلى الحكم الذاتي والاستقلال. تتمتع المنطقة بثقافة ولغة فريدة، وقد سعت لفترة طويلة إلى الحصول على قدر أكبر من السيطرة على شؤونها الخاصة. خلال عهد فرانكو، قمعت الهوية الباسكية بشدة، مما أدى إلى زيادة الرغبة في الحكم الذاتي. بعد وفاة فرانكو في عام 1975، بدأت إسبانيا عملية تحول إلى الديمقراطية، وتم منح إقليم الباسك درجة من الحكم الذاتي.
تأسس الحكم الذاتي في إقليم الباسك بموجب دستور عام 1978، والذي اعترف بحق المناطق في الحكم الذاتي. في عام 1979، تم تمرير نظام الحكم الذاتي لإقليم الباسك، والذي منح المنطقة صلاحيات واسعة في مجالات مثل التعليم والصحة والثقافة والمالية. ومع ذلك، استمرت التوترات بين الحكومة الإقليمية والحكومة الإسبانية فيما يتعلق بمسائل مثل وضع السجناء السياسيين الباسكيين والنشاط المسلح لمنظمة إيتا (ETA).
الأحداث التي أدت إلى الاستفتاء المقترح
بحلول أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، كانت هناك زيادة في الدعم للاستقلال الكامل لإقليم الباسك. في عام 2003، اقترح الرئيس الباسكي خوان خوسيه إيغورولا، من الحزب القومي الباسكي، خطة تهدف إلى زيادة الحكم الذاتي في إقليم الباسك. ومع ذلك، تم رفض هذه الخطة من قبل الحكومة الإسبانية.
في عام 2004، فاز الحزب الاشتراكي الإسباني في الانتخابات الوطنية، مما أدى إلى تحول في المشهد السياسي. بدأ رئيس الوزراء خوسيه لويس رودريغيز ثاباتيرو عملية للحوار مع الحكومة الإقليمية الباسكية. في عام 2006، أعلن ثاباتيرو عن اقتراح لإجراء استفتاء على خطة جديدة للحكم الذاتي، والتي من شأنها أن تمنح إقليم الباسك قدرًا أكبر من الحكم الذاتي.
تمت صياغة الخطة الجديدة للحكم الذاتي، والتي كانت تُعرف باسم “خطة إيزكيرابيد”، من قبل البرلمان الإقليمي في إقليم الباسك. دعت الخطة إلى الاعتراف بإقليم الباسك كـ “أمة” و”حق تقرير المصير”. كما دعت الخطة إلى توسيع صلاحيات إقليم الباسك في مجالات مثل العدالة والشرطة والمالية. تمت الموافقة على الخطة من قبل البرلمان الإقليمي في ديسمبر 2006.
محتوى الاستفتاء المقترح
كان الاستفتاء المقترح يهدف إلى سؤال المواطنين الباسكيين عما إذا كانوا يؤيدون خطة إيزكيرابيد. كان النص الكامل للسؤال كما يلي: “هل توافق على خطة الحكم الذاتي المقترحة لإقليم الباسك؟” كانت الخطة تتضمن عددًا من الأحكام الرئيسية، بما في ذلك:
- الاعتراف بإقليم الباسك كـ “أمة”.
- الاعتراف بحق تقرير المصير.
- توسيع صلاحيات إقليم الباسك في مجالات مثل العدالة والشرطة والمالية.
- إمكانية إجراء استفتاءات أخرى في المستقبل بشأن القضايا ذات الأهمية الخاصة لإقليم الباسك.
كانت الخطة مثيرة للجدل بشدة. أيدها القوميون الباسكيون الذين اعتقدوا أنها تمثل خطوة مهمة نحو الاستقلال. عارضها السياسيون الإسبان الذين اعتقدوا أنها تنتهك الدستور الإسباني وتهدد وحدة إسبانيا. عارضها أيضًا بعض الجماعات الباسكية التي اعتقدت أنها لا تذهب بعيدًا بما فيه الكفاية.
الإجراءات القانونية والإلغاء
واجه الاستفتاء المقترح على الفور معارضة من الحكومة الإسبانية. ادعت الحكومة أن خطة إيزكيرابيد تنتهك الدستور الإسباني، وخاصة المادة 2، التي تنص على أن “السيادة الوطنية تكمن في الشعب الإسباني”. قدمت الحكومة الإسبانية طعنًا ضد الاستفتاء إلى المحكمة العليا الإسبانية.
في مايو 2008، قضت المحكمة العليا الإسبانية بأن الاستفتاء غير دستوري. رأت المحكمة أن السؤال المقترح حول الاستفتاء ينتهك الدستور الإسباني لأنه يشير إلى “حق تقرير المصير” والذي اعتبرته المحكمة يتعارض مع السيادة الوطنية. بالإضافة إلى ذلك، رأت المحكمة أن بعض جوانب خطة إيزكيرابيد تتجاوز صلاحيات إقليم الباسك.
أدى قرار المحكمة العليا إلى إلغاء الاستفتاء. أثار القرار غضبًا واسعًا في إقليم الباسك. اتهمت الحكومة الإقليمية المحكمة بمهاجمة الحكم الذاتي في إقليم الباسك. نظم القوميون الباسكيون مظاهرات احتجاجًا على القرار.
تأثير الإلغاء
كان لإلغاء الاستفتاء تأثير كبير على المشهد السياسي في إقليم الباسك. فقد أدى إلى تفاقم التوترات بين الحكومة الإقليمية والحكومة الإسبانية. كما أدى إلى زيادة الدعم للاستقلال الكامل في إقليم الباسك. في الانتخابات الإقليمية التي جرت في عام 2009، فازت الأحزاب القومية الباسكية بأغلبية المقاعد، مما يدل على أن قرار المحكمة العليا لم يؤد فقط إلى إخماد الاستفتاء المقترح، بل أدى أيضًا إلى تقوية الدعم للاستقلال.
أثرت القضية على طبيعة النقاش حول الحكم الذاتي والاستقلال. أظهرت القضية أن الحكم الذاتي كان قضية معقدة، وأن هناك خلافات حول حدود الحكم الذاتي. أظهرت القضية أيضًا أن مسألة الاستقلال كانت لا تزال موضوعًا مهمًا في السياسة الباسكية.
خاتمة
كان الاستفتاء الباسكي المقترح لعام 2008 يمثل لحظة حاسمة في تاريخ إقليم الباسك. كان من المفترض أن يمثل الاستفتاء فرصة لسكان إقليم الباسك للتعبير عن آرائهم بشأن مستقبل المنطقة. ومع ذلك، تم إلغاء الاستفتاء من قبل المحكمة العليا الإسبانية، مما أدى إلى تفاقم التوترات بين الحكومة الإقليمية والحكومة الإسبانية، وزيادة الدعم للاستقلال. أثرت القضية على طبيعة النقاش حول الحكم الذاتي والاستقلال، وأظهرت أن هذه القضايا لا تزال ذات أهمية كبيرة في المشهد السياسي الباسكي. على الرغم من أن الاستفتاء لم يحدث، إلا أنه ترك إرثًا دائمًا، وشكل الطريقة التي يتصور بها الباسكيون هويتهم ومستقبلهم.