<![CDATA[
مقدمة
قد يشير اسم فيودور تولستوي إلى شخصيتين روسيتين بارزتين، وكلاهما ترك بصمة واضحة في مجاله. من الضروري التمييز بينهما لتجنب الخلط، حيث أن كلاً منهما عاش في فترة مختلفة نسبياً وقدم إسهامات متميزة.
تهدف هذه المقالة إلى تسليط الضوء على كل من فيودور بتروفيتش تولستوي و فيودور إيفانوفيتش تولستوي، مع استعراض موجز لحياتهما وإنجازاتهما الرئيسية، وذلك لتقديم صورة شاملة عن هاتين الشخصيتين اللتين تحملان نفس الاسم وتختلفان في المسار المهني والشخصي.
فيودور بتروفيتش تولستوي (1783–1873): الفنان الروسي
فيودور بتروفيتش تولستوي (بالروسية: Фёдор Петрович Толстой)، ولد في 21 فبراير 1783 وتوفي في 25 أبريل 1873، كان رسامًا ونحاتًا ومصمم ميداليات روسيًا. ينتمي إلى عائلة تولستوي النبيلة، وقد ترك إرثًا فنيًا غنيًا ومتنوعًا.
بدأ تولستوي حياته المهنية في الجيش، لكن شغفه بالفن دفعه إلى التخلي عن المسيرة العسكرية والالتحاق بأكاديمية الفنون في سانت بطرسبرغ. هناك، درس الرسم والنحت، وسرعان ما أظهر موهبة استثنائية.
أعماله الفنية:
- الرسومات: اشتهر فيودور بتروفيتش تولستوي برسوماته التفصيلية والدقيقة، والتي غالبًا ما كانت تصور مشاهد تاريخية وأسطورية. من أبرز رسوماته سلسلة “حرب 1812″، التي تجسد الأحداث الهامة في الحرب الوطنية الروسية ضد نابليون بونابرت.
- النحت: قدم تولستوي أيضًا مساهمات كبيرة في مجال النحت، حيث قام بتصميم العديد من التماثيل والنقوش البارزة. من أشهر أعماله النحتية تمثال “العمود الإسكندري” في سانت بطرسبرغ، الذي يخلد ذكرى انتصار روسيا على نابليون.
- تصميم الميداليات: كان تولستوي مصمم ميداليات موهوبًا، وقام بتصميم العديد من الميداليات التذكارية التي احتفت بالأحداث الهامة والشخصيات البارزة في تاريخ روسيا. تميزت ميدالياته بدقتها الفنية وجمالها الزخرفي.
إسهاماته الأخرى:
- أكاديمية الفنون: شغل فيودور بتروفيتش تولستوي منصب نائب رئيس أكاديمية الفنون في سانت بطرسبرغ لعدة سنوات، وساهم في تطوير المناهج الدراسية وتعزيز مكانة الأكاديمية كمركز رائد للفنون في روسيا.
- التعليم: كان تولستوي معلمًا ملهمًا، وقام بتدريب العديد من الفنانين الشباب الذين أصبحوا فيما بعد من أبرز الأسماء في عالم الفن الروسي.
- جمع التحف الفنية: كان تولستوي جامعًا شغوفًا للتحف الفنية، وجمع مجموعة كبيرة من اللوحات والرسومات والمنحوتات والتحف الأثرية. بعد وفاته، تم التبرع بمجموعته القيمة إلى متحف الإرميتاج في سانت بطرسبرغ.
حياته الشخصية:
تزوج فيودور بتروفيتش تولستوي من أناستاسيا إيفانوفنا وأنجب منها العديد من الأطفال. كان يتمتع بشخصية محبوبة ومرحة، وكان يحظى بتقدير واحترام كبيرين من قبل زملائه الفنانين وأصدقائه.
فيودور إيفانوفيتش تولستوي (الأمريكي) (1782-1846): المغامر
فيودور إيفانوفيتش تولستوي (بالروسية: Фёдор Иванович Толстой)، المعروف أيضًا باسم “الأمريكي” (Американец)، ولد في 17 فبراير 1782 وتوفي في 5 نوفمبر 1846، كان شخصية روسية مثيرة للجدل، اشتهر بمغامراته الخارجة عن المألوف وشخصيته الغريبة الأطوار. كان ينتمي أيضًا إلى عائلة تولستوي النبيلة، لكنه اتبع مسارًا مختلفًا تمامًا عن مسار قريبه الفنان فيودور بتروفيتش تولستوي.
اكتسب فيودور إيفانوفيتش تولستوي لقب “الأمريكي” بعد أن شارك في رحلة بحرية حول العالم على متن سفينة “ناديجدا” في الفترة ما بين 1803 و 1806. خلال هذه الرحلة، تسبب في العديد من المشاكل والفوضى، مما أدى في النهاية إلى طرده من السفينة وإنزاله في جزيرة ألاسكا، التي كانت آنذاك جزءًا من روسيا الأمريكية.
مغامراته وأعماله المثيرة للجدل:
- الرحلة حول العالم: خلال رحلته على متن سفينة “ناديجدا”، اشتهر تولستوي بمقالبه الغريبة وتصرفاته المتهورة. يقال إنه قام بتخدير قبطان السفينة واستبدال القرود الحقيقية بقرود محنطة في حجرة الحيوانات على متن السفينة.
- الإقامة في ألاسكا: بعد طرده من السفينة، قضى تولستوي عدة أشهر في ألاسكا، حيث عاش مع السكان الأصليين وتعلم لغتهم وعاداتهم. يُقال إنه تزوج من امرأة من السكان الأصليين وأنجب منها طفلًا.
- المبارزات: اشتهر تولستوي بمهارته في المبارزة، وكان يشارك في العديد من المبارزات، بعضها كان قاتلًا. يُزعم أنه قتل 11 شخصًا في المبارزات.
- المقامرة: كان تولستوي مقامرًا شرسًا، وكان يخسر مبالغ كبيرة من المال في لعب القمار.
- الحياة الاجتماعية: كان تولستوي شخصية اجتماعية بارزة، وكان يحضر الحفلات والمناسبات الاجتماعية الراقية. كان يتمتع بشخصية جذابة وساحرة، لكنه كان أيضًا معروفًا بلسانه اللاذع وتعليقاته الساخرة.
حياته الشخصية:
تزوج فيودور إيفانوفيتش تولستوي من آنا فيودوروفنا وأنجب منها 12 طفلاً، لكن معظمهم توفوا في سن مبكرة. يُقال إنه كان أبًا محبًا وحنونًا، لكنه كان أيضًا قاسيًا وصارمًا في بعض الأحيان.
تأثيره في الأدب:
ألهمت شخصية فيودور إيفانوفيتش تولستوي العديد من الكتاب والشعراء الروس، بما في ذلك ألكسندر بوشكين وليو تولستوي. يُعتقد أن بوشكين استوحى شخصية دولاخوف في روايته “الحرب والسلام” من شخصية تولستوي.
الاختلافات والتشابهات بين الشخصيتين
على الرغم من حملهما لنفس الاسم وانتمائهما إلى نفس العائلة النبيلة، كان فيودور بتروفيتش تولستوي و فيودور إيفانوفيتش تولستوي شخصيتين مختلفتين تمامًا. كان فيودور بتروفيتش تولستوي فنانًا موهوبًا ومحترمًا، بينما كان فيودور إيفانوفيتش تولستوي مغامرًا مثيرًا للجدل وغريب الأطوار.
الاختلافات الرئيسية:
- المهنة: كان فيودور بتروفيتش تولستوي فنانًا، بينما كان فيودور إيفانوفيتش تولستوي مغامرًا.
- الشخصية: كان فيودور بتروفيتش تولستوي شخصًا محترمًا ومحبوبًا، بينما كان فيودور إيفانوفيتش تولستوي شخصية مثيرة للجدل وغريبة الأطوار.
- الإرث: ترك فيودور بتروفيتش تولستوي إرثًا فنيًا غنيًا ومتنوعًا، بينما اشتهر فيودور إيفانوفيتش تولستوي بمغامراته وأعماله المثيرة للجدل.
التشابهات:
- الاسم: كلاهما يحملان نفس الاسم.
- العائلة: كلاهما ينتميان إلى عائلة تولستوي النبيلة.
- الذكاء: كلاهما كانا يتمتعان بذكاء حاد وثقافة واسعة.
خاتمة
في الختام، يمثل فيودور تولستوي اسماً يتردد صداه في تاريخ روسيا، وإن كان يشير إلى شخصيتين متميزتين تماماً. فيودور بتروفيتش تولستوي، الفنان المبدع، ترك بصمة لا تُمحى في عالم الفن الروسي من خلال رسوماته ومنحوتاته وميدالياته. بينما فيودور إيفانوفيتش تولستوي، المغامر الجريء، اشتهر بمغامراته المثيرة للجدل وحياته الخارجة عن المألوف. على الرغم من اختلاف مساراتهما، إلا أن كلاً منهما ساهم في إثراء التاريخ والثقافة الروسية، مما يجعل من الضروري التمييز بينهما لتقدير إسهاماتهما بشكل كامل.