مقدمة
دِيبافامسا (بالبالية: Dīpavaṃsa، وتعني “تاريخ الجزيرة”) هو أقدم سجل تاريخي لسريلانكا. يُعتقد أن هذا السجل التأريخي قد تم تجميعه في القرن الرابع الميلادي من مصادر أقدم، وهو يوفر نظرة ثاقبة على تاريخ سريلانكا المبكر، وانتشار البوذية في الجزيرة، وعلاقاتها مع الهند.
أصل وتأليف دِيبافامسا
يُعتقد أن دِيبافامسا قد تم تأليفه من قبل راهبات بوذيات في أنورادابورا، العاصمة القديمة لسريلانكا. يعتمد النص على مواد أقدم، بما في ذلك الحكايات الشعبية، والتراث الشفهي، والنصوص البوذية المكتوبة. يُظهر أسلوب الكتابة أن مؤلفي الكتاب كانوا يتمتعون بمعرفة جيدة باللغة البالية، على الرغم من وجود بعض الأخطاء النحوية والإملائية التي تشير إلى أنهم ربما لم يكونوا متحدثين أصليين للغة.
لا يُعرف على وجه اليقين من هم المؤلفون الفعليون لدِيبافامسا، ولكن من الواضح أنهم كانوا على دراية جيدة بالتقاليد البوذية وتاريخ سريلانكا. ربما كانوا أعضاء في مجتمع الراهبات في أنورادابورا، اللائي لعبن دورًا مهمًا في الحفاظ على النصوص البوذية ونشرها.
محتوى دِيبافامسا
يغطي دِيبافامسا فترة طويلة من التاريخ السريلانكي، بدءًا من وصول الأمير فيجايا الأسطوري إلى الجزيرة في القرن السادس قبل الميلاد، ووصولًا إلى عهد الملك ماهاسينا (القرن الرابع الميلادي). يمكن تقسيم محتوى الكتاب إلى عدة أقسام رئيسية:
- الأصول الأسطورية لسريلانكا: يروي الكتاب قصة الأمير فيجايا، الذي يُعتقد أنه مؤسس العرق السنهالي، وكيف وصل إلى سريلانكا مع أتباعه. تتضمن هذه الرواية عناصر أسطورية وخرافية، ولكنها تعكس أيضًا بعض الحقائق التاريخية حول الهجرات المبكرة إلى الجزيرة.
- إدخال البوذية إلى سريلانكا: يصف الكتاب كيف تم إدخال البوذية إلى سريلانكا في عهد الملك ديفانامبيا تيسّا في القرن الثالث قبل الميلاد. يلعب الراهب ماهيندا، ابن الإمبراطور أشوكا، دورًا حاسمًا في هذا الحدث، حيث قام بتحويل الملك والشعب إلى البوذية وأسس النظام الرهباني البوذي في الجزيرة.
- تاريخ الملوك السريلانكيين: يقدم الكتاب سردًا لتاريخ الملوك الذين حكموا سريلانكا، مع التركيز على إنجازاتهم في بناء المعابد، ودعم البوذية، وتوحيد البلاد. يتضمن هذا السرد العديد من التفاصيل حول الحروب، والتحالفات، والعلاقات مع القوى الأجنبية.
- تاريخ المؤسسات البوذية: يصف الكتاب تطور المؤسسات البوذية في سريلانكا، مثل الأديرة والمعابد، وكيف أصبحت مراكز مهمة للتعليم والثقافة. يتضمن هذا الوصف معلومات عن التبرعات، والأوقاف، والممارسات الدينية التي كانت سائدة في ذلك الوقت.
أهمية دِيبافامسا
يحظى دِيبافامسا بأهمية كبيرة لعدة أسباب:
- أقدم سجل تاريخي لسريلانكا: يعتبر دِيبافامسا أقدم مصدر مكتوب لتاريخ سريلانكا. على الرغم من أنه يعتمد على مواد أقدم، إلا أنه يمثل أول محاولة لتجميع تاريخ متماسك للجزيرة.
- مصدر رئيسي لتاريخ البوذية في سريلانكا: يوفر دِيبافامسا معلومات قيمة عن انتشار البوذية في سريلانكا وتطورها. يصف الكتاب كيف تم تأسيس النظام الرهباني البوذي، وكيف أصبحت البوذية الدين الرئيسي في البلاد.
- مرجع للأعمال التاريخية اللاحقة: كان دِيبافامسا مصدرًا مهمًا للأعمال التاريخية اللاحقة، مثل ماهافامسا، وهو سجل تاريخي أكثر تفصيلاً وشمولية لسريلانكا. اعتمد مؤلفو ماهافامسا على دِيبافامسا كمصدر أساسي للمعلومات، وقاموا بتوسيعه وتعديله.
- أهميته الثقافية: يعكس دِيبافامسا المعتقدات، والقيم، والتقاليد الثقافية للشعب السريلانكي في ذلك الوقت. يقدم الكتاب نظرة ثاقبة على المجتمع، والدين، والسياسة في سريلانكا القديمة.
نقد دِيبافامسا
على الرغم من أهميته، فإن دِيبافامسا ليس عملاً تاريخيًا مثاليًا. يتعرض الكتاب لبعض الانتقادات:
- التحيز الديني: يُظهر دِيبافامسا تحيزًا واضحًا لصالح البوذية. يركز الكتاب على إنجازات الملوك البوذيين، ويتجاهل أو يقلل من شأن الملوك الذين لم يكونوا بوذيين.
- الأخطاء التاريخية: يحتوي دِيبافامسا على بعض الأخطاء التاريخية والتناقضات. على سبيل المثال، يختلف الكتاب مع مصادر أخرى حول بعض التواريخ والأحداث.
- الأسلوب الأدبي: يُعتبر أسلوب الكتابة في دِيبافامسا بسيطًا ومباشرًا. يفتقر الكتاب إلى العمق والتعقيد الأدبي الموجود في أعمال تاريخية أخرى.
ومع ذلك، يجب أن نتذكر أن دِيبافامسا هو عمل تاريخي مبكر، وأنه تم تأليفه في ظروف مختلفة عن تلك التي نعيشها اليوم. على الرغم من عيوبه، يظل دِيبافامسا مصدرًا قيمًا لتاريخ سريلانكا المبكر.
دِيبافامسا وماهافامسا
غالبًا ما تتم مقارنة دِيبافامسا مع ماهافامسا، وهو سجل تاريخي لاحق لسريلانكا. يعتبر ماهافامسا أكثر تفصيلاً وشمولية من دِيبافامسا، ويعتبر بشكل عام العمل التاريخي القياسي لسريلانكا. ومع ذلك، فإن دِيبافامسا لا يزال مهمًا لأنه أقدم مصدر، ويوفر نظرة ثاقبة على تطور الكتابة التاريخية في سريلانكا.
يعتمد ماهافامسا على دِيبافامسا كمصدر أساسي، ولكنه يضيف أيضًا معلومات جديدة ويصحح بعض الأخطاء الموجودة في دِيبافامسا. يعتبر ماهافامسا أكثر دقة تاريخية وأكثر تعقيدًا من الناحية الأدبية من دِيبافامسا.
الأهمية المستمرة لدِيبافامسا
على الرغم من وجود أعمال تاريخية أحدث وأكثر شمولية لسريلانكا، إلا أن دِيبافامسا لا يزال يحظى بأهمية مستمرة. يستخدم العلماء والباحثون دِيبافامسا لدراسة تاريخ سريلانكا المبكر، وفهم تطور البوذية في الجزيرة، وتحليل التقاليد الثقافية للشعب السريلانكي.
كما أن دِيبافامسا يمثل جزءًا مهمًا من التراث الثقافي لسريلانكا. يُدرس الكتاب في المدارس والجامعات، ويستخدم كمصدر للإلهام للفنانين والكتاب.
خاتمة
دِيبافامسا هو أقدم سجل تاريخي لسريلانكا، ويقدم نظرة ثاقبة على تاريخ الجزيرة المبكر، وانتشار البوذية، وتطور الثقافة السريلانكية. على الرغم من وجود بعض الأخطاء والتحيزات، يظل دِيبافامسا مصدرًا قيمًا للباحثين والمهتمين بتاريخ سريلانكا.