<![CDATA[
أصول تحيز الإحجام
تعود جذور تحيز الإحجام إلى عدة عوامل نفسية وتطورية. من الناحية النفسية، غالبًا ما يكون الإقدام مرتبطًا بالشعور بالندم والمسؤولية. عندما نتخذ إجراءً ما يؤدي إلى نتيجة سلبية، فإننا نميل إلى الشعور بالمسؤولية الشخصية عن تلك النتيجة. في المقابل، عندما نتقاعس عن الفعل وتحدث نتيجة سلبية، فإننا نميل إلى إلقاء اللوم على الظروف أو على عوامل أخرى خارجة عن سيطرتنا. هذا الشعور بالمسؤولية الأقل يجعل الإحجام أكثر جاذبية من الناحية النفسية.
من الناحية التطورية، قد يكون تحيز الإحجام قد تطور كوسيلة لتقليل المخاطر. في البيئات القديمة، كان الإقدام غالبًا ما ينطوي على مخاطر كبيرة، مثل المغامرة في مناطق مجهولة بحثًا عن الطعام أو مواجهة الحيوانات المفترسة. في المقابل، كان الإحجام غالبًا ما يكون الخيار الأكثر أمانًا، حيث كان يسمح للأفراد بالبقاء في بيئة مألوفة وتجنب المخاطر المحتملة. بمرور الوقت، قد يكون هذا الميل إلى تفضيل الإحجام قد ترسخ في أذهاننا.
أمثلة على تحيز الإحجام
يمكن ملاحظة تحيز الإحجام في مجموعة متنوعة من المواقف الحياتية، بما في ذلك:
- الخيارات الطبية: غالبًا ما يتردد المرضى في الخضوع لعمليات جراحية أو علاجات طبية أخرى، حتى لو كانت هذه الإجراءات من المرجح أن تحسن صحتهم. هذا التردد قد يكون مدفوعًا بتحيز الإحجام، حيث يشعر المرضى بالقلق من أن الإجراء قد يؤدي إلى مضاعفات أو آثار جانبية سلبية.
- الاستثمارات المالية: قد يتردد المستثمرون في إجراء تغييرات على محافظهم الاستثمارية، حتى لو كانت هذه التغييرات من المرجح أن تزيد من عائداتهم. هذا التردد قد يكون مدفوعًا بتحيز الإحجام، حيث يشعر المستثمرون بالقلق من أنهم قد يتخذون قرارات استثمارية سيئة تؤدي إلى خسائر مالية.
- السياسات العامة: غالبًا ما تتردد الحكومات في اتخاذ إجراءات لمعالجة المشاكل الاجتماعية والاقتصادية، حتى لو كانت هذه الإجراءات من المرجح أن تحسن حياة المواطنين. هذا التردد قد يكون مدفوعًا بتحيز الإحجام، حيث يشعر المسؤولون بالقلق من أن الإجراءات الحكومية قد تؤدي إلى عواقب غير مقصودة أو ردود فعل سلبية من الجمهور.
- التبرع بالأعضاء: يوضح هذا المثال الكلاسيكي تفضيلًا للإحجام على الفعل. غالبًا ما يختار الناس عدم التسجيل كمتبرعين بالأعضاء على الرغم من حقيقة أن عدم القيام بذلك يمكن أن يؤدي إلى وفاة شخص يحتاج إلى عملية زرع. يُنظر إلى اتخاذ قرار التبرع (الفعل) على أنه أكثر ترويعًا من عدم اتخاذ أي قرار (الإحجام)، على الرغم من العواقب المحتملة.
- تطعيم الأطفال: على الرغم من الأدلة العلمية الساحقة التي تدعم سلامة وفعالية اللقاحات، يختار بعض الآباء عدم تطعيم أطفالهم بسبب المخاوف بشأن الآثار الجانبية المحتملة. إنهم يرون أن خطر الضرر المحتمل الناجم عن اللقاح (الفعل) أسوأ من خطر إصابة طفلهم بمرض يمكن الوقاية منه باللقاح (الإحجام).
تأثير تحيز الإحجام على اتخاذ القرارات
يمكن أن يكون لتحيز الإحجام تأثير كبير على عملية اتخاذ القرارات. يمكن أن يؤدي إلى اتخاذ قرارات غير عقلانية أو غير فعالة، ويمكن أن يمنعنا من اتخاذ الإجراءات اللازمة لتحسين حياتنا أو حياة الآخرين. على سبيل المثال، قد يؤدي تحيز الإحجام إلى:
- تأخير العلاج الطبي: قد يؤخر المرضى العلاج الطبي اللازم بسبب الخوف من الآثار الجانبية المحتملة للإجراءات الطبية.
- تفويت فرص استثمارية: قد يفوت المستثمرون فرصًا استثمارية مربحة بسبب الخوف من الخسائر المالية.
- عدم معالجة المشاكل الاجتماعية: قد تتردد الحكومات في اتخاذ إجراءات لمعالجة المشاكل الاجتماعية والاقتصادية بسبب الخوف من العواقب غير المقصودة.
- تجاهل التحذيرات: قد يتجاهل الناس التحذيرات بشأن المخاطر المحتملة إذا كان اتخاذ إجراء يتطلب فعلًا نشطًا. على سبيل المثال، قد يتجاهل شخص ما تحذيرًا من طبيبه بشأن ارتفاع الكوليسترول في الدم إذا كان تغيير نظامه الغذائي وممارسة الرياضة يتطلب جهدًا واعيًا.
التغلب على تحيز الإحجام
لحسن الحظ، هناك عدة طرق للتغلب على تحيز الإحجام. من أهم هذه الطرق هو أن نكون على دراية بهذا التحيز وأن نفهم كيف يمكن أن يؤثر على قراراتنا. بمجرد أن نصبح على دراية بتحيز الإحجام، يمكننا أن نبدأ في اتخاذ خطوات لتقليل تأثيره على قراراتنا.
تشمل بعض الاستراتيجيات الأخرى للتغلب على تحيز الإحجام:
- تقييم المخاطر والمكافآت: يجب علينا أن نقيم بعناية المخاطر والمكافآت المرتبطة بكل من الإقدام والإحجام. في كثير من الحالات، قد نجد أن المكافآت المحتملة للإقدام تفوق المخاطر المحتملة.
- طلب المشورة: يمكننا طلب المشورة من الأصدقاء أو العائلة أو المهنيين الموثوق بهم. يمكن أن تساعدنا وجهات النظر الخارجية في رؤية الأمور من منظور مختلف وتقييم الخيارات المتاحة لنا بشكل أكثر موضوعية.
- التفكير في العواقب طويلة الأجل: يجب علينا أن نفكر في العواقب طويلة الأجل لقراراتنا. في كثير من الحالات، قد نجد أن الإحجام له عواقب سلبية أكثر من الإقدام.
- تبسيط عملية اتخاذ القرار: في بعض الأحيان، يمكن أن يكون اتخاذ القرارات أمرًا مربكًا للغاية، مما قد يؤدي إلى تحيز الإحجام. لتبسيط عملية اتخاذ القرار، يمكننا تقسيم المشكلة إلى أجزاء أصغر وأكثر قابلية للإدارة.
- التركيز على التأثير: فكر في التأثير الذي يمكن أن تحدثه أفعالك (أو عدم أفعالك) على الآخرين. قد يكون من الأسهل التغلب على تحيز الإحجام عندما تدرك أن أفعالك يمكن أن يكون لها تأثير إيجابي على حياة الآخرين.
تحيز الإحجام والأخلاق
يلعب تحيز الإحجام دورًا مهمًا في الأحكام الأخلاقية. غالبًا ما يُنظر إلى الأفعال التي تسبب ضررًا على أنها أسوأ من حالات الإحجام التي تؤدي إلى نفس القدر من الضرر. على سبيل المثال، يرى معظم الناس أن قتل شخص ما أسوأ من السماح له بالموت، على الرغم من أن النتيجة هي نفسها في كلتا الحالتين. يكمن هذا الاختلاف في حقيقة أن القتل يتطلب فعلًا إيجابيًا، في حين أن السماح بالموت هو إحجام. ومع ذلك، من المهم أن ندرك أن الإحجام يمكن أن يكون غير أخلاقي مثل الفعل، خاصة إذا كان لدينا واجب أخلاقي لمنع الضرر.
تحيز الإحجام في القانون
يعترف النظام القانوني أيضًا بالتمييز بين الفعل والإحجام. بشكل عام، لا يوجد واجب قانوني على الأفراد للتدخل لمنع الضرر الذي يلحق بالآخرين، إلا في ظروف محدودة. على سبيل المثال، قد يكون لدى الوالدين واجب قانوني لحماية أطفالهم، وقد يكون لدى مقدمي الرعاية الصحية واجب قانوني لرعاية مرضاهم. ومع ذلك، بشكل عام، لا يُطلب من الأفراد تعريض أنفسهم للخطر لمساعدة الآخرين. يعكس هذا المبدأ القانوني جزئيًا تحيز الإحجام، حيث يُنظر إلى إلحاق الضرر من خلال الفعل على أنه أكثر إدانة من السماح بحدوث الضرر من خلال الإحجام.
خاتمة
تحيز الإحجام هو تحيز معرفي شائع يؤثر على عملية اتخاذ القرارات لدينا في مختلف جوانب الحياة. إنه الميل إلى تفضيل الإحجام على الفعل، حتى عندما يكون الإحجام يؤدي إلى نتائج أسوأ. إن فهم هذا التحيز وآثاره المحتملة أمر بالغ الأهمية لاتخاذ قرارات أكثر عقلانية وأخلاقية. من خلال إدراكنا لهذا التحيز المعرفي واتخاذ خطوات للتغلب عليه، يمكننا اتخاذ خيارات أفضل تؤدي إلى نتائج أكثر إيجابية لأنفسنا وللمجتمع ككل.