نشأته وتعليمه
ولد إيمانويل ميتاكساكيس في جزيرة كريت عام 1871، والتي كانت آنذاك جزءًا من الإمبراطورية العثمانية. تلقى تعليمه الأساسي في كريت، ثم انتقل إلى القدس لإكمال دراسته اللاهوتية في المدرسة اللاهوتية التابعة للبطريركية الأورشليمية. أظهر نبوغًا مبكرًا في دراسته، وتعمق في فهم الكتاب المقدس واللاهوت الآبائي، مما أهله لمستقبل واعد في خدمة الكنيسة.
مسيرته الكنسية المبكرة
بعد الانتهاء من دراسته اللاهوتية، عاد ميتاكساكيس إلى كريت ورُسِمَ كاهنًا. سرعان ما ترقى في المناصب الكنسية، وأصبح أسقفًا لكريت. خلال فترة خدمته في كريت، أظهر اهتمامًا خاصًا بالتعليم الديني وتطوير المدارس الكنسية، وسعى جاهدًا لتعزيز الوعي الديني والثقافي بين السكان المحليين.
رئاسة أساقفة أثينا
في عام 1918، انتخب ميتاكساكيس رئيسًا لأساقفة أثينا والكنيسة اليونانية. كانت فترة رئاسته قصيرة نسبيًا (1918-1920)، ولكنها كانت مليئة بالأحداث والتحديات. سعى ميتاكساكيس إلى إصلاح الإدارة الكنسية وتحديث أساليب العمل الرعوي، لكنه واجه معارضة من بعض الأوساط المحافظة داخل الكنيسة.
البطريركية المسكونية للقسطنطينية
في عام 1921، انتخب ميتاكساكيس بطريركًا مسكونيًا للقسطنطينية، وهو منصب يعتبر الزعامة الروحية للكنيسة الأرثوذكسية. كانت فترة بطريركيته للقسطنطينية (1921-1923) فترة عصيبة، حيث شهدت اليونان اضطرابات سياسية واجتماعية كبيرة، بما في ذلك الحرب اليونانية التركية وتبادل السكان بين البلدين.
خلال فترة بطريركيته، قام ميتاكساكيس بالعديد من المبادرات الهامة، بما في ذلك:
- تأسيس المعهد الأرثوذكسي اللاهوتي في تشيربورغ (فرنسا): يهدف هذا المعهد إلى تدريب اللاهوتيين الأرثوذكس من مختلف أنحاء العالم، وتعزيز الحوار اللاهوتي بين الكنائس الأرثوذكسية والكنائس الأخرى.
- الدعوة إلى الوحدة المسيحية: كان ميتاكساكيس من الداعين المتحمسين إلى الوحدة المسيحية، وسعى إلى بناء جسور التواصل والتفاهم بين الكنائس الأرثوذكسية والكنائس الأخرى، وخاصة الكنيسة الأنجليكانية.
- إصلاح التقويم الكنسي: اقترح ميتاكساكيس اعتماد التقويم اليولياني المعدل، وهو تقويم أكثر دقة من التقويم اليولياني التقليدي، لكن هذا الاقتراح أثار جدلاً واسعًا داخل الكنيسة الأرثوذكسية.
أثارت إصلاحات ميتاكساكيس ومواقفه التقدمية معارضة قوية من بعض الأوساط المحافظة داخل الكنيسة الأرثوذكسية، واتهم بأنه يميل إلى التغريب ويتخلى عن التقاليد الأرثوذكسية. في عام 1923، أُجبر ميتاكساكيس على الاستقالة من منصبه كبطريرك مسكوني للقسطنطينية.
بطريركية الإسكندرية
بعد استقالته من منصب بطريرك القسطنطينية، انتخب ميتاكساكيس بطريركًا للإسكندرية عام 1926، وهو منصب شغله حتى وفاته عام 1935. خلال فترة بطريركيته للإسكندرية، واصل ميتاكساكيس العمل على تعزيز التعليم الديني وتطوير المؤسسات الكنسية، وسعى إلى تحسين العلاقات بين الكنيسة الأرثوذكسية وباقي الطوائف المسيحية في أفريقيا.
إرثه
يظل ميتاكساكيس شخصية مثيرة للجدل في تاريخ الكنيسة الأرثوذكسية. يرى البعض فيه مصلحًا جريئًا ومفكرًا تقدميًا، بينما يرى فيه آخرون شخصية مثيرة للفتنة تسعى إلى تغيير التقاليد الأرثوذكسية. بغض النظر عن التقييمات المختلفة لشخصيته، لا يمكن إنكار تأثيره العميق على الكنيسة الأرثوذكسية خلال فترة حياته.
يمكن تلخيص إرث ميتاكساكيس في النقاط التالية:
- الدعوة إلى الإصلاح والتحديث: كان ميتاكساكيس من الداعين إلى إصلاح الإدارة الكنسية وتحديث أساليب العمل الرعوي، بهدف جعل الكنيسة أكثر استجابة لاحتياجات المجتمع الحديث.
- تعزيز التعليم الديني: أولى ميتاكساكيس اهتمامًا خاصًا بالتعليم الديني وتطوير المدارس الكنسية، بهدف تعزيز الوعي الديني والثقافي بين أفراد المجتمع.
- السعي إلى الوحدة المسيحية: كان ميتاكساكيس من الداعين المتحمسين إلى الوحدة المسيحية، وسعى إلى بناء جسور التواصل والتفاهم بين الكنائس الأرثوذكسية والكنائس الأخرى.
- إثارة الجدل والنقاش: أثارت إصلاحات ميتاكساكيس ومواقفه التقدمية جدلاً واسعًا داخل الكنيسة الأرثوذكسية، مما ساهم في إثراء النقاش اللاهوتي حول مستقبل الكنيسة ودورها في العالم الحديث.
آراؤه اللاهوتية
كان لملاتيوس ميتاكساكيس آراء لاهوتية مميزة أثرت في مسيرته الكنسية وإصلاحاته المقترحة. يمكن تلخيص أبرز هذه الآراء في النقاط التالية:
- الانفتاح على الحداثة: كان ميتاكساكيس يرى ضرورة انفتاح الكنيسة على الحداثة والاستفادة من التطورات العلمية والتكنولوجية لخدمة رسالتها. كان يؤمن بأن الكنيسة يجب أن تكون قادرة على التواصل مع الناس بلغة عصرهم وأن تقدم لهم إجابات على تساؤلاتهم الوجودية والمعرفية.
- تجديد الليتورجيا: دعا ميتاكساكيس إلى تجديد الليتورجيا الأرثوذكسية وإعادة النظر في بعض الممارسات والطقوس القديمة. كان يرى أن بعض هذه الممارسات قد فقدت معناها الأصلي وأنها بحاجة إلى تبسيط وتوضيح لكي تكون أكثر جاذبية للمؤمنين المعاصرين.
- الاهتمام بالتعليم اللاهوتي: أولى ميتاكساكيس اهتماماً كبيراً بالتعليم اللاهوتي ورأى فيه أساساً لنهضة الكنيسة وتجديدها. كان يؤمن بضرورة إعداد جيل جديد من اللاهوتيين المثقفين القادرين على فهم التحديات المعاصرة وتقديم حلول لاهوتية لها.
- الوحدة المسيحية: كان ميتاكساكيس من المؤمنين المتحمسين للوحدة المسيحية. سعى إلى إقامة حوارات لاهوتية مع ممثلي الكنائس الأخرى بهدف تضييق الخلافات العقائدية والوصول إلى أرضية مشتركة.
- العدالة الاجتماعية: كان ميتاكساكيس يؤمن بأن الكنيسة يجب أن تلعب دوراً فاعلاً في تحقيق العدالة الاجتماعية ومناصرة حقوق الفقراء والمهمشين. كان يدعو إلى مكافحة الفساد والاستغلال والظلم بجميع أشكاله.
تجدر الإشارة إلى أن آراء ميتاكساكيس اللاهوتية أثارت جدلاً واسعاً في الأوساط الكنسية. فقد اعتبرها البعض بمثابة خروج على التقاليد الأرثوذكسية وانحراف عن العقيدة الصحيحة، بينما رأى فيها البعض الآخر تعبيراً عن رؤية مستنيرة ومنفتحة لمستقبل الكنيسة.
خاتمة
ملاتيوس ميتاكساكيس شخصية محورية في تاريخ الكنيسة الأرثوذكسية في القرن العشرين. ترك بصمة واضحة على مسار الكنيسة من خلال إصلاحاته الجريئة ومواقفه التقدمية. سواء اتفقنا مع آرائه أم اختلفنا، لا يمكننا إنكار دوره في إثارة النقاش حول مستقبل الكنيسة ودورها في العالم الحديث. يظل إرثه مصدر إلهام للبعض ومصدر قلق للبعض الآخر، ولكنه يبقى جزءًا لا يتجزأ من تاريخ الكنيسة الأرثوذكسية.