مقدمة
كانت حملة صربيا سلسلة من العمليات العسكرية التي شنتها دول المركز ضد مملكة صربيا في عامي 1914 و 1915 خلال الحرب العالمية الأولى. مثلت هذه الحملة صراعًا بالغ الأهمية في بداية الحرب، حيث سعت الإمبراطورية النمساوية المجرية إلى إخضاع صربيا، التي اعتبرتها مسؤولة عن اغتيال الأرشيدوق فرانز فرديناند، ولي عهد النمسا والمجر. تطورت الحملة إلى حرب خنادق وحشية، وتميزت بتقلبات في المكاسب والخسائر، قبل أن تتدخل قوى إضافية وتقلب موازين القوى.
الأسباب المؤدية للحملة
يمكن إرجاع الأسباب الجذرية لحملة صربيا إلى التوترات السياسية والعسكرية المعقدة التي ميزت أوروبا في أوائل القرن العشرين. من بين هذه الأسباب:
- القومية الصربية: نمت القومية الصربية بقوة في البلقان، مع تطلعات لتوحيد جميع الصرب في دولة واحدة. اعتبرت النمسا والمجر هذه القومية تهديدًا لوحدة أراضيها، حيث ضمت أعدادًا كبيرة من السكان الصرب.
- أزمة البوسنة: في عام 1908، ضمت النمسا والمجر البوسنة والهرسك، وهي مقاطعة ذات غالبية صربية. أثارت هذه الخطوة غضب الصرب وأججت المشاعر القومية.
- اغتيال الأرشيدوق فرانز فرديناند: في 28 يونيو 1914، اغتيل الأرشيدوق فرانز فرديناند في سراييفو على يد غافريلو برينسيب، وهو قومي صربي. استخدمت النمسا والمجر هذا الاغتيال كذريعة لإعلان الحرب على صربيا.
- نظام التحالفات: كانت أوروبا مقسمة إلى شبكة من التحالفات العسكرية. أدى إعلان النمسا والمجر الحرب على صربيا إلى تفعيل هذه التحالفات، مما جر دولًا أخرى إلى الصراع.
الجيوش المتحاربة
في حملة صربيا، شاركت قوتان رئيسيتان:
- مملكة صربيا: على الرغم من صغر حجمها نسبيًا وقلة مواردها، كان لدى صربيا جيش منظم ومدرب جيدًا، بقيادة شخصيات مثل المشير رادومير بوتنيك. كان الجنود الصرب متحمسين للدفاع عن وطنهم.
- الإمبراطورية النمساوية المجرية: كانت الإمبراطورية النمساوية المجرية قوة عسكرية كبيرة، لكن جيشها كان يعاني من مشاكل في القيادة والتنظيم. كان لديها تفوق عددي كبير على الجيش الصربي، لكنها واجهت صعوبات في التغلب على المقاومة الصربية العنيدة.
- قوات أخرى: لاحقًا خلال الحملة، انضمت قوى أخرى إلى دول المركز، بما في ذلك ألمانيا وبلغاريا. قدمت هذه القوى دعمًا كبيرًا للجيش النمساوي المجري، مما ساهم في النهاية في سقوط صربيا.
العمليات العسكرية الرئيسية
شهدت حملة صربيا سلسلة من المعارك والعمليات العسكرية الرئيسية:
- هجوم عام 1914: شنت النمسا والمجر أول هجوم لها على صربيا في أغسطس 1914. تمكن الجيش الصربي من صد الهجوم في معركتي سير وكولوبارا، مما ألحق بالنمساويين المجريين خسائر فادحة.
- هجوم عام 1915: في خريف عام 1915، شنت دول المركز هجومًا مشتركًا على صربيا. شاركت القوات الألمانية والنمساوية المجرية والبلغارية في الهجوم، وتمكنت من اختراق الخطوط الصربية.
- الانسحاب الصربي: بعد اختراق الخطوط، اضطر الجيش الصربي إلى الانسحاب عبر جبال الألب الألبانية إلى اليونان. عانى الجيش الصربي والمدنيون الذين فروا معه من ظروف قاسية أثناء الانسحاب.
- جبهة سالونيك: بعد إعادة تجميع صفوفهم في اليونان، عاد الجنود الصرب إلى القتال في جبهة سالونيك. لعبوا دورًا مهمًا في استعادة صربيا في عام 1918.
التحديات التي واجهت صربيا
واجهت صربيا العديد من التحديات الكبيرة خلال الحملة:
- التفوق العددي: كانت دول المركز تمتلك تفوقًا عدديًا كبيرًا على صربيا. كان على الجيش الصربي أن يقاتل ضد قوات أكبر وأفضل تجهيزًا.
- نقص الموارد: عانت صربيا من نقص في الموارد، بما في ذلك الأسلحة والذخيرة والإمدادات الطبية.
- الأمراض: انتشرت الأمراض، مثل التيفوس، بين الجنود والمدنيين، مما زاد من معاناة صربيا.
- الاحتلال: بعد سقوط صربيا في عام 1915، احتلتها دول المركز. تعرض السكان المدنيون لعمليات قمع وقتل.
النتائج والتأثيرات
كانت لحملة صربيا نتائج وتأثيرات بعيدة المدى:
- الخسائر البشرية: عانت صربيا من خسائر بشرية فادحة خلال الحملة. قتل أو جرح أو أسر مئات الآلاف من الجنود والمدنيين.
- الاحتلال: دمر الاحتلال دول المركز صربيا. تعرض الاقتصاد والبنية التحتية للبلاد لأضرار بالغة.
- قيامة صربيا: على الرغم من المعاناة الكبيرة، تمكنت صربيا من النهوض من جديد. لعب الجيش الصربي دورًا مهمًا في انتصار الحلفاء في الحرب العالمية الأولى، واستعادت صربيا استقلالها في عام 1918.
- تأسيس يوغوسلافيا: بعد الحرب، اتحدت صربيا مع دول سلافية جنوبية أخرى لتشكيل مملكة يوغوسلافيا.
الأهمية التاريخية
تحمل حملة صربيا أهمية تاريخية كبيرة لعدة أسباب:
- بداية الحرب العالمية الأولى: كانت حملة صربيا من بين الأحداث التي أشعلت فتيل الحرب العالمية الأولى.
- المقاومة الصربية: أظهرت صربيا مقاومة عنيدة ضد دول المركز، مما أثار إعجاب العالم.
- التضحيات الصربية: قدم الشعب الصربي تضحيات كبيرة خلال الحرب.
- تأثير على يوغوسلافيا: لعبت حملة صربيا دورًا مهمًا في تأسيس يوغوسلافيا.
دروس مستفادة
يمكن استخلاص العديد من الدروس من حملة صربيا:
- أهمية الاستعداد: يجب أن تكون الدول مستعدة للدفاع عن نفسها في حالة تعرضها للهجوم.
- أهمية الوحدة: يجب أن يكون الشعب متحدًا في مواجهة العدوان الخارجي.
- أهمية التحالفات: يمكن للتحالفات أن توفر الدعم للدول الصغيرة في مواجهة القوى الكبرى.
- تكلفة الحرب: الحرب مكلفة للغاية، سواء من حيث الخسائر البشرية أو الدمار المادي.
خاتمة
كانت حملة صربيا فصلًا مأساويًا في تاريخ صربيا والعالم. على الرغم من المعاناة الكبيرة، أظهر الشعب الصربي مقاومة عنيدة وإصرارًا على البقاء. تحمل الحملة دروسًا مهمة حول أهمية الاستعداد والوحدة والتحالفات، وتكلفة الحرب.