مقدمة
نوري كامل محمد حسن المالكي (ولد في 20 يونيو 1950)، المعروف أيضًا باسم جواد المالكي، هو سياسي عراقي بارز. شغل منصب رئيس وزراء العراق لفترتين متتاليتين، مما جعله شخصية محورية في تاريخ العراق الحديث. يتميز المالكي بمسيرة سياسية طويلة ومثيرة للجدل، بدأت في صفوف المعارضة لنظام صدام حسين، ثم انتقلت إلى قيادة البلاد في فترة ما بعد الغزو الأمريكي عام 2003.
نشأته وبداياته السياسية
ولد نوري المالكي في قرية أبو ميرزا في قضاء طويريج بمحافظة كربلاء. انخرط في العمل السياسي في وقت مبكر من حياته، حيث انضم إلى حزب الدعوة الإسلامية في سبعينيات القرن الماضي، وهو حزب شيعي عارض نظام حزب البعث الحاكم بقيادة صدام حسين. اضطر المالكي إلى مغادرة العراق في عام 1980 بسبب نشاطه السياسي المعارض، وقضى سنوات في المنفى متنقلاً بين سوريا وإيران.
خلال فترة المنفى، نشط المالكي في صفوف المعارضة العراقية، وشارك في العديد من المؤتمرات والاجتماعات التي تهدف إلى إسقاط نظام صدام حسين. اكتسب خبرة سياسية وتنظيمية واسعة خلال هذه الفترة، مما ساعده فيما بعد على تولي مناصب قيادية في العراق.
العودة إلى العراق والمشاركة في العملية السياسية
بعد الغزو الأمريكي للعراق عام 2003، عاد المالكي إلى العراق وشارك في العملية السياسية الجديدة. انضم إلى مجلس الحكم الانتقالي الذي شكلته سلطة الائتلاف المؤقتة، ثم شارك في صياغة الدستور العراقي الجديد. لعب المالكي دورًا مهمًا في تشكيل التحالفات السياسية التي قادت إلى فوزه بمنصب رئيس الوزراء في عام 2006.
رئاسة الوزراء (2006-2014)
تولى نوري المالكي منصب رئيس الوزراء في فترة عصيبة من تاريخ العراق، حيث كانت البلاد تعاني من العنف الطائفي والتدهور الأمني. واجه المالكي تحديات كبيرة في محاولة تحقيق الاستقرار السياسي والأمني، وتعزيز الوحدة الوطنية، ومكافحة الفساد.
الفترة الأولى (2006-2010): خلال فترة ولايته الأولى، ركز المالكي على تحسين الوضع الأمني من خلال تنفيذ خطط عسكرية وأمنية، وتعزيز قوات الأمن العراقية. كما عمل على بناء تحالفات سياسية واسعة لضمان دعم حكومته في البرلمان. شهدت هذه الفترة تحسنًا نسبيًا في الوضع الأمني، ولكن العنف الطائفي ظل يمثل تحديًا كبيرًا.
الفترة الثانية (2010-2014): فاز المالكي بولاية ثانية كرئيس للوزراء في عام 2010، على الرغم من حصول ائتلافه على عدد أقل من المقاعد في البرلمان مقارنة بالكتلة العراقية بزعامة إياد علاوي. شهدت هذه الفترة تصاعد التوترات السياسية والطائفية، وتدهور العلاقات بين الحكومة المركزية وإقليم كردستان. كما واجه المالكي انتقادات واسعة بسبب اتهامات بالتسلط والاستبداد وتهميش المكونات الأخرى في المجتمع العراقي.
أبرز إنجازات وتحديات فترة رئاسة الوزراء
الإنجازات:
- تحسين الوضع الأمني النسبي في بعض الفترات.
- تعزيز قوات الأمن العراقية.
- تنفيذ بعض المشاريع التنموية والاقتصادية.
التحديات:
- العنف الطائفي المستمر.
- الفساد المستشري في مؤسسات الدولة.
- التوترات السياسية والطائفية المتصاعدة.
- تدهور العلاقات مع إقليم كردستان.
- ظهور تنظيم داعش وتمدده في العراق.
الاتهامات والانتقادات
واجه نوري المالكي العديد من الاتهامات والانتقادات خلال فترة رئاسته للوزراء وبعدها. اتهم المالكي بالتسلط والاستبداد وتهميش المكونات الأخرى في المجتمع العراقي، وخاصة السنة والأكراد. كما اتهم بالفساد وسوء إدارة الدولة، وتقويض الديمقراطية والحريات العامة. بالإضافة إلى ذلك، وجهت إليه انتقادات بسبب فشله في منع ظهور تنظيم داعش وتمدده في العراق.
يرى منتقدو المالكي أن سياساته الطائفية والاستئثارية ساهمت في تفاقم الانقسامات الطائفية في العراق، وأضعفت الوحدة الوطنية. كما يتهمونه بإقصاء الكفاءات وتعيين المقربين في المناصب الحكومية، مما أدى إلى تدهور أداء مؤسسات الدولة.
ما بعد رئاسة الوزراء
بعد خسارته لمنصب رئيس الوزراء في عام 2014، بقي المالكي شخصية مؤثرة في السياسة العراقية. شغل منصب نائب رئيس الجمهورية لفترة وجيزة، ثم أصبح عضوًا في البرلمان العراقي. استمر المالكي في لعب دور مهم في تشكيل التحالفات السياسية والتأثير على القرارات الحكومية. يعتبر المالكي أحد أبرز قادة ائتلاف دولة القانون، وهو تحالف سياسي قوي يضم العديد من الأحزاب والشخصيات الشيعية.
موقفه من القضايا الإقليمية والدولية
يتخذ نوري المالكي مواقف واضحة من القضايا الإقليمية والدولية. يعتبر المالكي من المقربين لإيران، ويدعو إلى تعزيز العلاقات بين البلدين. كما يعارض التدخل الأجنبي في الشؤون الداخلية للعراق، ويدعو إلى حل المشاكل الإقليمية من خلال الحوار والتفاوض.
يدعم المالكي القضية الفلسطينية، ويدعو إلى إقامة دولة فلسطينية مستقلة. كما يدين الإرهاب بكل أشكاله وصوره، ويدعو إلى تضافر الجهود الدولية لمكافحته.
الجدل حول دوره في صعود تنظيم داعش
يعتبر دور نوري المالكي في صعود تنظيم داعش من أكثر القضايا المثيرة للجدل في تاريخ العراق الحديث. يتهم العديد من المراقبين والسياسيين المالكي بسياساته الطائفية والاستئثارية التي ساهمت في تهميش السنة، مما أدى إلى خلق بيئة مواتية لنمو التنظيمات المتطرفة مثل داعش.
يرى هؤلاء أن سياسات المالكي أدت إلى تفاقم الانقسامات الطائفية في العراق، وفقدان الثقة بين المكونات المختلفة في المجتمع العراقي. كما يتهمونه بإقصاء الضباط السنة من الجيش العراقي، وتعيين ضباط شيعة موالين له، مما أضعف قدرة الجيش على مواجهة تنظيم داعش.
من جهة أخرى، يدافع أنصار المالكي عنه، ويرون أنه بذل قصارى جهده لمكافحة الإرهاب وحماية العراق. يجادلون بأن تنظيم داعش كان يمثل تهديدًا عالميًا، وأن صعوده كان نتيجة عوامل إقليمية ودولية خارجة عن سيطرة المالكي.
رؤيته لمستقبل العراق
يرى نوري المالكي أن مستقبل العراق يكمن في بناء دولة قوية وموحدة، تحترم حقوق جميع المكونات، وتعتمد على الديمقراطية والتعددية السياسية. يدعو المالكي إلى تعزيز الوحدة الوطنية، ومكافحة الفساد، وتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية.
كما يدعو إلى بناء علاقات متوازنة مع جميع دول الجوار، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى. يؤكد المالكي على أهمية الحفاظ على سيادة العراق واستقلاله، وحماية ثرواته وموارده.
حياته الشخصية
نوري المالكي متزوج ولديه عدد من الأبناء. يُعرف عنه اهتمامه بالشعر والأدب، وحبه للقراءة. يعتبر المالكي شخصية مثيرة للجدل، ولكنه في الوقت نفسه شخصية مؤثرة في السياسة العراقية، ولا يمكن تجاهل دوره في تاريخ العراق الحديث.
خاتمة
نوري المالكي شخصية سياسية عراقية بارزة، لعبت دورًا محوريًا في تاريخ العراق الحديث. تولى منصب رئيس الوزراء لفترتين متتاليتين، وواجه تحديات كبيرة في محاولة تحقيق الاستقرار السياسي والأمني، وتعزيز الوحدة الوطنية، ومكافحة الفساد. واجه المالكي العديد من الاتهامات والانتقادات، ولكنه بقي شخصية مؤثرة في السياسة العراقية حتى بعد انتهاء فترة رئاسته للوزراء. يعتبر دوره في صعود تنظيم داعش من أكثر القضايا المثيرة للجدل في تاريخ العراق الحديث، ولا يزال يثير نقاشات واسعة حتى اليوم.