حياته المبكرة
ولد بالداساري كوسا في نابولي، وينتمي إلى عائلة نبيلة من أصل لومباردي. درس القانون في جامعة بولونيا، وحصل على درجة الدكتوراه في القانون الكنسي والمدني. بعد ذلك، دخل الخدمة الكنسية وأصبح قسيسًا بابويًا في عهد البابا بونيفاس التاسع.
تميز كوسا بذكائه الطموح وقدراته الإدارية. سرعان ما ارتقى في الرتب الكنسية، وأصبح كاردينالًا شماسًا في عام 1402. خلال هذه الفترة، اكتسب سمعة بأنه رجل عملي وماهر في السياسة الكنسية، لكنه أيضًا كان معروفًا بطموحه الشديد.
انتخابه كبابا مضاد
خلال الانشقاق الغربي، انقسمت الكنيسة الكاثوليكية إلى معسكرين، لكل منهما بابا خاص به. بعد وفاة البابا ألكسندر الخامس، انتخب مجمع بيزا الكاردينال كوسا بابا في عام 1410، متخذًا اسم يوحنا الثالث والعشرون. ومع ذلك، لم يتم الاعتراف به عالميًا، حيث كان هناك باباوات آخرون يدعون الشرعية في روما وأفينيون.
كان انتخاب كوسا محاولة لإنهاء الانشقاق الغربي عن طريق توحيد الكنيسة تحت بابا واحد مقبول من قبل الجميع. ومع ذلك، لم تنجح هذه المحاولة، واستمر الانشقاق. واجه يوحنا الثالث والعشرون معارضة قوية من الباباوات الآخرين، وكذلك من بعض القوى السياسية الأوروبية.
فترة بابويته
خلال فترة بابويته القصيرة، سعى يوحنا الثالث والعشرون إلى تعزيز سلطته وتوحيد الكنيسة. عقد مجمعًا كنسيًا في روما عام 1412، وحاول التفاوض مع الباباوات الآخرين. ومع ذلك، لم يتمكن من تحقيق أي تقدم كبير في حل الانشقاق.
واجه يوحنا الثالث والعشرون أيضًا انتقادات بسبب أسلوب حياته وسلوكه. اتُهم بالفساد والمحسوبية، وقيل إنه كان مهتمًا بالسلطة والثروة أكثر من اهتمامه بالشؤون الروحية. أدت هذه الانتقادات إلى تآكل سلطته وتقويض جهوده لتوحيد الكنيسة.
مجمع كونستانس وعزله
في عام 1414، عُقد مجمع كونستانس بهدف إنهاء الانشقاق الغربي. دعا الإمبراطور الروماني المقدس سيغيسموند إلى المجمع، وحضره ممثلون عن جميع أنحاء أوروبا. كان أحد الأهداف الرئيسية للمجمع هو عزل الباباوات المتنافسين وانتخاب بابا جديد يحظى بدعم الجميع.
تحت ضغط من المجمع، وافق يوحنا الثالث والعشرون في البداية على الاستقالة من منصبه. ومع ذلك، سرعان ما تراجع عن هذا القرار وهرب من كونستانس. أثار هذا الهروب غضب المجمع، الذي اتهمه بالهرطقة والكفر. في عام 1415، عزله المجمع رسميًا من منصبه كبابا.
بعد عزله، سُجن يوحنا الثالث والعشرون لعدة أشهر. في عام 1419، تمكن من الحصول على حريته بدفع فدية كبيرة. بعد ذلك، قدم خضوعه للبابا المنتخب حديثًا، مارتن الخامس، الذي عينه كاردينالًا أسقفًا لتوسكولوم. توفي كوسا في فلورنسا في وقت لاحق من ذلك العام.
إرثه وتأثيره
لا يزال يوحنا الثالث والعشرون المضاد شخصية مثيرة للجدل في تاريخ الكنيسة الكاثوليكية. يعتبره البعض شخصية انتهازية وفاسدة ساهمت في إطالة أمد الانشقاق الغربي. بينما يرى فيه آخرون شخصية مأساوية حاولت توحيد الكنيسة في وقت صعب، لكنها فشلت بسبب الظروف المحيطة بها.
على الرغم من أنه لم يتم الاعتراف به كبابا شرعي، إلا أن يوحنا الثالث والعشرون كان له تأثير كبير على الأحداث السياسية والدينية في عصره. ساهم عزله في إنهاء الانشقاق الغربي، ومهد الطريق لتوحيد الكنيسة تحت سلطة بابا واحد. كما أن قضيته تثير تساؤلات مهمة حول شرعية السلطة الكنسية ودور المجامع الكنسية في حل الخلافات الكنسية.
الخلاف حول شرعيته
يثير وضع يوحنا الثالث والعشرون المضاد سؤالًا مهمًا حول شرعية الباباوات المضادين. في الكنيسة الكاثوليكية، يُعتبر البابا المضاد شخصًا يدعي منصب البابا بشكل غير قانوني، وعادةً ما يتم انتخابه من قبل مجموعة صغيرة من الكرادلة أو رجال الدين الآخرين دون موافقة واسعة النطاق.
تعتبر الكنيسة الكاثوليكية أن الباباوات الشرعيين هم أولئك الذين تم انتخابهم وفقًا للقانون الكنسي المعمول به، والذين يحظون بدعم غالبية الكرادلة والمؤمنين. لا يتم إدراج الباباوات المضادين في قائمة الباباوات الرسمية، ولا يُعترف بهم كقادة شرعيين للكنيسة.
ومع ذلك، يمكن أن يكون التمييز بين البابا الشرعي والبابا المضاد أمرًا صعبًا في بعض الأحيان، خاصةً في أوقات الانقسام والاضطراب الكنسي. يمكن أن تنشأ خلافات حول شرعية الانتخابات البابوية، ويمكن أن تنقسم الكنيسة إلى معسكرات متنافسة تدعم باباوات مختلفين. في مثل هذه الحالات، يمكن أن يكون من الصعب تحديد من هو البابا الشرعي ومن هو البابا المضاد.
تأثيره على اختيار الاسم البابوي
عندما انتُخب أنجيلو جوزيبي رونكالي بابا في عام 1958، اتخذ اسم يوحنا الثالث والعشرون. كان هذا الاختيار بمثابة إعلان ضمني بأن الكنيسة الكاثوليكية لا تعترف بيوحنا الثالث والعشرون المضاد كبابا شرعي. وبهذا، تم مسح اسم يوحنا الثالث والعشرون من قائمة الباباوات المضادين، واستُخدم الاسم لاحقًا لبابا شرعي.
يشير اختيار رونكالي لهذا الاسم إلى أن الكنيسة الكاثوليكية أرادت أن تؤكد على شرعيتها ورفضها للباباوات المضادين. كما أنه يوضح أن الكنيسة لديها القدرة على تصحيح الأخطاء التاريخية وإعادة تقييم شرعية الشخصيات التاريخية.
خاتمة
يوحنا الثالث والعشرون المضاد شخصية تاريخية معقدة ومثيرة للجدل. كان له دور فعال في الانشقاق الغربي، وعزله من منصبه كان خطوة مهمة في إنهاء هذا الانقسام. على الرغم من أنه لم يتم الاعتراف به كبابا شرعي، إلا أنه كان له تأثير كبير على الأحداث السياسية والدينية في عصره. تظل قضيته تذكيرًا بأهمية الوحدة والشرعية في الكنيسة الكاثوليكية.