نشأته وتعليمه
ولد جون بيوريفوي في مقاطعة ريتشي، ولاية فرجينيا الغربية، ونشأ في فورت سميث، أركنساس. تخرج من الأكاديمية البحرية الأمريكية في عام 1930، ولكنه استقال من منصبه بعد فترة وجيزة ودخل عالم الأعمال. عمل في قطاع تجارة التجزئة قبل أن ينضم إلى وزارة الخارجية الأمريكية في عام 1938. تعليمه الأكاديمي في الأكاديمية البحرية أكسبه خلفية قوية في القيادة والتنظيم، وهي مهارات ستخدمه لاحقًا في مسيرته الدبلوماسية.
مسيرته المهنية المبكرة
بدأ بيوريفوي مسيرته الدبلوماسية في وزارة الخارجية، حيث ترقى بسرعة في الرتب. خلال الحرب العالمية الثانية، عمل في قسم التأشيرات، حيث لعب دورًا حيويًا في فحص وتأمين دخول الأفراد إلى الولايات المتحدة في فترة اتسمت بالتهديدات الأمنية المتزايدة. بعد الحرب، تولى مناصب مهمة في كل من لندن وأثينا، مما أكسبه خبرة قيمة في الشؤون الأوروبية والدولية.
دوره في اليونان
في عام 1947، تم تعيين بيوريفوي نائبًا لرئيس البعثة الأمريكية في اليونان، في وقت كانت فيه البلاد تعاني من حرب أهلية شرسة بين الحكومة المدعومة من الغرب والقوات الشيوعية. لعب بيوريفوي دورًا حاسمًا في تنفيذ “خطة مارشال” في اليونان، وهي برنامج مساعدات اقتصادية أمريكية ضخم يهدف إلى إنعاش الاقتصاد اليوناني ودعم الحكومة في حربها ضد الشيوعيين. عمل بيوريفوي عن كثب مع المسؤولين اليونانيين والقادة العسكريين لضمان وصول المساعدات إلى وجهتها الصحيحة واستخدامها بفعالية. كان يعتقد أن الدعم المالي والعسكري الأمريكي هو المفتاح لمنع اليونان من السقوط في أيدي الشيوعيين، وبالتالي وقف انتشار النفوذ السوفيتي في منطقة البلقان.
لم يقتصر دور بيوريفوي على الجانب الاقتصادي والعسكري، بل امتد أيضًا إلى الجانب السياسي. مارس ضغوطًا على الحكومة اليونانية لتشكيل ائتلاف أوسع وأكثر تمثيلاً لجميع القوى السياسية المناهضة للشيوعية. كان يعتقد أن الوحدة الوطنية هي شرط أساسي لتحقيق النصر على الشيوعيين. أدت جهوده إلى تشكيل حكومة جديدة برئاسة قسطنطين تسالدريس، والتي حظيت بدعم واسع النطاق من الشعب اليوناني.
سفيرًا في غواتيمالا
في عام 1953، تم تعيين بيوريفوي سفيرًا للولايات المتحدة في غواتيمالا، في عهد الرئيس جاكوبو أربينز. كان أربينز رئيسًا إصلاحيًا سعى إلى تنفيذ إصلاحات زراعية واسعة النطاق، بما في ذلك تأميم الأراضي غير المستغلة التي تملكها شركة “يونايتد فروت” الأمريكية. أثارت هذه الإصلاحات غضب الشركة، التي مارست ضغوطًا على الحكومة الأمريكية للتدخل في غواتيمالا.
اعتبرت إدارة الرئيس دوايت أيزنهاور حكومة أربينز تهديدًا للمصالح الأمريكية في المنطقة، بحجة أن الإصلاحات التي يقوم بها أربينز تفتح الباب أمام النفوذ الشيوعي في أمريكا اللاتينية. لعب بيوريفوي دورًا محوريًا في الترويج لهذه الرواية، حيث أبلغ باستمرار عن تزايد النفوذ الشيوعي في غواتيمالا وحث على اتخاذ إجراءات حاسمة للإطاحة بأربينز.
شارك بيوريفوي بشكل مباشر في التخطيط والتنفيذ لعملية “PBSUCCESS”، وهي عملية سرية لوكالة المخابرات المركزية تهدف إلى الإطاحة بحكومة أربينز. شملت العملية دعم وتمويل قوة صغيرة من المنفيين الغواتيماليين بقيادة الكولونيل كارلوس كاستيو أرماس، بالإضافة إلى حملة دعائية واسعة النطاق تهدف إلى تقويض شعبية أربينز وزرع الفتنة في صفوف الجيش الغواتيمالي. استخدم بيوريفوي نفوذه الدبلوماسي للضغط على الدول المجاورة لغواتيمالا لدعم العملية، ولعرقلة أي محاولة من جانب الأمم المتحدة للتدخل في الأزمة.
في يونيو 1954، غزت قوات كاستيو أرماس غواتيمالا من هندوراس. على الرغم من أن القوة الغازية كانت صغيرة نسبيًا، إلا أنها تلقت دعمًا جويًا ولوجستيًا كبيرًا من وكالة المخابرات المركزية. بالإضافة إلى ذلك، لعبت الدعاية الأمريكية دورًا حاسمًا في تضخيم حجم القوة الغازية وخلق انطباع بأن أربينز يواجه انتفاضة شعبية واسعة النطاق. تحت ضغط الجيش الغواتيمالي، الذي رفض الدفاع عن الحكومة، استقال أربينز من منصبه في 27 يونيو 1954.
بعد الإطاحة بأربينز، نصب كاستيو أرماس رئيسًا لغواتيمالا. قام كاستيو أرماس على الفور بإلغاء إصلاحات أربينز، وإعادة الأراضي المصادرة إلى شركة “يونايتد فروت”، وقمع المعارضة السياسية. أدت الإطاحة بأربينز إلى فترة طويلة من عدم الاستقرار السياسي والعنف في غواتيمالا، والتي استمرت لعقود.
سفيرًا في تايلاند
بعد نجاحه في غواتيمالا، تم تعيين بيوريفوي سفيرًا للولايات المتحدة في تايلاند في عام 1954. كان الهدف الرئيسي لبيوريفوي في تايلاند هو تعزيز التحالف بين الولايات المتحدة وتايلاند في مواجهة التهديد الشيوعي في المنطقة. عمل بيوريفوي عن كثب مع الحكومة التايلاندية لتعزيز الجيش التايلاندي وتحسين قدراته الدفاعية. كما لعب دورًا رئيسيًا في تأسيس منظمة معاهدة جنوب شرق آسيا (SEATO)، وهي تحالف عسكري يهدف إلى احتواء النفوذ الشيوعي في جنوب شرق آسيا.
وفاته
توفي جون بيوريفوي في حادث سيارة في تايلاند في 12 أغسطس 1955، عن عمر يناهز 48 عامًا. أثارت وفاته المفاجئة العديد من التساؤلات ونظريات المؤامرة، خاصة بالنظر إلى الدور المثير للجدل الذي لعبه في غواتيمالا. ومع ذلك، لم يتم العثور على دليل قاطع يدعم أي ادعاءات بالتآمر.
إرثه
يظل جون بيوريفوي شخصية مثيرة للجدل في تاريخ الدبلوماسية الأمريكية. يرى البعض فيه مدافعًا قويًا عن المصالح الأمريكية في مواجهة التهديد الشيوعي، بينما ينتقده آخرون لتدخله في الشؤون الداخلية للدول الأخرى ودعمه للأنظمة القمعية. بغض النظر عن وجهة النظر، لا يمكن إنكار أن بيوريفوي لعب دورًا حاسمًا في تشكيل السياسة الخارجية الأمريكية في السنوات الأولى من الحرب الباردة.
خاتمة
كان جون بيوريفوي دبلوماسيًا أمريكيًا بارزًا لعب دورًا محوريًا في الأحداث الحاسمة في اليونان وغواتيمالا وتايلاند خلال فترة الحرب الباردة. أساليبه المثيرة للجدل، وخاصة تدخله في غواتيمالا، أثارت انتقادات واسعة النطاق، لكنه يظل شخصية مهمة في تاريخ الدبلوماسية الأمريكية، حيث يمثل التوتر بين حماية المصالح الأمريكية وتعزيز الديمقراطية في الخارج.