تاريخ الكاثوليكية في كوريا
يمكن تتبع جذور الكاثوليكية في كوريا إلى القرن السابع عشر، عندما بدأ العلماء الكوريون في الاتصال بالأفكار الغربية من خلال الكتب التي جلبت من الصين. ومع ذلك، لم يبدأ انتشار الكاثوليكية بشكل جدي حتى القرن الثامن عشر.
القرن الثامن عشر: البدايات المبكرة
في أواخر القرن الثامن عشر، بدأ مجموعة من العلماء الكوريين المعروفين باسم “سيراك” (مدرسة التعلم العملي) في دراسة الكتب الكاثوليكية التي تم الحصول عليها من الصين. كان لي بيوك، وهو عالم بارز، من بين أوائل الكوريين الذين اعتنقوا الكاثوليكية. قام هؤلاء العلماء بدراسة التعاليم الكاثوليكية دون وجود مبشرين أجانب، وقاموا بتعميد أنفسهم.
القرن التاسع عشر: الاضطهاد والنمو
شهد القرن التاسع عشر فترة من الاضطهاد الشديد للكنيسة الكاثوليكية في كوريا. اعتبرت الحكومة الكورية الكاثوليكية تهديدًا للنظام الاجتماعي والسياسي القائم. تم إعدام العديد من الكاثوليك، بمن فيهم المبشرين الكوريين والأجانب، بسبب إيمانهم.
- اضطهاد شينيو (1801): كان هذا أول اضطهاد واسع النطاق للكنيسة الكاثوليكية في كوريا. تم إعدام العديد من القادة الكاثوليك البارزين، وتم حظر الأدب الكاثوليكي.
- اضطهاد جيهونغ (1827): استمر الاضطهاد في عهد الملك سونجو، وتم إعدام المزيد من الكاثوليك.
- اضطهاد بيونغين (1866): كان هذا الاضطهاد الأكثر دموية في تاريخ الكنيسة الكاثوليكية في كوريا. تم إعدام آلاف الكاثوليك، بمن فيهم تسعة مبشرين فرنسيين.
على الرغم من الاضطهاد، استمرت الكنيسة الكاثوليكية في النمو في كوريا. لعب المؤمنون العلمانيون دورًا حاسمًا في الحفاظ على الإيمان ونشره. تأسست المجتمعات الكاثوليكية السرية، وتم تهريب الكتب الدينية إلى البلاد.
القرن العشرون: النهضة والتوسع
شهد القرن العشرين نهضة كبيرة للكنيسة الكاثوليكية في كوريا. أدى الاستعمار الياباني لكوريا (1910-1945) إلى مزيد من القمع للدين الكوري، ولكن الكاثوليكية قدمت بديلاً روحيًا للعديد من الكوريين.
بعد الحرب الكورية (1950-1953)، تلقت الكنيسة الكاثوليكية في كوريا دعمًا كبيرًا من المنظمات الكاثوليكية الدولية. تم بناء الكنائس والمدارس والمستشفيات، وتم تدريب الكهنة والراهبات الكوريين.
الوضع الحالي
اليوم، تعد الكنيسة الكاثوليكية واحدة من أكبر الطوائف المسيحية في كوريا الجنوبية، مع ملايين الأعضاء. تلعب الكنيسة دورًا نشطًا في المجتمع الكوري، حيث تقدم خدمات تعليمية واجتماعية وصحية.
الشخصيات الرئيسية في تاريخ الكاثوليكية الكورية
لي سيونغ هون (1756-1801): يعتبر أول كوري يعتنق الكاثوليكية. تم تعميده في بكين عام 1784، وعاد إلى كوريا لبدء الكنيسة الكاثوليكية هناك.
الأب توماس تشوي يانغ هوب (1821-1846): كان أول كاهن كوري كاثوليكي. تم إعدامه بسبب إيمانه عام 1846، وتم تطويبه لاحقًا.
القديسة أندرو كيم دايجون (1821-1846): هو أول كاهن كوري كاثوليكي. تم تعيينه كاهنًا في شنغهاي، وعاد إلى كوريا لخدمة الكنيسة المضطهدة. تم إعدامه عام 1846، وتم تطويبه لاحقًا.
القديسين الكوريون (103 شهيدًا): في عام 1984، قام البابا يوحنا بولس الثاني بتقديس 103 شهيدًا كوريًا، بمن فيهم القديس أندرو كيم دايجون والقديس بول تشونغ هاسانغ. هؤلاء الشهداء هم رموز للإيمان والشجاعة للكنيسة الكاثوليكية في كوريا.
المعتقدات والممارسات
تتبع الكنيسة الكاثوليكية في كوريا نفس المعتقدات والممارسات الأساسية للكنيسة الكاثوليكية العالمية. وتشمل هذه:
- الإيمان بالله الواحد والثالوث الأقدس (الآب والابن والروح القدس).
- الإيمان بيسوع المسيح، ابن الله، الذي تجسد ومات وقام من بين الأموات لخلاص البشرية.
- الإيمان بالكنيسة الكاثوليكية، التي أسسها يسوع المسيح على الرسول بطرس.
- الاعتراف بالأسرار المقدسة السبعة: المعمودية، والتثبيت، والقربان المقدس، والتوبة، ومسحة المرضى، والكهنوت، والزواج.
- تكريم مريم العذراء، والدة يسوع، والقديسين.
تعتبر القداس الإلهي (القداس) هو أهم شكل من أشكال العبادة في الكنيسة الكاثوليكية. يحتفل الكاثوليك بالقداس كل يوم أحد، وفي أيام الأعياد الأخرى.
دور الكنيسة في المجتمع الكوري
تلعب الكنيسة الكاثوليكية دورًا مهمًا في المجتمع الكوري. بالإضافة إلى توفير الخدمات الدينية، تشارك الكنيسة في مجموعة متنوعة من الأنشطة الاجتماعية والتعليمية والصحية.
- التعليم: تدير الكنيسة الكاثوليكية العديد من المدارس والجامعات في كوريا الجنوبية. هذه المؤسسات التعليمية تقدم تعليمًا عالي الجودة للطلاب من جميع الخلفيات.
- الخدمات الاجتماعية: تقدم الكنيسة الكاثوليكية مجموعة واسعة من الخدمات الاجتماعية للمحتاجين، بما في ذلك الملاجئ ودور الأيتام ومراكز إعادة التأهيل.
- الرعاية الصحية: تدير الكنيسة الكاثوليكية العديد من المستشفيات والعيادات في كوريا الجنوبية. هذه المؤسسات الصحية تقدم رعاية طبية عالية الجودة للمرضى من جميع الخلفيات.
- الدعوة إلى العدالة الاجتماعية: تدافع الكنيسة الكاثوليكية عن العدالة الاجتماعية وحقوق الإنسان في كوريا الجنوبية. تلعب الكنيسة دورًا نشطًا في تعزيز السلام والمصالحة وحماية البيئة.
التحديات التي تواجه الكنيسة الكاثوليكية في كوريا الجنوبية
تواجه الكنيسة الكاثوليكية في كوريا الجنوبية عددًا من التحديات في القرن الحادي والعشرين. وتشمل هذه:
- العلمنة: مثل العديد من البلدان الأخرى في العالم، تشهد كوريا الجنوبية تزايدًا في العلمنة. وهذا يعني أن المزيد والمزيد من الناس يبتعدون عن الدين.
- التنافس من الطوائف المسيحية الأخرى: هناك العديد من الطوائف المسيحية الأخرى في كوريا الجنوبية، والتي تتنافس مع الكنيسة الكاثوليكية على الأعضاء.
- التحديات الاجتماعية والأخلاقية: تواجه الكنيسة الكاثوليكية عددًا من التحديات الاجتماعية والأخلاقية في كوريا الجنوبية، مثل الإجهاض والقتل الرحيم وزواج المثليين.
على الرغم من هذه التحديات، تظل الكنيسة الكاثوليكية قوة حيوية في المجتمع الكوري. تلتزم الكنيسة بخدمة شعب كوريا وتعزيز قيم الإنجيل.
العلاقات مع كوريا الشمالية
بسبب الانقسام السياسي بين الكوريتين، تواجه الكنيسة الكاثوليكية تحديات كبيرة في الحفاظ على أي وجود أو تأثير في كوريا الشمالية. تعتبر الدولة الشيوعية ممارسة الدين غير المصرح به جريمة، وتخضع الكنيسة الكاثوليكية لقمع شديد. ومع ذلك، تواصل الكنيسة الكاثوليكية الدعوة إلى السلام والمصالحة بين الكوريتين، وتقديم المساعدات الإنسانية لشعب كوريا الشمالية.
زار الكاردينال أندرو يوم سو جونغ، رئيس أساقفة سيول السابق، كوريا الشمالية عدة مرات، وحث على المصالحة والسلام بين الكوريتين. كما أنشأت الكنيسة الكاثوليكية برامج لمساعدة اللاجئين الكوريين الشماليين في كوريا الجنوبية.
خاتمة
الكنيسة الكاثوليكية في كوريا الجنوبية لها تاريخ طويل ومعقد. على الرغم من الاضطهاد والتحديات، نمت الكنيسة لتصبح قوة رئيسية في المجتمع الكوري. تلتزم الكنيسة بخدمة شعب كوريا وتعزيز قيم الإنجيل. من خلال التعليم والخدمات الاجتماعية والدعوة إلى العدالة الاجتماعية، تسعى الكنيسة إلى بناء عالم أفضل للجميع. وبالرغم من التحديات، تظل الكنيسة الكاثوليكية في كوريا الجنوبية منارة أمل وإيمان.