خلفية تأسيس الحزب
في سبعينيات القرن التاسع عشر، عانت كاليفورنيا من أزمة اقتصادية حادة. تفاقمت الأوضاع بسبب انتهاء أعمال بناء السكك الحديدية العابرة للقارات، مما أدى إلى تسريح أعداد كبيرة من العمال، بمن فيهم العديد من المهاجرين الصينيين. كان يُنظر إلى المهاجرين الصينيين على نطاق واسع على أنهم منافسون للعمال البيض، حيث كانوا على استعداد للعمل بأجور أقل وفي ظروف أصعب. أدى هذا إلى تنامي المشاعر المعادية للصين والعنصرية، وهو ما استغله حزب العمال في كاليفورنيا.
تأسس الحزب في سان فرانسيسكو، وهي المدينة التي شهدت أكبر تجمع للعمال والمهاجرين في كاليفورنيا. كان الهدف المعلن للحزب هو حماية مصالح العمال البيض وتحسين ظروفهم المعيشية. ومع ذلك، سرعان ما تحول تركيز الحزب إلى قضية الهجرة الصينية، وأصبحت معاداة الصين هي السمة المميزة له.
دينيس كيرني ودوره القيادي
كان دينيس كيرني شخصية كاريزمية لعبت دورًا محوريًا في صعود حزب العمال في كاليفورنيا. كان كيرني مهاجرًا أيرلنديًا وصل إلى سان فرانسيسكو في عام 1868 وعمل في مجال النقل البحري. كان خطيبًا مفوهًا وقادرًا على إلهاب الجماهير بخطاباته النارية المناهضة للصين. اشتهر كيرني بشعاراته الرنانة مثل “يجب طرد الصينيين!” و “لكل حبة رمل صيني، رصاصة!”، والتي لاقت صدى واسعًا في أوساط العمال البيض الغاضبين.
استخدم كيرني أساليب تحريضية لإثارة المشاعر المعادية للصين، ونظم مسيرات ومظاهرات حاشدة في سان فرانسيسكو ومدن أخرى في كاليفورنيا. غالبًا ما كانت هذه المظاهرات تتحول إلى أعمال عنف ضد المهاجرين الصينيين وممتلكاتهم. على الرغم من أن كيرني دعا رسميًا إلى حل سلمي لقضية الهجرة الصينية، إلا أن خطاباته التحريضية ساهمت في خلق مناخ من الكراهية والعنف.
برنامج الحزب ومبادئه
بالإضافة إلى معاداة الصين، تبنى حزب العمال في كاليفورنيا برنامجًا إصلاحيًا اشتمل على عدد من المطالب الأخرى، منها:
- تحديد ساعات العمل
- حظر عمل الأطفال
- إنشاء نظام تعليم عام مجاني
- فرض الضرائب على الشركات الكبرى
- إصلاح النظام السياسي
دعا الحزب إلى إجراء تغييرات جذرية في النظام الاقتصادي والسياسي، بهدف حماية مصالح العمال وتحقيق العدالة الاجتماعية. ومع ذلك، كانت معاداة الصين هي القضية التي استقطبت أكبر قدر من الاهتمام والدعم للحزب.
تأثير الحزب على السياسة الكاليفورنية
حقق حزب العمال في كاليفورنيا نجاحًا كبيرًا في الانتخابات المحلية والولائية في أواخر سبعينيات القرن التاسع عشر. فاز مرشحو الحزب بمقاعد في المجلس التشريعي لولاية كاليفورنيا ومجلس مدينة سان فرانسيسكو ومناصب أخرى. استخدم الحزب نفوذه السياسي للدفع بتشريعات معادية للصين، مثل قانون يحظر توظيف الصينيين في المشاريع العامة.
كما لعب الحزب دورًا رئيسيًا في الدعوة إلى تعديل دستور ولاية كاليفورنيا في عام 1879. تضمن التعديل عددًا من الأحكام التي تستهدف المهاجرين الصينيين، مثل حظر توظيفهم في الشركات وحرمانهم من حق التصويت.
على المستوى الوطني، ساهم حزب العمال في كاليفورنيا في تنامي المشاعر المعادية للصين التي أدت في النهاية إلى إقرار قانون الاستبعاد الصيني في عام 1882، والذي منع الهجرة الصينية إلى الولايات المتحدة.
أسباب ضعف الحزب وتلاشيه
على الرغم من النجاح الأولي الذي حققه، بدأ حزب العمال في كاليفورنيا في التراجع في أوائل ثمانينيات القرن التاسع عشر. يعزى ذلك إلى عدة عوامل، منها:
- الانقسامات الداخلية: عانى الحزب من صراعات داخلية على السلطة والأيديولوجية.
- تراجع الأزمة الاقتصادية: تحسن الوضع الاقتصادي في كاليفورنيا، مما قلل من حدة المشاعر الغاضبة لدى العمال.
- قمع الحزب: اتخذت السلطات إجراءات لقمع الحزب واعتقال قادته.
- فقدان التركيز: بعد إقرار قانون الاستبعاد الصيني، فقد الحزب القضية التي وحدته وأعطته زخمًا.
بحلول منتصف ثمانينيات القرن التاسع عشر، كان حزب العمال في كاليفورنيا قد فقد معظم نفوذه وتلاشى تدريجيًا.
إرث الحزب وتأثيره
على الرغم من قصر عمره، ترك حزب العمال في كاليفورنيا بصمة واضحة على التاريخ السياسي والاجتماعي للولاية والبلاد. كان الحزب تعبيرًا عن الغضب والإحباط الذي شعر به العمال البيض في كاليفورنيا في أواخر القرن التاسع عشر. كما كان مثالًا على كيف يمكن استغلال المشاعر العنصرية ومعاداة الأجانب لتحقيق مكاسب سياسية.
يبقى إرث حزب العمال في كاليفورنيا بمثابة تذكير بالمخاطر الكامنة في التحريض على الكراهية والعنف، وأهمية حماية حقوق جميع الأفراد، بغض النظر عن عرقهم أو أصلهم.
خاتمة
كان حزب العمال في كاليفورنيا منظمة عمالية لعبت دورًا مهمًا في السياسة الكاليفورنية في أواخر القرن التاسع عشر. اشتهر الحزب بمعارضته الشديدة للهجرة الصينية، وقاده دينيس كيرني. على الرغم من نجاحه الأولي، إلا أن الحزب تراجع وتلاشى بسبب الانقسامات الداخلية وتراجع الأزمة الاقتصادية والقمع الحكومي. ومع ذلك، ترك الحزب بصمة واضحة على التاريخ السياسي والاجتماعي للولاية والبلاد.