جذور النزاع التاريخية
تعود جذور النزاع إلى أوائل القرن العشرين، عندما كانت المنطقة جزءًا من الإمبراطورية الروسية. بعد الثورة الروسية عام 1917، أعلنت كل من أرمينيا وأذربيجان استقلالها. نشأ نزاع إقليمي بين الدولتين الجديدتين حول عدة مناطق، بما في ذلك ناغورنو كاراباخ. في عام 1921، قرر المكتب القوقازي للحزب الشيوعي السوفيتي إبقاء ناغورنو كاراباخ داخل أذربيجان الاشتراكية السوفيتية، مع منحها وضعًا يتمتع بالحكم الذاتي. ومع ذلك، استمر التوتر بين الأرمن والأذربيجانيين في المنطقة.
خلال الحقبة السوفيتية، حافظت موسكو على سيطرة صارمة على المنطقة، مما منع اندلاع صراع مفتوح. ومع ذلك، في ظل سياسة “البيريسترويكا” و “الغلاسنوست” التي أطلقها ميخائيل غورباتشوف في منتصف الثمانينيات، بدأت التوترات تتصاعد مرة أخرى. طالب الأرمن في ناغورنو كاراباخ بالوحدة مع أرمينيا، بينما عارضت أذربيجان بشدة أي تغيير في الحدود.
تصاعد النزاع في أواخر الثمانينيات وأوائل التسعينيات
في عام 1988، صوت المجلس الإقليمي لناغورنو كاراباخ لصالح الوحدة مع أرمينيا. أدى هذا إلى اندلاع أعمال عنف واسعة النطاق بين الأرمن والأذربيجانيين، مما أسفر عن مقتل المئات وتشريد الآلاف. في عام 1991، أعلنت ناغورنو كاراباخ استقلالها من أذربيجان، وهو ما لم تعترف به أذربيجان ولا المجتمع الدولي.
اندلعت حرب شاملة بين أرمينيا وأذربيجان في عام 1992. تمكنت القوات الأرمينية، بدعم من أرمينيا، من السيطرة على معظم ناغورنو كاراباخ والأراضي المحيطة بها. أدت الحرب إلى مقتل الآلاف وتشريد مئات الآلاف من الأشخاص، معظمهم من الأذربيجانيين.
- النتائج البشرية: أودى النزاع بحياة ما يقدر بنحو 30,000 شخص وتسبب في تشريد أكثر من مليون شخص.
- النتائج الإقليمية: أدى النزاع إلى تغييرات كبيرة في التركيبة السكانية للمنطقة، حيث فر معظم الأذربيجانيين من ناغورنو كاراباخ والأراضي المحيطة بها، وفر معظم الأرمن من أذربيجان.
- النتائج السياسية: أدى النزاع إلى تجميد العلاقات بين أرمينيا وأذربيجان وإلى إعاقة التنمية الاقتصادية في المنطقة.
وقف إطلاق النار والجهود الدبلوماسية
في عام 1994، تم التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار بوساطة روسية. ومع ذلك، لم يتم التوصل إلى حل سياسي دائم للنزاع. منذ ذلك الحين، بذلت العديد من الجهود الدبلوماسية للتوصل إلى حل سلمي، بما في ذلك جهود مجموعة مينسك التابعة لمنظمة الأمن والتعاون في أوروبا، لكنها لم تسفر عن نتائج ملموسة.
على الرغم من وقف إطلاق النار، استمرت المناوشات والاشتباكات على طول خط التماس بين القوات الأرمينية والأذربيجانية. تصاعدت هذه الاشتباكات في عدة مناسبات، مما أثار مخاوف من تجدد الحرب الشاملة.
حرب 2020 وتداعياتها
في سبتمبر 2020، اندلعت حرب جديدة بين أرمينيا وأذربيجان. تمكنت القوات الأذربيجانية، بدعم من تركيا، من تحقيق مكاسب كبيرة في ساحة المعركة، واستعادت السيطرة على أجزاء كبيرة من ناغورنو كاراباخ والأراضي المحيطة بها. انتهت الحرب في نوفمبر 2020 باتفاق لوقف إطلاق النار بوساطة روسية.
بموجب الاتفاق، استعادت أذربيجان السيطرة على الأراضي التي احتلتها القوات الأرمينية في التسعينيات، بالإضافة إلى أجزاء كبيرة من ناغورنو كاراباخ نفسها. تم نشر قوات حفظ السلام الروسية في المنطقة لمراقبة وقف إطلاق النار.
كانت حرب 2020 بمثابة نقطة تحول في النزاع. لقد غيرت ميزان القوى في المنطقة وأدت إلى تغييرات كبيرة في الوضع الإقليمي. ومع ذلك، لا يزال مستقبل ناغورنو كاراباخ غير مؤكدًا، ولا يزال من الممكن أن يتصاعد النزاع مرة أخرى.
- تغيير ميزان القوى: أظهرت الحرب التفوق العسكري لأذربيجان، مما أدى إلى تغيير ميزان القوى في المنطقة.
- الوضع الإقليمي الجديد: أدت الحرب إلى تغييرات كبيرة في الوضع الإقليمي، حيث استعادت أذربيجان السيطرة على الأراضي التي كانت تحتلها القوات الأرمينية.
- مستقبل ناغورنو كاراباخ: لا يزال مستقبل ناغورنو كاراباخ غير مؤكدًا، حيث لم يتم التوصل إلى حل سياسي دائم للنزاع.
التحديات المستمرة
على الرغم من وقف إطلاق النار، لا تزال هناك العديد من التحديات التي تواجه المنطقة:
- قضايا اللاجئين والمشردين: لا يزال هناك مئات الآلاف من اللاجئين والمشردين داخلياً الذين لم يتمكنوا من العودة إلى ديارهم.
- إزالة الألغام: المنطقة مليئة بالألغام الأرضية والمتفجرات الأخرى، مما يشكل خطرًا كبيرًا على السكان المدنيين.
- قضايا الحدود: لا تزال هناك خلافات حول ترسيم الحدود بين أرمينيا وأذربيجان.
- العلاقات بين المجتمعات: لا تزال العلاقات بين المجتمعات الأرمينية والأذربيجانية متوترة، مما يجعل المصالحة صعبة.
دور القوى الإقليمية والدولية
تلعب القوى الإقليمية والدولية دورًا مهمًا في النزاع. روسيا هي حليف وثيق لأرمينيا ولها وجود عسكري في المنطقة. تركيا هي حليف وثيق لأذربيجان وقدمت لها دعمًا عسكريًا خلال حرب 2020. الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي مهتمان أيضًا بالنزاع ويدعوان إلى حل سلمي.
يعتقد الكثيرون أن الحل الدائم للنزاع يتطلب مشاركة جميع الأطراف المعنية، بما في ذلك أرمينيا وأذربيجان وروسيا وتركيا والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي. يجب على هذه الأطراف أن تعمل معًا لإيجاد حل سياسي عادل ومستدام يحترم حقوق جميع السكان في المنطقة.
خاتمة
نزاع ناغورنو كاراباخ هو صراع معقد وطويل الأمد له جذور تاريخية عميقة. على الرغم من الجهود الدبلوماسية العديدة، لم يتم التوصل إلى حل سياسي دائم للنزاع. كانت حرب 2020 بمثابة نقطة تحول في النزاع، ولكنها لم تحل المشكلة بشكل كامل. لا يزال مستقبل ناغورنو كاراباخ غير مؤكدًا، ولا يزال من الممكن أن يتصاعد النزاع مرة أخرى. يتطلب الحل الدائم للنزاع مشاركة جميع الأطراف المعنية والعمل معًا لإيجاد حل سياسي عادل ومستدام يحترم حقوق جميع السكان في المنطقة.