خلفية تاريخية
نشأت منظمة “طقس تحت الأرض” في خضم فترة مضطربة في التاريخ الأمريكي، حيث تصاعدت الاحتجاجات ضد حرب فيتنام، وتزايد الوعي بقضايا الحقوق المدنية، وتنامت الحركات الطلابية الراديكالية. في هذا السياق، شعر بعض النشطاء أن الاحتجاجات السلمية لم تكن كافية لإحداث تغيير حقيقي، وأن العمل المباشر والعنيف هو السبيل الوحيد لمواجهة ما اعتبروه قمعًا واستغلالًا من قبل الحكومة والمؤسسات الأمريكية.
تأسيس المنظمة وأهدافها
تأسست منظمة “طقس تحت الأرض” رسميًا في عام 1969، بعد انقسام حركة طلاب من أجل مجتمع ديمقراطي. تبنت المجموعة اسم “طقس تحت الأرض” في إشارة إلى أغنية بوب ديلان “Subterranean Homesick Blues”. قاد المجموعة شخصيات مثل بيرنادين دورن وبيل آيرز وجيف جونز. أعلنت المنظمة الحرب على الحكومة الأمريكية، ودعت إلى “ثورة بيضاء” لمساندة حركات التحرر في العالم الثالث.
شملت أهداف المجموعة المعلنة ما يلي:
- إسقاط الإمبريالية الأمريكية.
- إنهاء حرب فيتنام.
- مكافحة العنصرية والظلم الاجتماعي.
- دعم حركات التحرر في جميع أنحاء العالم.
لتحقيق هذه الأهداف، لجأت المنظمة إلى العنف والتخريب، بما في ذلك تفجير المباني الحكومية والبنوك وغيرها من المؤسسات التي اعتبروها رموزًا للقمع والاستغلال.
أنشطة المنظمة وأعمالها
نفذت منظمة “طقس تحت الأرض” سلسلة من التفجيرات والهجمات في الفترة ما بين عامي 1969 و 1975. من بين أبرز هذه العمليات:
- تفجير مركز شرطة مدينة نيويورك عام 1970.
- تفجير مبنى الكابيتول الأمريكي في عام 1971.
- تفجير مبنى البنتاغون في عام 1972.
بالإضافة إلى التفجيرات، شاركت المنظمة في أعمال تخريب أخرى، مثل إتلاف الممتلكات العامة والخاصة، وتنظيم المظاهرات والاحتجاجات العنيفة. حاولت المجموعة أيضًا تجنيد أعضاء جدد من بين الطلاب والناشطين، ونشر أفكارها من خلال البيانات والمنشورات السرية.
أدت أعمال العنف والتخريب التي قامت بها منظمة “طقس تحت الأرض” إلى مقتل وإصابة العديد من الأشخاص، بالإضافة إلى تدمير الممتلكات. تسببت هذه الأعمال في إثارة غضب واستياء واسع النطاق في المجتمع الأمريكي، وأدت إلى حملة قمع واسعة النطاق من قبل الحكومة ووكالات إنفاذ القانون.
تفكك المنظمة ومصير أعضائها
بدأت منظمة “طقس تحت الأرض” في التفكك في منتصف السبعينيات، بعد أن فقدت الدعم الشعبي وتزايد الضغط عليها من قبل السلطات. تراجع العديد من أعضاء المجموعة عن أفكارهم وأعمالهم، بينما اختفى آخرون عن الأنظار أو تم القبض عليهم ومحاكمتهم.
في عام 1977، أصدر الرئيس جيمي كارتر عفوًا عن جميع الذين تهربوا من التجنيد في حرب فيتنام، وكذلك عن بعض أعضاء منظمة “طقس تحت الأرض” الذين لم يرتكبوا جرائم عنيفة. ومع ذلك، ظل بعض أعضاء المجموعة مطلوبين من قبل القانون لسنوات عديدة.
بعد سنوات من الاختباء، ظهر بعض أعضاء منظمة “طقس تحت الأرض” علنًا في التسعينيات والألفينيات، وتحدثوا عن تجاربهم وأفكارهم. أثار هذا الظهور جدلاً واسعًا في المجتمع الأمريكي، حيث انتقد البعض أعضاء المجموعة لعدم اعتذارهم عن أعمال العنف التي ارتكبوها، بينما دافع آخرون عن حقهم في التعبير عن آرائهم.
الفيلم الوثائقي
يقدم فيلم “الطقس تحت الأرض” (The Weather Underground) نظرة متعمقة على تاريخ المنظمة وأفكارها وأعمالها. يعتمد الفيلم على مقابلات مع أعضاء سابقين في المجموعة، بالإضافة إلى لقطات أرشيفية ووثائق تاريخية. يحاول الفيلم فهم دوافع أعضاء المنظمة، وتسليط الضوء على السياق التاريخي والسياسي الذي أدى إلى ظهورها.
أثار الفيلم جدلاً واسعًا عند عرضه، حيث انتقد البعض الفيلم لتقديمه صورة متعاطفة مع أعضاء المنظمة، بينما أشاد آخرون به لتقديمه نظرة موضوعية ومتوازنة على هذه الفترة المضطربة في التاريخ الأمريكي. رُشح الفيلم لجائزة الأوسكار لأفضل فيلم وثائقي عام 2003.
تأثير المنظمة وإرثها
على الرغم من قصر عمرها الزمني، تركت منظمة “طقس تحت الأرض” بصمة واضحة على التاريخ الأمريكي. ساهمت المنظمة في تصعيد الاحتجاجات ضد حرب فيتنام، وفي زيادة الوعي بقضايا الظلم الاجتماعي والعرقي. كما أثرت المنظمة على الحركات الراديكالية الأخرى في الولايات المتحدة وخارجها.
ومع ذلك، يظل إرث المنظمة مثيرًا للجدل. يرى البعض أن المنظمة كانت مجموعة من الإرهابيين الذين ارتكبوا أعمال عنف لا مبرر لها، بينما يرى آخرون أنها كانت مجموعة من المناضلين الذين سعوا إلى تحقيق العدالة والمساواة. بغض النظر عن الرأي، لا يمكن إنكار أن منظمة “طقس تحت الأرض” كانت قوة مؤثرة في التاريخ الأمريكي الحديث.
خاتمة
فيلم “الطقس تحت الأرض” هو فيلم وثائقي مهم يسلط الضوء على فترة مضطربة في التاريخ الأمريكي، ويثير تساؤلات مهمة حول العنف والاحتجاج والتغيير الاجتماعي. يقدم الفيلم صورة معقدة ومتوازنة لمنظمة “طقس تحت الأرض”، ويدعو المشاهدين إلى التفكير في دوافع أعضائها وإرثها.