<![CDATA[
نشأته وحياته المبكرة
ولد هاينز غالينسكي في 28 نوفمبر 1912 في مدينة ماريينويردر (التي تعرف اليوم باسم كفيدزين في بولندا). نشأ في عائلة يهودية متدينة، وتلقى تعليماً تقليدياً يهودياً. عمل غالينسكي في شبابه في مجال تجارة المنسوجات. مع صعود الحزب النازي إلى السلطة في ألمانيا، بدأت تظهر بوادر التمييز والاضطهاد ضد اليهود، مما أثر بشكل كبير على حياة غالينسكي وعائلته.
سنوات الحرب والنجاة من المحرقة
خلال الحرب العالمية الثانية، عانى هاينز غالينسكي من ويلات المحرقة النازية. تم اعتقاله وترحيله إلى معسكر أوشفيتز بيركيناو سيئ السمعة، حيث قضى فترة عصيبة شهد خلالها أهوالاً لا تُوصف. نجا غالينسكي بأعجوبة من الموت في أوشفيتز، ثم نُقل لاحقًا إلى معسكر اعتقال بيرغن بيلسن، حيث تم تحريره في عام 1945. فقد غالينسكي العديد من أفراد عائلته في المحرقة، مما تركه مثقلاً بالحزن والصدمة.
العودة إلى ألمانيا والنشاط في الجالية اليهودية
بعد انتهاء الحرب، قرر هاينز غالينسكي العودة إلى ألمانيا، على الرغم من المآسي التي عاشها. استقر في برلين الغربية، حيث انخرط في إعادة بناء الجالية اليهودية المتضررة. بدأ غالينسكي نشاطه في المنظمات اليهودية المحلية، وسرعان ما برز كشخصية قيادية مؤثرة.
في عام 1949، انتُخب هاينز غالينسكي رئيساً للجالية اليهودية في برلين الغربية. شغل هذا المنصب لمدة طويلة، حيث كرس جهوده لخدمة الجالية اليهودية وتمثيل مصالحها أمام السلطات الألمانية. عمل غالينسكي على إعادة بناء المؤسسات اليهودية، مثل المدارس والمعابد والمقابر، التي دمرت خلال الحرب. كما سعى إلى توفير الدعم الاجتماعي والاقتصادي للناجين من المحرقة.
رئاسة المجلس المركزي لليهود في ألمانيا
في عام 1963، انتُخب هاينز غالينسكي رئيساً للمجلس المركزي لليهود في ألمانيا. كان هذا المنصب بمثابة اعتراف بدوره القيادي ومكانته المرموقة في الجالية اليهودية الألمانية. استمر غالينسكي في رئاسة المجلس المركزي حتى وفاته في عام 1992، مما يجعله أحد أطول الرؤساء خدمة في تاريخ هذه المنظمة الهامة.
خلال فترة رئاسته للمجلس المركزي، لعب هاينز غالينسكي دوراً حاسماً في الدفاع عن حقوق اليهود الألمان ومكافحة معاداة السامية. كان غالينسكي صوتاً قوياً في مواجهة التعصب والعنصرية، ودعا باستمرار إلى التسامح والاحترام المتبادل بين الأديان والثقافات المختلفة. كما عمل على تعزيز العلاقات بين الجالية اليهودية الألمانية وإسرائيل.
من أبرز إنجازات هاينز غالينسكي خلال فترة رئاسته للمجلس المركزي:
- المطالبة بتعويضات للناجين من المحرقة: بذل غالينسكي جهوداً كبيرة لضمان حصول الناجين من المحرقة على تعويضات عادلة عن معاناتهم.
- مكافحة معاداة السامية: تصدى غالينسكي بحزم لجميع أشكال معاداة السامية، سواء كانت صريحة أو ضمنية.
- تعزيز الحوار بين الأديان: عمل غالينسكي على بناء جسور من التواصل والتفاهم بين اليهود والمسيحيين والمسلمين في ألمانيا.
- دعم دولة إسرائيل: كان غالينسكي مؤيداً قوياً لدولة إسرائيل، وعمل على تعزيز العلاقات بين ألمانيا وإسرائيل.
- الحفاظ على الذاكرة التاريخية للمحرقة: أكد غالينسكي على أهمية تذكر المحرقة وعدم نسيانها، وذلك لمنع تكرارها في المستقبل.
مواقفه وآراؤه
تميز هاينز غالينسكي بمواقفه الصريحة والجريئة. لم يتردد في التعبير عن آرائه حول القضايا الهامة التي تواجه الجالية اليهودية الألمانية والمجتمع الألماني ككل. كان غالينسكي مدافعاً قوياً عن الديمقراطية وحقوق الإنسان، وانتقد بشدة أي محاولات لتقويض هذه القيم.
عارض غالينسكي بشدة أي شكل من أشكال التطرف والعنف، سواء كان ذلك من اليمين المتطرف أو اليسار المتطرف. كما انتقد بشدة إنكار المحرقة، واعتبره جريمة لا تغتفر. كان غالينسكي يؤمن بأهمية المصالحة بين الألمان واليهود، لكنه أكد على أن المصالحة الحقيقية لا يمكن أن تتم إلا من خلال الاعتراف الكامل بالمسؤولية عن جرائم الماضي.
تكريمه وجوائزه
حصل هاينز غالينسكي على العديد من الجوائز والأوسمة تقديراً لجهوده في خدمة الجالية اليهودية الألمانية والمجتمع الألماني ككل. من بين هذه الجوائز:
- وسام الاستحقاق من جمهورية ألمانيا الاتحادية: وهو أعلى وسام يمنح في ألمانيا.
- جائزة ليوبولد لوكاس: وهي جائزة تمنح للأفراد الذين قدموا مساهمات بارزة في تعزيز التفاهم بين الأديان.
- الدكتوراه الفخرية من جامعة برلين الحرة: تقديراً لجهوده في تعزيز الديمقراطية وحقوق الإنسان.
وفاته وإرثه
توفي هاينز غالينسكي في 19 يوليو 1992 في برلين عن عمر يناهز 79 عاماً. تركت وفاته فراغاً كبيراً في الجالية اليهودية الألمانية. يُذكر غالينسكي كشخصية قيادية فذة كرست حياتها لخدمة شعبها والدفاع عن حقوقه. يعتبر إرثه مصدر إلهام للأجيال القادمة من اليهود الألمان.
خاتمة
كان هاينز غالينسكي شخصية محورية في تاريخ الجالية اليهودية في ألمانيا بعد الحرب العالمية الثانية. بصفته رئيسًا للمجلس المركزي لليهود في ألمانيا، لعب دورًا حاسمًا في تمثيل مصالح اليهود الألمان، والدفاع عن حقوقهم، ومكافحة معاداة السامية. يظل إرثه حيًا كمصدر إلهام للكفاح من أجل العدالة والتسامح والاحترام المتبادل.