مقدمة
التربراتوليدا (Terebratulida) هي إحدى الرتب الثلاث الحية فقط من عضديات الأرجل المفصلية (Articulate brachiopods). الرتبتان الأخريان هما الرينكونيليدا (Rhynchonellida) والثيسيديا (Thecideida). تعتبر التربراتوليدات من الكائنات البحرية القديمة التي ظهرت لأول مرة في العصر الأوردوفيشي (Ordovician period)، وتتميز ببقائها عبر ملايين السنين بتغيرات طفيفة نسبياً في شكلها وتركيبها. تعيش هذه الكائنات في قاع البحار والمحيطات، وتثبت نفسها على الصخور أو الرواسب باستخدام ساق عضلي يسمى السويقة (Pedicle).
الخصائص الفيزيولوجية والتشريحية
تتميز التربراتوليدات بعدة خصائص تشريحية وفيزيولوجية فريدة تميزها عن غيرها من عضديات الأرجل المفصلية:
- الأصداف: تمتلك التربراتوليدات صدفة تتكون من مصراعين (Valves) غير متساويين في الحجم، أحدهما ظهري (Brachial valve) والآخر بطني (Pedicle valve). تتكون الصدفة بشكل أساسي من كربونات الكالسيوم (Calcium carbonate).
- السويقة: هي ساق عضلي يمتد من خلال فتحة في المصراع البطني، يستخدمه الحيوان للالتصاق بالركيزة. تختلف السويقة في حجمها وشكلها بين الأنواع المختلفة.
- الجهاز الهضمي: يمتلك التربراتوليدات جهازاً هضمياً بسيطاً يتكون من فم ومريء ومعدة وأمعاء تنتهي بفتحة شرج.
- الجهاز العصبي: يتكون الجهاز العصبي من حلقة عصبية حول المريء تتفرع منها أعصاب إلى مختلف أجزاء الجسم.
- الجهاز الدوراني: يمتلك التربراتوليدات جهازاً دورانياً مفتوحاً، حيث يتدفق الدم (أو الهيموليمف) عبر تجاويف الجسم بدلاً من الأوعية الدموية المغلقة.
- التنفس: يتم التنفس عن طريق الخياشيم الموجودة داخل تجويف الوشاح (Mantle cavity).
التصنيف والتطور
تنتمي التربراتوليدات إلى شعبة عضديات الأرجل (Brachiopoda)، وهي شعبة من اللافقاريات البحرية. تصنف التربراتوليدات ضمن رتبة التربراتوليدا (Terebratulida)، التي تضم العديد من العائلات والأجناس. تطورت التربراتوليدات من أسلافها في العصر الأوردوفيشي، ومرت بتطورات وتغيرات عديدة عبر العصور الجيولوجية المختلفة. وقد ساهمت الأحافير (Fossils) الخاصة بها في فهمنا لتاريخ الحياة على الأرض وتطور الكائنات البحرية.
السلوك والتغذية
تعتبر التربراتوليدات من الكائنات الجالسة (Sessile organisms)، أي أنها تعيش ملتصقة بالركيزة ولا تتحرك بحرية. تتغذى هذه الكائنات عن طريق الترشيح (Filter feeding)، حيث تقوم بترشيح الجزيئات العضوية الصغيرة والعوالق (Plankton) من الماء باستخدام تركيب يسمى اللوفوفور (Lophophore). اللوفوفور هو عضو تغذية على شكل حلقة أو حدوة حصان محاطة بأهداب (Cilia) تساعد في توجيه الماء والجزيئات الغذائية نحو الفم.
التكاثر ودورة الحياة
تتكاثر التربراتوليدات جنسياً. معظم الأنواع منفصلة الجنس (Dioecious)، أي أن هناك ذكوراً وإناثاً منفصلة. يتم إطلاق الأمشاج (Gametes) في الماء، حيث يحدث الإخصاب (Fertilization). تتطور اليرقة (Larva) الناتجة من الإخصاب وتسبح بحرية لفترة من الوقت قبل أن تستقر على الركيزة وتتحول إلى فرد بالغ. قد تستغرق التربراتوليدات عدة سنوات للوصول إلى مرحلة النضج الجنسي.
الأهمية البيئية والاقتصادية
تلعب التربراتوليدات دوراً مهماً في النظم البيئية البحرية. فهي تعتبر جزءاً من السلسلة الغذائية (Food chain)، وتوفر الغذاء للعديد من الكائنات البحرية الأخرى. كما أن وجودها يشير إلى جودة البيئة البحرية، حيث أنها حساسة للتلوث والتغيرات البيئية. من الناحية الاقتصادية، ليس للتربراتوليدات أهمية اقتصادية مباشرة كبيرة، ولكن دراسة أحافيرها تساهم في فهمنا لتاريخ الأرض وتطور الكائنات الحية، مما يفيد في مجالات علمية مختلفة مثل علم الأحياء القديمة (Paleontology) والجيولوجيا (Geology).
التوزيع الجغرافي والموائل
تنتشر التربراتوليدات في مختلف أنحاء العالم، وتوجد في معظم المحيطات والبحار. تعيش هذه الكائنات في مجموعة متنوعة من الموائل البحرية، بما في ذلك المياه الضحلة والمياه العميقة، والمناطق الاستوائية والمعتدلة والباردة. تفضل التربراتوليدات العيش على الصخور أو الرواسب الصلبة، حيث يمكنها تثبيت نفسها باستخدام السويقة. يمكن العثور عليها أيضاً في الكهوف البحرية والشعاب المرجانية.
التهديدات والمحافظة
تواجه التربراتوليدات العديد من التهديدات، بما في ذلك التلوث البحري، وتغير المناخ، والصيد الجائر، وتدمير الموائل. يمكن أن يؤدي التلوث البحري إلى تسمم التربراتوليدات وتدهور صحتها. يمكن أن يؤدي تغير المناخ إلى تغيرات في درجة حرارة المياه وملوحتها، مما قد يؤثر سلباً على بقائها. يمكن أن يؤدي الصيد الجائر إلى إزالة الكائنات التي تتغذى على التربراتوليدات، مما قد يؤدي إلى زيادة أعدادها بشكل غير طبيعي. يمكن أن يؤدي تدمير الموائل إلى فقدان المواقع التي تعيش فيها التربراتوليدات. لحماية التربراتوليدات، من الضروري اتخاذ تدابير للحد من التلوث البحري، والتخفيف من آثار تغير المناخ، وتنظيم الصيد، وحماية الموائل البحرية.
دراسة التربراتوليدات
تعتبر دراسة التربراتوليدات مهمة لفهم تطور الكائنات البحرية وعلاقتها بالبيئة. يتم دراسة التربراتوليدات من خلال علم الأحياء القديمة (Paleontology) وعلم الأحياء البحرية (Marine biology). يدرس علماء الأحياء القديمة أحافير التربراتوليدات لفهم تاريخ تطورها وتوزيعها الجغرافي عبر الزمن. يدرس علماء الأحياء البحرية التربراتوليدات الحية لفهم سلوكها وتغذيتها وتكاثرها وتفاعلها مع البيئة. تستخدم تقنيات مختلفة في دراسة التربراتوليدات، بما في ذلك المجهر الإلكتروني (Electron microscopy) والتصوير المقطعي المحوسب (Computed tomography) وتحليل الحمض النووي (DNA analysis).
أنواع شهيرة من التربراتوليدات
هناك العديد من الأنواع المعروفة من التربراتوليدات، من بينها:
- Terebratula vitrea: نوع واسع الانتشار يوجد في المحيط الأطلسي والبحر الأبيض المتوسط.
- Magellania venosa: نوع يوجد في المياه الباردة في نصف الكرة الجنوبي.
- Crania anomala: نوع يتميز بصغر حجمه ويعيش ملتصقاً بالصخور.
أهمية الأحافير
تعتبر أحافير التربراتوليدات ذات أهمية كبيرة في دراسة التطور الجيولوجي والبيولوجي. فهي توفر معلومات قيمة حول:
- الظروف البيئية القديمة: يمكن تحليل تركيب صدفة التربراتوليدات لتحديد درجة حرارة وملوحة المياه التي عاشت فيها.
- تطور الكائنات الحية: يمكن مقارنة أحافير التربراتوليدات من عصور مختلفة لفهم كيفية تطور هذه الكائنات عبر الزمن.
- تحديد العمر النسبي للصخور: يمكن استخدام أحافير التربراتوليدات لتحديد العمر النسبي للطبقات الصخرية التي توجد فيها.
خاتمة
التربراتوليدات هي مجموعة مهمة من عضديات الأرجل المفصلية التي لعبت دوراً كبيراً في تاريخ الحياة على الأرض. تتميز هذه الكائنات بخصائص تشريحية وفيزيولوجية فريدة، وتعيش في مجموعة متنوعة من الموائل البحرية. تواجه التربراتوليدات العديد من التهديدات، ولكن من خلال اتخاذ تدابير للمحافظة عليها، يمكننا ضمان بقائها للأجيال القادمة. دراسة التربراتوليدات تساهم في فهمنا لتطور الكائنات البحرية وعلاقتها بالبيئة.