نشأته وتعليمه
ولد جون سوبرينو في إسبانيا، ولكنه قضى معظم حياته في السلفادور. تأثرت نشأته بالظروف الاجتماعية والسياسية الصعبة التي مرت بها أمريكا اللاتينية في القرن العشرين. انضم إلى الرهبنة اليسوعية، ودرس الفلسفة واللاهوت في أوروبا وأمريكا اللاتينية. حصل على الدكتوراه في اللاهوت من جامعة فرانكفورت في ألمانيا، حيث درس على يد اللاهوتي الشهير يورغن مولتمان.
لاهوت التحرير
يعتبر لاهوت التحرير حركة لاهوتية ظهرت في أمريكا اللاتينية في ستينيات وسبعينيات القرن العشرين. يركز هذا اللاهوت على قراءة الكتاب المقدس وفهم العقيدة المسيحية من منظور الفقراء والمهمشين. يعتبر لاهوتيو التحرير أن الإيمان المسيحي يدعو إلى العمل من أجل العدالة الاجتماعية ومكافحة الظلم والقمع. يرى سوبرينو أن لاهوت التحرير ليس مجرد تفسير جديد للإيمان، بل هو طريقة جديدة للعيش بالإيمان المسيحي في العالم.
مساهمات جون سوبرينو
قدم جون سوبرينو مساهمات كبيرة في تطوير لاهوت التحرير. من أبرز مساهماته:
- التأكيد على أهمية الفقراء: يرى سوبرينو أن الفقراء هم المكان اللاهوتي المركزي. أي أن فهمنا للإيمان المسيحي يجب أن يبدأ من تجربة الفقراء ومعاناتهم.
- التركيز على يسوع التاريخي: يؤكد سوبرينو على أهمية دراسة حياة يسوع التاريخي وتعاليمه. يرى أن يسوع كان مناصراً للفقراء والمهمشين، وأن الكنيسة يجب أن تقتدي به في هذا الصدد.
- الدعوة إلى العمل السياسي: يدعو سوبرينو المسيحيين إلى الانخراط في العمل السياسي من أجل تحقيق العدالة الاجتماعية. يرى أن الكنيسة يجب أن تلعب دوراً فعالاً في الدفاع عن حقوق الفقراء والمظلومين.
- الحوار مع الماركسية: أجرى سوبرينو حواراً مع الماركسية، محاولاً إيجاد نقاط التقاء بين الإيمان المسيحي والنقد الماركسي للرأسمالية.
أعماله الرئيسية
ألف جون سوبرينو العديد من الكتب والمقالات حول لاهوت التحرير. من أبرز أعماله:
- “المسيح في أمريكا اللاتينية”: يعتبر هذا الكتاب من أهم الكتب في لاهوت التحرير. يقدم سوبرينو فيه تفسيراً لاهوتياً لحياة يسوع المسيح من منظور أمريكا اللاتينية.
- “يسوع في أمريكا اللاتينية”: يركز هذا الكتاب على دراسة حياة يسوع التاريخي وأهمية ذلك بالنسبة للاهوت التحرير.
- “روحانية التحرير”: يتناول هذا الكتاب العلاقة بين الروحانية المسيحية والنضال من أجل العدالة الاجتماعية.
- “العدالة”: يستكشف هذا الكتاب مفهوم العدالة في الكتاب المقدس واللاهوت المسيحي.
- “أين الله؟”: يتأمل هذا الكتاب في مسألة وجود الله في عالم يعاني من الظلم والمعاناة.
تأثيره
كان لجون سوبرينو تأثير كبير على اللاهوت والكنيسة في أمريكا اللاتينية وخارجها. ألهمت أفكاره العديد من المسيحيين للعمل من أجل العدالة الاجتماعية والدفاع عن حقوق الفقراء والمظلومين. كما ساهم في تطوير فهم أعمق للإيمان المسيحي وأهميته في عالم اليوم. تعرض سوبرينو لانتقادات من بعض الدوائر الكنسية المحافظة بسبب آرائه السياسية واللاهوتية، لكنه ظل مدافعاً قوياً عن لاهوت التحرير ورسالته.
مذبحة الجامعة المركزية في السلفادور
في عام 1989، نجا جون سوبرينو بأعجوبة من مذبحة مروعة في الجامعة المركزية في السلفادور. قتلت القوات الحكومية ستة كهنة يسوعيين آخرين، بالإضافة إلى مدبرة منزل وابنتها. كان سوبرينو خارج البلاد في ذلك الوقت، لكنه كان هدفاً محتملاً للهجوم بسبب دوره البارز في لاهوت التحرير. أثارت المذبحة إدانة دولية واسعة النطاق وسلطت الضوء على العنف السياسي والقمع في السلفادور.
موقف الكنيسة الكاثوليكية
واجه لاهوت التحرير في البداية بعض التحفظات من قبل الكنيسة الكاثوليكية، خاصة في عهد البابا يوحنا بولس الثاني. ومع ذلك، فقد اعترفت الكنيسة لاحقاً بأهمية لاهوت التحرير في الدفاع عن حقوق الفقراء والمظلومين. أكد البابا فرانسيس، على وجه الخصوص، على أهمية “خيار الفقراء” في الإيمان المسيحي، وهو مبدأ أساسي في لاهوت التحرير.
نقد لاهوت التحرير
على الرغم من تأثيره الكبير، تعرض لاهوت التحرير لانتقادات من بعض الدوائر. من أبرز هذه الانتقادات:
- التسييس المفرط للإيمان: يرى بعض النقاد أن لاهوت التحرير يركز بشكل كبير على السياسة والاقتصاد، على حساب الجوانب الروحية للإيمان.
- التأثر بالماركسية: ينتقد البعض لاهوت التحرير بسبب تأثره بالماركسية، معتبرين أن الماركسية تتعارض مع القيم المسيحية.
- تبسيط المشاكل الاجتماعية: يرى البعض أن لاهوت التحرير يبسط المشاكل الاجتماعية المعقدة، ويقدم حلولاً غير واقعية.
دفاع سوبرينو عن لاهوت التحرير
دافع جون سوبرينو عن لاهوت التحرير ضد هذه الانتقادات، مؤكداً أنه ليس مجرد أيديولوجية سياسية، بل هو طريقة جديدة لفهم الإيمان المسيحي والعيش به في العالم. يرى أن لاهوت التحرير يدعو إلى التضامن مع الفقراء والمظلومين، والعمل من أجل تحقيق العدالة الاجتماعية، وهو ما يتماشى مع تعاليم يسوع المسيح.
لاهوت التحرير اليوم
لا يزال لاهوت التحرير مؤثراً في العديد من أنحاء العالم، خاصة في أمريكا اللاتينية وأفريقيا وآسيا. يواصل لاهوتيو التحرير العمل من أجل العدالة الاجتماعية والدفاع عن حقوق الفقراء والمظلومين. كما أنهم يساهمون في تطوير فهم أعمق للإيمان المسيحي وأهميته في عالم اليوم.
تراث جون سوبرينو
يعتبر جون سوبرينو شخصية بارزة في اللاهوت المعاصر. لقد ترك بصمة لا تمحى على لاهوت التحرير والكنيسة الكاثوليكية. ألهمت أفكاره العديد من المسيحيين للعمل من أجل العدالة الاجتماعية والدفاع عن حقوق الفقراء والمظلومين. سيظل سوبرينو يُذكر كصوت قوي للعدالة والسلام في عالم يعاني من الظلم والمعاناة.
خاتمة
جون سوبرينو هو لاهوتي يسوعي بارز، ساهم بشكل كبير في تطوير لاهوت التحرير. من خلال التركيز على الفقراء والمهمشين، ودراسة يسوع التاريخي، والدعوة إلى العمل السياسي، ألهم سوبرينو العديد من المسيحيين للعمل من أجل العدالة الاجتماعية. على الرغم من تعرضه لانتقادات، ظل سوبرينو مدافعاً قوياً عن لاهوت التحرير ورسالته، تاركاً إرثاً دائماً في اللاهوت والكنيسة.