<![CDATA[
مقدمة عن حركة الديسمبريين
حركة الديسمبريين هي ثورة نبيلة روسية وقعت في ديسمبر 1825 (وفقًا للتقويم اليولياني، والذي كان مستخدمًا في روسيا في ذلك الوقت؛ أما حسب التقويم الغريغوري، فوقعت في 26 ديسمبر 1825). كان هدف هذه الثورة هو الإطاحة بالنظام القيصري الأوتوقراطي وإقامة نظام حكم أكثر ليبرالية. قاد هذه الحركة مجموعة من الضباط النبلاء الذين تأثروا بالأفكار الليبرالية التي انتشرت في أوروبا بعد الحروب النابليونية. كان للديسمبريين تأثير كبير على الفكر السياسي الروسي في القرن التاسع عشر، وألهمت حركتهم العديد من الإصلاحيين والثوريين.
خلفية تاريخية
تعود جذور حركة الديسمبريين إلى فترة ما بعد الحروب النابليونية. بعد انتصار روسيا على نابليون، سافر العديد من الضباط الروس إلى أوروبا الغربية، حيث اطلعوا على الأفكار الليبرالية والدستورية التي كانت سائدة هناك. تأثر هؤلاء الضباط بشكل خاص بالثورة الفرنسية، التي أظهرت إمكانية الإطاحة بالنظام الملكي وإقامة جمهورية. عند عودتهم إلى روسيا، شعر هؤلاء الضباط بخيبة أمل كبيرة من النظام القيصري الأوتوقراطي، الذي كان يعتبرونه نظامًا قمعيًا وغير عادل. بدأوا في تنظيم جمعيات سرية تهدف إلى تغيير النظام السياسي في روسيا.
أسباب قيام حركة الديسمبريين
هناك عدة أسباب أدت إلى قيام حركة الديسمبريين، من أهمها:
- النظام القيصري الأوتوقراطي: كان النظام القيصري في روسيا نظامًا قمعيًا يمنح القيصر سلطة مطلقة. لم يكن هناك أي شكل من أشكال المشاركة السياسية للشعب، وكان القيصر يحكم بمراسيم وقوانين يصدرها بنفسه.
- نظام القنانة: كان نظام القنانة نظامًا استعباديًا يربط الفلاحين بالأرض ويجعلهم ملكًا لأصحاب الأراضي. كان الفلاحون يعانون من ظروف معيشية قاسية، وكانوا محرومين من الحقوق الأساسية.
- تأثير الأفكار الليبرالية: انتشرت الأفكار الليبرالية في أوروبا بعد الحروب النابليونية، وقد تأثر بها العديد من الضباط الروس الذين سافروا إلى أوروبا الغربية.
- خيبة الأمل من النظام القيصري: شعر العديد من الضباط الروس بخيبة أمل كبيرة من النظام القيصري، الذي كان يعتبرونه نظامًا فاسدًا وغير كفء.
الجمعيات السرية الديسمبرية
تأسست العديد من الجمعيات السرية الديسمبرية في روسيا في أوائل القرن التاسع عشر. من أهم هذه الجمعيات:
- اتحاد الإنقاذ: تأسس عام 1816 وكان يهدف إلى إصلاح النظام السياسي في روسيا.
- اتحاد الرخاء: تأسس عام 1818 وكان يهدف إلى نشر الأفكار الليبرالية في المجتمع الروسي.
- الجمعية الشمالية: تأسست في سانت بطرسبرغ وكانت أكثر اعتدالًا من الجمعية الجنوبية.
- الجمعية الجنوبية: تأسست في أوكرانيا وكانت أكثر راديكالية من الجمعية الشمالية.
أهداف الديسمبريين
كان للديسمبريين عدة أهداف، من أهمها:
- الإطاحة بالنظام القيصري الأوتوقراطي: كان الديسمبريون يهدفون إلى الإطاحة بالنظام القيصري وإقامة نظام حكم أكثر ليبرالية.
- إلغاء نظام القنانة: كان الديسمبريون يهدفون إلى إلغاء نظام القنانة وتحرير الفلاحين.
- إقامة نظام دستوري: كان الديسمبريون يهدفون إلى إقامة نظام دستوري يضمن الحقوق الأساسية للمواطنين.
- المساواة بين المواطنين: كان الديسمبريون يهدفون إلى تحقيق المساواة بين جميع المواطنين بغض النظر عن طبقتهم الاجتماعية.
أحداث ثورة الديسمبريين
اندلعت ثورة الديسمبريين في 14 ديسمبر 1825 في ساحة مجلس الشيوخ في سانت بطرسبرغ. استغل الديسمبريون فترة الفراغ السياسي التي أعقبت وفاة القيصر ألكسندر الأول لتنفيذ ثورتهم. قاد الثورة مجموعة من الضباط النبلاء الذين جمعوا حوالي 3000 جندي. طالب الديسمبريون بإقامة نظام دستوري وإلغاء نظام القنانة. لكن الثورة قوبلت بالقمع الشديد من قبل القوات الموالية للقيصر الجديد نيكولاي الأول. قُتل العديد من الديسمبريين، وتم القبض على الباقين وإعدامهم أو نفيهم إلى سيبيريا.
أسباب فشل ثورة الديسمبريين
هناك عدة أسباب أدت إلى فشل ثورة الديسمبريين، من أهمها:
- ضعف التنسيق بين الديسمبريين: لم يكن هناك تنسيق كاف بين الجمعيات السرية الديسمبرية المختلفة.
- نقص الدعم الشعبي: لم يحظ الديسمبريون بدعم شعبي كبير، حيث كان معظم الشعب الروسي لا يزال مؤيدًا للنظام القيصري.
- القمع الشديد من قبل النظام القيصري: قوبلت الثورة بالقمع الشديد من قبل القوات الموالية للقيصر نيكولاي الأول.
- الخيانة: تعرض الديسمبريون للخيانة من قبل بعض أعضائهم، الذين أبلغوا السلطات عن خططهم.
تأثير حركة الديسمبريين
على الرغم من فشل ثورة الديسمبريين، إلا أنها كان لها تأثير كبير على الفكر السياسي الروسي في القرن التاسع عشر. ألهمت حركة الديسمبريين العديد من الإصلاحيين والثوريين، وساهمت في نشر الأفكار الليبرالية في المجتمع الروسي. كما أن الثورة كشفت عن نقاط الضعف في النظام القيصري الأوتوقراطي، وأجبرت القيصر نيكولاي الأول على إجراء بعض الإصلاحات الطفيفة.
شخصيات بارزة في حركة الديسمبريين
هناك العديد من الشخصيات البارزة التي شاركت في حركة الديسمبريين، من أهمها:
- بافل بيستل: كان قائد الجمعية الجنوبية وكان من أبرز منظري الحركة.
- كوندراتي رايلييف: كان شاعرًا وكاتبًا وكان من قادة الجمعية الشمالية.
- سيرجي مورافيوف-أبوستول: كان أحد قادة الجمعية الجنوبية وقاد التمرد في كتيبة تشيرنيغوف.
- ميخائيل بيستوجيف-ريومين: كان أحد قادة الجمعية الجنوبية وكان من المقربين من بافل بيستل.
- بيوتر كاخوفسكي: قام بإطلاق النار على الحاكم العسكري لسانت بطرسبرغ، ميخائيل ميلورادوفيتش، خلال أحداث الثورة.
أهمية حركة الديسمبريين
تكمن أهمية حركة الديسمبريين في أنها كانت أول محاولة جادة للإطاحة بالنظام القيصري الأوتوقراطي في روسيا. على الرغم من فشلها، إلا أنها ألهمت الأجيال اللاحقة من الثوريين والإصلاحيين، وساهمت في نهاية المطاف في سقوط النظام القيصري في عام 1917.
الديسمبريون في الأدب والفن
ألهمت حركة الديسمبريين العديد من الفنانين والأدباء الروس. كتبت العديد من الروايات والقصائد والمسرحيات عن الديسمبريين، وتم تصوير العديد من الأفلام عن ثورتهم. من أشهر الأعمال الأدبية التي تناولت موضوع الديسمبريين رواية “الحرب والسلام” لليو تولستوي، ورواية “الديسمبريون” لألكسندر هيرزن.
خاتمة
تعتبر حركة الديسمبريين نقطة تحول هامة في تاريخ روسيا. على الرغم من فشل ثورتهم، إلا أنهم تركوا بصمة واضحة على الفكر السياسي الروسي، وألهموا الأجيال اللاحقة من الثوريين والإصلاحيين. كانت حركة الديسمبريين بمثابة صرخة مدوية ضد الظلم والاستبداد، ودعوة إلى الحرية والمساواة.