مقدمة
طبع كيرنبيرجر هو نظام لضبط الآلات الموسيقية ذات لوحة المفاتيح، مثل البيانو والأرغن، تم تطويره في النصف الثاني من القرن الثامن عشر على يد الموسيقي والمنظر الموسيقي الألماني يوهان فيليب كيرنبيرجر. يعتبر هذا الطبع من أنواع الطبوع غير المتساوية، أي أنه لا يقسم الأوكتاف إلى اثني عشر نصف نغمة متساوية تمامًا. يهدف طبع كيرنبيرجر إلى تحقيق توازن مقبول بين نقاء بعض التآلفات وقابلية استخدام الآلة الموسيقية في مختلف المفاتيح الموسيقية.
يوهان فيليب كيرنبيرجر
كان يوهان فيليب كيرنبيرجر (1721-1783) موسيقيًا ومنظرًا موسيقيًا ألمانيًا. ولد في زالفيلد وتلقى تعليمه الموسيقي المبكر في المنزل. لاحقًا، درس مع يوهان سباستيان باخ في لايبزيغ، وأصبح من أتباعه المخلصين. عمل كيرنبيرجر كموسيقي في البلاط في برلين، حيث كان مسؤولاً عن الأوركسترا الملكية. كما كان مدرسًا موسيقيًا بارزًا، ومن بين طلابه يوهان أبراهم بيتر شولتز ويوهان فريدريش رايخاردت. اشتهر كيرنبيرجر بأعماله النظرية الموسيقية، وخاصة كتابه “فن التأليف الموسيقي النقي” (Die Kunst des reinen Satzes in der Musik)، الذي يعتبر من أهم الأعمال في النظرية الموسيقية في القرن الثامن عشر.
خصائص طبع كيرنبيرجر
يتميز طبع كيرنبيرجر بعدة خصائص رئيسية:
- عدم المساواة: كما ذكرنا، هو طبع غير متساوٍ، مما يعني أن المسافات بين النغمات ليست متطابقة تمامًا. هذا يخلق اختلافات دقيقة في لون الصوت بين المفاتيح المختلفة.
- التركيز على النقاء: يهدف إلى تحقيق نقاء نسبي في بعض التآلفات الأكثر استخدامًا، خاصة تلك الموجودة في المفاتيح الرئيسية.
- التنازل عن المساواة: في المقابل، قد تكون بعض التآلفات الأخرى، خاصة تلك الموجودة في المفاتيح الأقل استخدامًا، أقل نقاءً وأكثر حدة.
- قابلية الاستخدام: على الرغم من عدم المساواة، يسمح طبع كيرنبيرجر باستخدام الآلة الموسيقية في مجموعة واسعة من المفاتيح الموسيقية، وإن كان ذلك بدرجات متفاوتة من النقاء.
كيفية عمل طبع كيرنبيرجر
يعتمد طبع كيرنبيرجر على تعديل طفيف في حجم الخمسات المثالية. في الطبوع المتساوية، تكون جميع الخمسات المثالية أصغر قليلاً من حجمها النظري. أما في طبع كيرنبيرجر، فإن بعض الخمسات تكون أصغر من حجمها النظري، بينما تكون خمسات أخرى أكبر قليلاً. هذا التعديل الدقيق يخلق الاختلافات في لون الصوت بين المفاتيح المختلفة.
بشكل أكثر تحديدًا، يعتمد طبع كيرنبيرجر على تضييق أربع خمسات مثالية بمقدار صغير (حوالي 1/4 من فاصلة فيثاغورس). تُوزَّع هذه التضييقات الأربع على الدائرة الخامسة (Circle of Fifths) بطريقة محددة، مما يؤدي إلى ظهور بعض المفاتيح ذات جودة صوتية أفضل من غيرها. تعتبر المفاتيح التي تحتوي على عدد قليل من العلامات العرضية (مثل C major و G major) أكثر تناغمًا ونقاءً في هذا الطبع، بينما تكون المفاتيح التي تحتوي على المزيد من العلامات العرضية (مثل Eb minor و F# major) أكثر حدة وتوترًا.
مزايا وعيوب طبع كيرنبيرجر
المزايا:
- تنوع لوني: يوفر تنوعًا لونيًا يميز بين المفاتيح المختلفة، مما يضفي على الموسيقى طابعًا فريدًا.
- مناسب للموسيقى الباروكية والكلاسيكية: يعتبر مناسبًا بشكل خاص للموسيقى الباروكية والكلاسيكية، حيث كان يستخدم في تلك الفترة.
- أكثر تناغمًا من بعض الطبوع الأخرى: يعتبر أكثر تناغمًا من بعض الطبوع الأخرى غير المتساوية، مثل طبع فيرمايستر.
العيوب:
- ليس مثاليًا لجميع المفاتيح: لا يكون مثاليًا لجميع المفاتيح الموسيقية، حيث تكون بعض المفاتيح أكثر تناغمًا من غيرها.
- يتطلب ضبطًا دقيقًا: يتطلب ضبطًا دقيقًا للحصول على أفضل النتائج.
- ليس شائعًا مثل الطبع المتساوي: ليس شائعًا مثل الطبع المتساوي، مما قد يجعله أقل سهولة في الاستخدام في بعض الحالات.
أهمية طبع كيرنبيرجر
تكمن أهمية طبع كيرنبيرجر في عدة جوانب:
- أهمية تاريخية: يمثل جزءًا هامًا من تاريخ تطور أنظمة ضبط الآلات الموسيقية.
- إمكانية إعادة إنتاج الأصوات التاريخية: يسمح بإعادة إنتاج الأصوات الأصلية للموسيقى التي تم تأليفها في عصر الباروك والكلاسيكية.
- قيمة تعليمية: يوفر فهمًا أعمق للعلاقة بين النظرية الموسيقية والممارسة العملية.
إن فهم طبع كيرنبيرجر يساعد الموسيقيين وعشاق الموسيقى على تقدير الفروق الدقيقة في الأصوات الموسيقية وكيفية تأثير أنظمة الضبط المختلفة على التجربة السمعية.
طرق ضبط طبع كيرنبيرجر
هناك عدة طرق لضبط الآلات الموسيقية باستخدام طبع كيرنبيرجر، تتراوح من الطرق السمعية التقليدية إلى استخدام أجهزة الضبط الإلكترونية الحديثة. الطريقة الأكثر أصالة هي الضبط السمعي، الذي يتطلب أذنًا موسيقية مدربة وقدرة على تمييز الفروق الدقيقة في درجة الصوت. تتضمن هذه الطريقة الاستماع إلى نبضات التآلفات وتعديل الأوتار حتى يتم تحقيق النقاء المطلوب.
الطرق الحديثة تستخدم أجهزة الضبط الإلكترونية التي يمكنها قياس ترددات النغمات بدقة. ومع ذلك، حتى مع استخدام هذه الأجهزة، من المهم فهم المبادئ الأساسية لطبع كيرنبيرجر لتطبيق التصحيحات اللازمة وضمان الحصول على نتيجة مرضية. تتوفر أيضًا تطبيقات للهواتف الذكية والأجهزة اللوحية يمكنها المساعدة في ضبط الآلات الموسيقية باستخدام طبوع مختلفة، بما في ذلك طبع كيرنبيرجر.
أمثلة على استخدام طبع كيرنبيرجر
يمكن استخدام طبع كيرنبيرجر في مجموعة متنوعة من السياقات الموسيقية، بما في ذلك:
- الأداء الموسيقي: يمكن استخدامه في أداء الموسيقى الباروكية والكلاسيكية على الآلات الموسيقية الأصلية أو نسخ طبق الأصل منها.
- التسجيلات الموسيقية: يمكن استخدامه في التسجيلات الموسيقية التي تهدف إلى إعادة إنتاج الأصوات الأصلية للموسيقى التاريخية.
- البحث الموسيقي: يمكن استخدامه في البحث الموسيقي لدراسة تأثير أنظمة الضبط المختلفة على الموسيقى.
- التعليم الموسيقي: يمكن استخدامه في التعليم الموسيقي لتعليم الطلاب عن تاريخ وأنظمة الضبط المختلفة.
على سبيل المثال، يمكن استخدام طبع كيرنبيرجر لأداء أعمال يوهان سباستيان باخ، حيث كان هذا الطبع شائعًا في عصره. يمكن أيضًا استخدامه لأداء أعمال موتسارت وهايدن، وإن كان الطبع المتساوي قد أصبح أكثر شيوعًا في عصرهما.
خاتمة
طبع كيرنبيرجر هو نظام ضبط تاريخي ذو قيمة فنية وعلمية. على الرغم من أنه ليس شائعًا مثل الطبع المتساوي، إلا أنه يوفر تنوعًا لونيًا فريدًا ويمكن استخدامه لإعادة إنتاج الأصوات الأصلية للموسيقى الباروكية والكلاسيكية. فهم طبع كيرنبيرجر يثري تجربتنا الموسيقية ويزيد من تقديرنا للتراث الموسيقي الغني.