<![CDATA[
حياتها المبكرة واعتناقها للبهائية
نشأت روث بيركلي وايت في بيئة بروتستانتية في الولايات المتحدة. في مطلع القرن العشرين، بدأت تبحث عن معنى أعمق في الحياة، وهو ما قادها إلى التعرف على الدين البهائي. وجدت في التعاليم البهائية، التي تدعو إلى وحدة الأديان ووحدة الجنس البشري والسلام العالمي، إجابات للعديد من الأسئلة التي كانت تؤرقها. اعتنقت روث الدين البهائي بحماس كبير، وسرعان ما أصبحت عضواً نشطاً في المجتمع البهائي الأمريكي المتنامي.
في تلك الفترة، كان الدين البهائي لا يزال جديداً نسبياً في الغرب، وكان يجذب إليه العديد من المفكرين والباحثين عن الحقيقة. كانت روث من بين هؤلاء، وقد اندمجت بشكل كامل في الأنشطة البهائية، وشاركت في نشر التعاليم البهائية، وحضرت الاجتماعات والمؤتمرات البهائية.
رحلتها إلى حيفا ولقاؤها بعبد البهاء
في عام 1907، قامت روث برحلة إلى حيفا، فلسطين، حيث كان يقيم عبد البهاء، نجل بهاء الله وخليفته في قيادة الدين البهائي. كان لقاء روث بعبد البهاء تجربة مؤثرة جداً بالنسبة لها. اعتبرت عبد البهاء مثالاً حياً للتعاليم البهائية، وشعرت بالهام كبير من حكمته ومحبته.
خلال إقامتها في حيفا، تلقت روث العديد من الدروس والتوجيهات من عبد البهاء. كتبت لاحقاً عن هذه الفترة بأنها كانت من أهم فترات حياتها، وأنها تعلمت الكثير عن الدين البهائي وعن الحياة بشكل عام. عادت روث إلى الولايات المتحدة وهي أكثر تصميماً من أي وقت مضى على خدمة الدين البهائي.
دورها في المجتمع البهائي الأمريكي
بعد عودتها من حيفا، لعبت روث دوراً بارزاً في المجتمع البهائي الأمريكي. عملت كمحاضرة وكاتبة، وساهمت في نشر التعاليم البهائية في مختلف أنحاء الولايات المتحدة. كانت روث تتمتع بشخصية قوية وجذابة، وكانت قادرة على إلهام الآخرين وحشدهم للعمل من أجل خدمة الدين البهائي.
شاركت روث في العديد من المشاريع البهائية، بما في ذلك بناء دور العبادة البهائية، وتنظيم المؤتمرات والاجتماعات البهائية، وترجمة النصوص البهائية. كانت روث أيضاً من المدافعين المتحمسين عن حقوق المرأة والمساواة بين الجنسين، وهو ما يتماشى مع التعاليم البهائية.
الخلاف حول وصية عبد البهاء
بعد وفاة عبد البهاء في عام 1921، تم الكشف عن وصيته. نصت الوصية على تعيين شوقي أفندي، حفيد عبد البهاء، ولياً لأمر الله وخليفته في قيادة الدين البهائي. اعترضت روث وايت على هذه الوصية، وادعت أنها مزورة وأن عبد البهاء لم يكتبها. بدأت روث في نشر مقالات وكتب تنتقد فيها شوقي أفندي وتشكك في شرعيته كولي لأمر الله.
أثار موقف روث وايت جدلاً كبيراً في المجتمع البهائي. انقسم البهائيون بين مؤيدين لشوقي أفندي ومؤيدين لروث وايت. اتهم مؤيدو شوقي أفندي روث بالعصيان والشقاق، بينما دافع مؤيدو روث عنها واعتبروها مدافعة عن الحقيقة. أدى هذا الخلاف إلى انقسام عميق في المجتمع البهائي، واستمر لسنوات عديدة.
في عام 1941، تم إعلان روث وايت من قبل شوقي أفندي بأنها ناقضة للعهد، وهو أشد أنواع العقوبات في الدين البهائي. هذا يعني أنها فقدت عضويتها في المجتمع البهائي، وتم حظر التعامل معها من قبل البهائيين الآخرين.
موقفها بعد إعلانها ناقضة للعهد
بعد إعلانها ناقضة للعهد، استمرت روث وايت في معارضة شوقي أفندي. كتبت المزيد من الكتب والمقالات التي تنتقد فيها قيادته للدين البهائي. ادعت روث أنها كانت تحاول حماية الدين البهائي من الانحراف، وأنها كانت تعمل من أجل مصلحة البهائيين.
لم تنجح روث في كسب تأييد غالبية البهائيين. بقي معظم البهائيين موالين لشوقي أفندي، واستمروا في اعتباره ولي أمر الله الشرعي. ومع ذلك، تمكنت روث من جمع عدد قليل من الأتباع، الذين استمروا في دعمها ومعارضة شوقي أفندي.
ظلت روث وايت على موقفها حتى وفاتها في عام 1969. لم تتراجع عن معارضتها لشوقي أفندي، ولم تعترف به كولي لأمر الله. يعتبرها البعض شخصية مثيرة للجدل في تاريخ الدين البهائي، بينما يعتبرها البعض الآخر بطلة دافعت عن قناعاتها.
آثار الخلاف على المجتمع البهائي
كان للخلاف حول وصية عبد البهاء آثار عميقة على المجتمع البهائي. أدى هذا الخلاف إلى انقسام المجتمع البهائي، وإلى نشوء مجموعات بهائية مختلفة. لا تزال هذه المجموعات موجودة حتى اليوم، وتختلف في آرائها حول قيادة الدين البهائي.
يعتبر البعض أن هذا الخلاف كان اختباراً قاسياً للمجتمع البهائي، وأنه ساهم في تقوية الدين البهائي على المدى الطويل. يعتقدون أن هذا الخلاف سمح للبهائيين بالتفكير بشكل نقدي في تعاليم دينهم، وبالتعبير عن آرائهم بحرية. بينما يرى آخرون أن هذا الخلاف كان مأساة، وأنه أدى إلى إضعاف الدين البهائي وإلى تشتيت جهود البهائيين.
تحليل لشخصية روث وايت
تعتبر روث وايت شخصية معقدة ومثيرة للجدل. يصفها البعض بأنها كانت امرأة قوية ومستقلة ومخلصة لقناعاتها. بينما يصفها البعض الآخر بأنها كانت متعصبة وعنيدة ومثيرة للفتن.
من المؤكد أن روث وايت كانت تتمتع بشخصية قوية وإرادة صلبة. كانت تؤمن بقوة بقناعاتها، وكانت مستعدة للدفاع عنها مهما كلفها ذلك. كانت أيضاً امرأة ذكية ومثقفة، وكانت قادرة على التعبير عن آرائها بوضوح وإقناع. ومع ذلك، يرى البعض أنها كانت أيضاً متعصبة وعنيدة، وأنها لم تكن مستعدة للاستماع إلى آراء الآخرين. يعتقدون أنها كانت مقتنعة تماماً بأنها على حق، وأن الآخرين كانوا على خطأ.
مهما كانت الآراء حول شخصية روث وايت، فمن المؤكد أنها تركت بصمة واضحة في تاريخ الدين البهائي. كانت شخصية مؤثرة، وأثارت جدلاً كبيراً، ولا يزال اسمها يتردد حتى اليوم.
دروس مستفادة من قصة روث وايت
يمكن استخلاص العديد من الدروس من قصة روث وايت. من بين هذه الدروس:
- أهمية التفكير النقدي: يجب على كل شخص أن يفكر بشكل نقدي في تعاليم دينه، وأن لا يقبل أي شيء بشكل أعمى.
- أهمية حرية التعبير: يجب أن يتمتع كل شخص بحرية التعبير عن آرائه، حتى لو كانت هذه الآراء مخالفة لآراء الآخرين.
- أهمية الوحدة: يجب على أتباع الدين الواحد أن يسعوا إلى الوحدة والتآلف، وأن يتجنبوا الشقاق والخلاف.
- أهمية التسامح: يجب على أتباع الدين الواحد أن يكونوا متسامحين مع بعضهم البعض، وأن يحترموا آراء بعضهم البعض، حتى لو كانت هذه الآراء مختلفة.
خاتمة
تبقى قصة روث بيركلي وايت علامة فارقة في تاريخ البهائية، تجسد صراع الأفكار وتحدي السلطة. من مؤيدة متحمسة إلى معارضة شرسة، تركت روث إرثًا معقدًا يستدعي التأمل في طبيعة الإيمان، وأهمية الوحدة، وحرية التعبير. سواء اعتبرت بطلة أو منشقة، فإن تأثيرها على المجتمع البهائي لا يمكن إنكاره، وتظل قصتها تذكرنا بأهمية الحوار والتفكير النقدي في أي عقيدة.