نشأة وتطور مدرسة براكسيس
نشأت مدرسة براكسيس في جامعة بلغراد في يوغوسلافيا في أوائل الستينيات. كان من بين الشخصيات المؤسسة البارزة غاجو بتروفيتش وميلان كانجراغا وميهالو ماركوفيتش وبرانكو بوزوفيتش ورودي سوهيك. اجتمع هؤلاء الفلاسفة وغيرهم من المثقفين الماركسيين لتشكيل مجموعة مكرسة لتطوير ماركسية جديدة وإنسانية تنتقد كل من الرأسمالية والاشتراكية البيروقراطية الستالينية التي كانت سائدة في الكتلة الشرقية.
في عام 1964، بدأت المجموعة في نشر مجلة “براكسيس” (Praxis)، والتي سرعان ما أصبحت منتدى دوليًا للنقاشات الماركسية الإنسانية. جذبت المجلة مساهمات من مثقفين بارزين من جميع أنحاء العالم، بمن فيهم إريك فروم ويورغن هابرماس وهيربرت ماركوزه. لعبت المجلة دورًا حاسمًا في نشر أفكار مدرسة براكسيس وتوسيع نفوذها.
على الرغم من أن مدرسة براكسيس كانت مقرها في يوغوسلافيا الاشتراكية، إلا أنها واجهت في كثير من الأحيان انتقادات وقمعًا من قبل الحكومة. نظر النظام اليوغوسلافي بقيادة جوزيب بروز تيتو إلى أفكار المدرسة على أنها تهديد لسلطته الأيديولوجية. في منتصف السبعينيات، تم حظر مجلة “براكسيس”، وفقد العديد من أعضاء المدرسة وظائفهم في الجامعة.
الأفكار الرئيسية لمدرسة براكسيس
تستند فلسفة مدرسة براكسيس إلى عدة أفكار رئيسية:
- الإنسانية الماركسية: أكدت مدرسة براكسيس على أهمية الحرية الفردية والإبداع والكرامة الإنسانية. لقد رفضوا التفسيرات الحتمية والاقتصادية للماركسية، بحجة أن البشر ليسوا مجرد نتاج للقوى المادية ولكنهم أيضًا فاعلون نشطون قادرون على تشكيل تاريخهم الخاص.
- نظرية الممارسة (Praxis): المفهوم المركزي في فلسفة مدرسة براكسيس هو مفهوم “براكسيس”، الذي يشير إلى النشاط البشري الهادف الذي يغير العالم والمجتمع. لقد رأوا أن الممارسة هي الوحدة الأساسية للتحليل الاجتماعي، وأن النظرية يجب أن تكون متجذرة في الممارسة وتسترشد بها.
- نقد الاغتراب: استوحى أعضاء مدرسة براكسيس من تحليل ماركس للاغتراب في كتاباته المبكرة. لقد جادلوا بأن الاغتراب ليس مجرد سمة من سمات الرأسمالية ولكن أيضًا من سمات الاشتراكية البيروقراطية، حيث يتم فصل العمال عن عملهم ومنتجاتهم وقدراتهم الإبداعية.
- الديمقراطية الاشتراكية: دافعت مدرسة براكسيس عن شكل من أشكال الاشتراكية الديمقراطية التي من شأنها أن تسمح بمشاركة العمال وتقرير المصير في مكان العمل والمجتمع. لقد رفضوا نموذج الحزب الواحد للدولة الاشتراكية الذي كان سائدًا في الكتلة الشرقية.
- الدولية: كانت مدرسة براكسيس ملتزمة بالدفاع عن قيم السلام والتعاون الدوليين. انتقدوا القومية والإمبريالية، ودعوا إلى عالم يسوده العدل والمساواة.
تأثير مدرسة براكسيس
كان لمدرسة براكسيس تأثير كبير على تطور الفكر الماركسي والإنساني في جميع أنحاء العالم. ألهمت أفكارهم الحركات الاجتماعية والسياسية في أوروبا وأمريكا اللاتينية وآسيا. أثرت مدرسة براكسيس بشكل خاص على اليسار الجديد وحركات الطلاب في الستينيات.
لا يزال عمل مدرسة براكسيس وثيق الصلة اليوم. في عالم يتسم بتزايد عدم المساواة والظلم الاجتماعي، تظل رؤيتهم لمجتمع إنساني واشتراكي مصدر إلهام للمفكرين والناشطين في جميع أنحاء العالم. يمكن لأفكارهم حول الاغتراب والممارسة والديمقراطية أن تساعدنا على فهم وتحدي التحديات التي نواجهها في القرن الحادي والعشرين.
شخصيات بارزة في مدرسة براكسيس
- غاجو بتروفيتش: فيلسوف وأستاذ في جامعة زغرب، كان أحد المؤسسين الرئيسيين لمدرسة براكسيس ومجلة “براكسيس”.
- ميلان كانجراغا: فيلسوف وأستاذ في جامعة زغرب، كان مساهماً بارزاً في نظرية الممارسة.
- ميهالو ماركوفيتش: فيلسوف وأستاذ في جامعة بلغراد، اشتهر بعمله في الإنسانية الماركسية.
- برانكو بوزوفيتش: فيلسوف وأستاذ في جامعة بلغراد، ساهم في تطوير نظرية الاغتراب.
- رودي سوهيك: فيلسوف وأستاذ في جامعة زغرب، متخصص في فلسفة التاريخ.
نقد مدرسة براكسيس
على الرغم من تأثيرها، واجهت مدرسة براكسيس أيضًا انتقادات من وجهات نظر مختلفة. اتهمها البعض بالانحراف عن الماركسية الأرثوذكسية والوقوع في المثالية والإنسانية. انتقدها آخرون لعدم تقديمها برنامج سياسي واضح أو استراتيجية للتحول الاجتماعي.
ومع ذلك، يرى أنصار مدرسة براكسيس أن هذه الانتقادات لا تفوت الهدف. إنهم يجادلون بأن مدرسة براكسيس لم تسع أبدًا إلى تقديم مجموعة عقائدية من العقائد، بل إلى تطوير طريقة تفكير نقدية وإنسانية يمكن أن تساعد الناس على فهم وتغيير العالم من حولهم. إنهم يؤكدون أن مساهمة مدرسة براكسيس تكمن في تركيزها على الحرية الفردية والإبداع والممارسة الثورية، والتي تظل ذات أهمية حيوية في السعي لتحقيق مجتمع أكثر عدلاً وإنسانية.
إرث مدرسة براكسيس
على الرغم من حلها في الثمانينيات، استمر إرث مدرسة براكسيس في التأثير على الفكر الماركسي والإنساني في جميع أنحاء العالم. تظل أفكارهم ذات صلة اليوم، ولا تزال مصدر إلهام للمفكرين والناشطين الذين يسعون إلى خلق مجتمع أكثر عدلاً وإنسانية. يكمن إرثهم في تركيزهم على الحرية الفردية والإبداع والممارسة الثورية، والتي تظل ذات أهمية حيوية في السعي لتحقيق مجتمع أكثر عدلاً وإنسانية.
خاتمة
كانت مدرسة براكسيس حركة فلسفية مهمة ظهرت في يوغوسلافيا السابقة خلال الستينيات والسبعينيات. سعت المدرسة إلى تطوير تفسير إنساني للماركسية، مع التركيز على الحرية الفردية والإبداع والممارسة الثورية. على الرغم من مواجهة انتقادات وقمع، كان لمدرسة براكسيس تأثير كبير على تطور الفكر الماركسي والإنساني في جميع أنحاء العالم، ولا يزال عملهم وثيق الصلة اليوم.