<![CDATA[
مقدمة
جيش جمهورية البوسنة والهرسك (ARBiH)، يُشار إليه غالبًا بالجيش البوسني أو جيش البوشناق، كان القوة العسكرية الرسمية لجمهورية البوسنة والهرسك خلال حرب البوسنة (1992-1995). تأسس الجيش في 15 أبريل 1992، بعد فترة وجيزة من إعلان البوسنة والهرسك استقلالها عن يوغوسلافيا. لعب الجيش دورًا حاسمًا في الدفاع عن البلاد ضد القوات الصربية والكرواتية التي سعت إلى تقسيم البوسنة والهرسك على أسس عرقية.
التأسيس والتكوين
تأسس جيش جمهورية البوسنة والهرسك في ظروف بالغة الصعوبة. فمع بداية الحرب، كانت البلاد تعاني من نقص حاد في الأسلحة والمعدات العسكرية. بالإضافة إلى ذلك، كان الجيش يتكون من مجموعة متنوعة من المقاتلين، بما في ذلك أعضاء الدفاع الإقليمي، ومتطوعين، وأفراد من مختلف الخلفيات العرقية. ومع ذلك، مع مرور الوقت، تمكن الجيش من تنظيم صفوفه وتحسين قدراته القتالية.
اعتمد الجيش بشكل كبير على الدعم الشعبي والتطوع، حيث انضم آلاف البوسنيين إلى صفوفه للدفاع عن بلادهم. كما تلقى الجيش دعمًا محدودًا من بعض الدول الأجنبية، وخاصة الدول الإسلامية، التي قدمت مساعدات مالية وعسكرية.
كان التكوين العرقي لجيش جمهورية البوسنة والهرسك متنوعًا، على الرغم من أن أغلبية جنوده كانوا من البوشناق (المسلمين البوسنيين). كما شارك عدد كبير من الكروات والصرب الموالين للحكومة البوسنية في القتال ضمن صفوف الجيش. هذا التنوع العرقي يعكس الطبيعة المتعددة الأعراق للمجتمع البوسني، وجهود الحكومة للحفاظ على وحدة البلاد.
الهيكل التنظيمي
تم تنظيم جيش جمهورية البوسنة والهرسك في عدة فيالق، تغطي مناطق جغرافية مختلفة من البلاد. كان كل فيلق مسؤولاً عن الدفاع عن منطقته ضد الهجمات الخارجية. بالإضافة إلى ذلك، كان الجيش يمتلك وحدات متخصصة، مثل وحدات المشاة، والمدفعية، والدفاع الجوي، والهندسة.
تم إدارة الجيش من قبل هيئة الأركان العامة، التي كانت مسؤولة عن وضع الاستراتيجيات العسكرية، وتنسيق العمليات، وتوفير الدعم اللوجستي. كان رئيس هيئة الأركان العامة هو أعلى ضابط في الجيش، وكان مسؤولاً أمام الرئيس البوسني.
لعبت القيادة دورًا حاسمًا في نجاح الجيش. تميز القادة البوسنيون بالقدرة على التكيف مع الظروف المتغيرة، والابتكار في التكتيكات العسكرية، والحفاظ على الروح المعنوية العالية لجنودهم. من بين أبرز قادة الجيش: الجنرال رسول هدزوفيتش، والجنرال سيفير خليلوفيتش، والجنرال عاطف دوداكوفيتش.
العمليات العسكرية الرئيسية
شارك جيش جمهورية البوسنة والهرسك في العديد من العمليات العسكرية الرئيسية خلال حرب البوسنة. من بين أبرز هذه العمليات:
- الدفاع عن سراييفو: كانت سراييفو، عاصمة البوسنة والهرسك، محاصرة من قبل القوات الصربية لمدة ثلاث سنوات ونصف. لعب جيش جمهورية البوسنة والهرسك دورًا حاسمًا في الدفاع عن المدينة ضد القصف والقنص المستمر.
- عملية نيريتفا 93: كانت عملية عسكرية تهدف إلى كسر الحصار الذي فرضه الجيش الكرواتي (HVO) على مدينة موستار والمناطق المحيطة بها. حققت العملية نجاحًا محدودًا، لكنها ساهمت في تخفيف الضغط على السكان المدنيين.
- عملية تحرير غرب البوسنة: في عام 1995، شن جيش جمهورية البوسنة والهرسك سلسلة من الهجمات الناجحة ضد القوات الصربية في غرب البوسنة. ساهمت هذه الهجمات في تغيير ميزان القوى في الحرب، ومهدت الطريق لعملية مشتركة مع الجيش الكرواتي لتحرير مناطق واسعة من البلاد.
- عملية العاصفة: شارك جيش جمهورية البوسنة والهرسك في عملية العاصفة، وهي عملية عسكرية مشتركة مع الجيش الكرواتي، تهدف إلى استعادة الأراضي التي سيطرت عليها القوات الصربية في كرواتيا والبوسنة والهرسك. حققت العملية نجاحًا كبيرًا، وأدت إلى تحرير مناطق واسعة من البلاد، وتسريع نهاية الحرب.
التحديات والصعوبات
واجه جيش جمهورية البوسنة والهرسك العديد من التحديات والصعوبات خلال حرب البوسنة. من بين أبرز هذه التحديات:
- نقص الأسلحة والمعدات: عانى الجيش من نقص حاد في الأسلحة والمعدات العسكرية، بسبب الحظر الذي فرضته الأمم المتحدة على توريد الأسلحة إلى البوسنة والهرسك. اضطر الجيش إلى الاعتماد على الأسلحة الخفيفة والمعدات المرتجلة، في مواجهة قوات معادية تمتلك أسلحة ثقيلة ومعدات حديثة.
- الحصار الاقتصادي: فرضت القوات الصربية حصارًا اقتصاديًا على البوسنة والهرسك، مما أدى إلى نقص حاد في الغذاء والدواء والوقود. أثر الحصار الاقتصادي سلبًا على قدرة الجيش على القتال، وعلى معنويات الجنود والسكان المدنيين.
- الخلافات الداخلية: على الرغم من الجهود المبذولة للحفاظ على وحدة الجيش، إلا أن الخلافات الداخلية بين الفصائل المختلفة، وخاصة بين البوشناق والكروات، أثرت سلبًا على فعالية الجيش.
- الدعاية المضادة: تعرض الجيش لحملة دعائية مضادة من قبل القوات الصربية والكرواتية، تهدف إلى تشويه صورته، وتقويض الدعم الشعبي له.
الجرائم المنسوبة
خلال حرب البوسنة، ارتكبت بعض وحدات جيش جمهورية البوسنة والهرسك جرائم حرب ضد المدنيين والأسرى. من بين أبرز هذه الجرائم، مذبحة قرية كرواتية في تروسينا عام 1993، وجرائم أخرى بحق الصرب والكروات. تم التحقيق في هذه الجرائم من قبل المحكمة الجنائية الدولية ليوغوسلافيا السابقة، وتمت إدانة بعض المسؤولين عنها.
من المهم التأكيد على أن هذه الجرائم ارتكبت من قبل أفراد أو وحدات معينة، ولا تعكس سياسة أو ممارسة الجيش ككل. بذلت قيادة الجيش جهودًا للتحقيق في هذه الجرائم، ومحاكمة المسؤولين عنها، ولكنها لم تتمكن من منع وقوعها بالكامل.
النتائج والإرث
بعد توقيع اتفاقية دايتون للسلام في عام 1995، تم دمج جيش جمهورية البوسنة والهرسك مع جيش جمهورية صربسكا لتشكيل القوات المسلحة البوسنية الموحدة. يمثل هذا الدمج خطوة هامة نحو تحقيق المصالحة الوطنية، وتعزيز السلام والاستقرار في البلاد.
ترك جيش جمهورية البوسنة والهرسك إرثًا معقدًا ومتناقضًا. فمن ناحية، يُنظر إليه على أنه قوة دفاعية نجحت في حماية البوسنة والهرسك من التقسيم والإبادة. ومن ناحية أخرى، يُتهم بارتكاب جرائم حرب ضد المدنيين والأسرى. ومع ذلك، لا يمكن إنكار الدور الذي لعبه الجيش في الحفاظ على وحدة البلاد، والدفاع عن حقوق شعبها.
خاتمة
كان جيش جمهورية البوسنة والهرسك قوة عسكرية تأسست في ظروف صعبة، وواجهت العديد من التحديات والصعوبات. على الرغم من ذلك، تمكن الجيش من الدفاع عن البوسنة والهرسك ضد الهجمات الخارجية، والمساهمة في تحقيق السلام والاستقرار في البلاد. يظل إرث الجيش موضوعًا للجدل والنقاش، ولكنه يمثل جزءًا لا يتجزأ من تاريخ البوسنة والهرسك الحديث.