النشأة والسنوات المبكرة (1759-1779)
ولدت ماري وولستونكرافت في 27 أبريل 1759 في سبتال فيلدز، لندن. كانت الابنة الثانية من بين سبعة أطفال. عانت طفولتها من عدم الاستقرار المالي والعائلي، حيث كان والدها رجلاً عنيفًا ومدمنًا على المقامرة. هذه الظروف أثرت بشكل كبير على نظرتها للعالم وألهمت لديها وعيًا مبكرًا بالظلم الاجتماعي.
في عام 1770، انتقلت العائلة إلى إيبيسويتش. تلقت ماري تعليمًا محدودًا في المنزل، لكنها كانت قارئة نهمة. في سن التاسعة عشرة، بدأت العمل كمربية في منزل عائلة ثرية. هذه التجربة أكسبتها نظرة ثاقبة على التفاوت الاجتماعي ودور المرأة في المجتمع.
التعليم والعمل المبكر (1780-1786)
في عام 1780، انتقلت وولستونكرافت إلى باث، حيث عملت كمساعدة لـ ماريا سكوت، التي أسست مدرسة داخلية للبنات. كانت هذه التجربة حاسمة في تكوين أفكارها حول التعليم الأنثوي. في عام 1783، أسست مدرسة خاصة بها في نيوينغتون غرين، وهي ضاحية في لندن، مع صديقاتها، إليزابيث بيزلي وجين غرين. ركزت المدرسة على تعليم البنات القراءة والكتابة والحساب والتاريخ والجغرافيا واللغات، وهي مواد لم تكن متاحة عادة للنساء في ذلك الوقت.
في هذه الفترة، بدأت وولستونكرافت في الكتابة، حيث نشرت كتيبًا بعنوان “أفكار حول تعليم البنات، مع ملاحظات عن سلوك النساء في مجالات أخرى” في عام 1786. قدم هذا العمل المبكر أفكارها حول أهمية تعليم المرأة وتنمية قدراتها العقلية.
الانتقال إلى لندن وبداية الكتابة المهنية (1787-1791)
في عام 1787، انتقلت وولستونكرافت إلى لندن، حيث عملت في دار نشر وجريدة “أ analytical Review”. سمحت لها هذه الوظيفة بالتعرف على العديد من الكتاب والفلاسفة والمفكرين في عصرها، بالإضافة إلى إتاحة الفرصة لها للقراءة والنقد. بدأت في كتابة المقالات والمراجعات للجريدة، مما عزز من قدراتها الكتابية والفكرية.
شهدت هذه الفترة أيضًا ظهور أفكارها السياسية والفلسفية. تأثرت وولستونكرافت بأعمال جان جاك روسو والفلاسفة الآخرين في عصر التنوير، لكنها في الوقت نفسه انتقدت أفكارهم حول المرأة. أدركت أن Rousseau يرى النساء أقل من الرجال، ويعتبرهن غير قادرات على التفكير المنطقي أو الاستقلالية. بدأت وولستونكرافت في تطوير رؤيتها الخاصة حول المساواة بين الجنسين.
“دفاعًا عن حقوق المرأة” (1792)
في عام 1792، نشرت وولستونكرافت عملها الأكثر شهرة، “دفاعًا عن حقوق المرأة”. في هذا الكتاب الرائد، جادلت بأن النساء يجب أن يحصلن على نفس الفرص التعليمية والاجتماعية مثل الرجال. انتقدت وولستونكرافت الأعراف الاجتماعية التي حدت من دور المرأة في الزواج والمنزل، ودعت إلى استقلال المرأة وقدرتها على الاعتماد على نفسها.
أصبح “دفاعًا عن حقوق المرأة” عملًا كلاسيكيًا في الفكر النسوي. أثارت أفكار وولستونكرافت جدلاً واسعًا، حيث أشاد بها البعض وانتقدها آخرون. ومع ذلك، ساهم الكتاب في إشعال النقاش حول حقوق المرأة في جميع أنحاء العالم.
السفر إلى فرنسا والعلاقة مع غودوين (1793-1797)
في عام 1793، سافرت وولستونكرافت إلى فرنسا، حيث شهدت الثورة الفرنسية. أقامت علاقة عاطفية مع الكاتب والناشر الأمريكي جيلبرت إملاي، وأنجبت منه طفلة، فاني. لم تنجح العلاقة، وعانت وولستونكرافت من الاكتئاب والإحباط. حاولت الانتحار في عام 1795.
بعد عودتها إلى إنجلترا، التقت وولستونكرافت بالفيلسوف وليام غودوين، وتزوجا في عام 1797. كان زواجهما مثالاً على الزواج القائم على الاحترام المتبادل والمساواة الفكرية. ومع ذلك، توفيت وولستونكرافت في 10 سبتمبر 1797 بعد مضاعفات الولادة، تاركة وراءها زوجها وابنتها فاني وطفلها الوليد ماري (التي أصبحت فيما بعد ماري شيلي، مؤلفة فرانكشتاين).
إرث وولستونكرافت
تركت ماري وولستونكرافت إرثًا دائمًا. يعتبر عملها “دفاعًا عن حقوق المرأة” حجر الزاوية في الفكر النسوي، حيث ألهمت أجيالاً من النساء للقتال من أجل المساواة. بالإضافة إلى ذلك، ساهمت كتاباتها في الفلسفة السياسية والأخلاقية والتعليمية. أفكارها حول دور المرأة في المجتمع، وأهمية التعليم، وأهمية العقلانية، لا تزال ذات صلة حتى اليوم.
خاتمة
اختتمت حياة ماري وولستونكرافت بشكل مأساوي في سن مبكرة، إلا أن إسهاماتها الفكرية استمرت في التأثير على العالم. من خلال كتاباتها ونشاطها، ساهمت في تشكيل الفكر النسوي الحديث ودافعت عن حقوق المرأة في التعليم والعمل والاستقلال. يمثل إرثها تذكيرًا دائمًا بأهمية المساواة والعدالة الاجتماعية.