التأسيس والأيديولوجيا
تأسس حزب الشعب رسميًا في عام 1920 بعد عودة الملك قسطنطين الأول إلى العرش، إثر استفتاء شعبي. كان ديمتريوس غوناريس، المحامي والسياسي البارز، القوة الدافعة وراء تأسيس الحزب، وسرعان ما أصبح زعيمه. جمع الحزب معًا مختلف الفصائل المحافظة والمؤيدة للملكية التي كانت منتشرة في المشهد السياسي اليوناني آنذاك.
تمحورت أيديولوجية الحزب حول عدة مبادئ رئيسية:
- الملكية الدستورية: كان الحزب من أشد المدافعين عن الملكية ودورها التقليدي في السياسة اليونانية. اعتقدوا أن الملك يمثل رمز الوحدة الوطنية والاستقرار.
- المحافظة: تبنى الحزب مواقف محافظة في القضايا الاجتماعية والاقتصادية، مع التركيز على الحفاظ على القيم التقليدية والنظام الاجتماعي القائم.
- مكافحة الشيوعية: في ظل تصاعد الحركات الشيوعية في أوروبا، اتخذ حزب الشعب موقفًا قويًا مناهضًا للشيوعية، واعتبروا أن الشيوعية تشكل تهديدًا للنظام الاجتماعي والديني في اليونان.
- القومية: تبنى الحزب خطابًا قوميًا قويًا، ودعا إلى حماية المصالح الوطنية اليونانية وتعزيز نفوذ اليونان في المنطقة.
الفترة ما بين الحربين العالميتين
لعب حزب الشعب دورًا محوريًا في السياسة اليونانية خلال الفترة ما بين الحربين العالميتين. حقق الحزب نجاحات انتخابية كبيرة وشكل الحكومات في عدة مناسبات. كان ديمتريوس غوناريس رئيسًا للوزراء في عام 1922، ولكن حكومته لم تدم طويلًا بسبب الأزمة السياسية والعسكرية التي أعقبت الكارثة في آسيا الصغرى.
محاكمة الستة: بعد الكارثة في آسيا الصغرى، والتي شهدت هزيمة الجيش اليوناني أمام القوات التركية، اندلعت احتجاجات واسعة النطاق في اليونان، وتم الإطاحة بالحكومة. أُلقي اللوم على غوناريس وعدد من كبار المسؤولين العسكريين والسياسيين في الكارثة، وتم اعتقالهم ومحاكمتهم بتهمة الخيانة العظمى. عُرفت هذه المحاكمة باسم “محاكمة الستة”. أدين غوناريس وخمسة آخرين وحُكم عليهم بالإعدام، وتم إعدامهم في نوفمبر 1922. أثارت هذه الإعدامات جدلاً واسعًا في اليونان وأدت إلى انقسامات عميقة في المشهد السياسي. يعتبر الكثيرون أن المحاكمة والإعدامات كانت ذات دوافع سياسية.
الجمهورية الثانية: بعد سقوط الملكية في عام 1924 وإعلان الجمهورية الثانية، واجه حزب الشعب تحديات كبيرة. ومع ذلك، استمر الحزب في لعب دور مهم في السياسة اليونانية. انقسم الحزب إلى عدة فصائل، وتنافس قادته على السلطة. على الرغم من ذلك، ظل الحزب قوة سياسية رئيسية، وحافظ على قاعدة شعبية قوية في المناطق الريفية والمدن الصغيرة.
عودة الملكية: في عام 1935، وبعد انقلاب عسكري، تم استعادة الملكية في اليونان. عاد الملك جورج الثاني إلى العرش، وعاد حزب الشعب إلى موقعه كواحد من أبرز الأحزاب السياسية في البلاد. ومع ذلك، لم يستمر هذا الوضع طويلًا، حيث فرض الجنرال يوانيس ميتاكساس دكتاتورية في عام 1936، وتم حظر جميع الأحزاب السياسية، بما في ذلك حزب الشعب.
الحرب العالمية الثانية وما بعدها
خلال الحرب العالمية الثانية، احتلت ألمانيا النازية اليونان. شارك العديد من أعضاء حزب الشعب في المقاومة ضد الاحتلال. بعد تحرير اليونان في عام 1944، عاد حزب الشعب إلى النشاط السياسي.
الحرب الأهلية اليونانية: بعد الحرب العالمية الثانية، انزلقت اليونان إلى حرب أهلية دموية بين القوات الحكومية المدعومة من الغرب والشيوعيين. لعب حزب الشعب دورًا مهمًا في دعم الحكومة ومكافحة الشيوعية. تحالف الحزب مع أحزاب أخرى ذات توجهات مماثلة لتشكيل حكومات ائتلافية.
الاندماج والحل: في الخمسينيات من القرن الماضي، بدأ حزب الشعب في التلاشي تدريجيًا. اندمج الحزب مع أحزاب محافظة أخرى لتشكيل حزب الاتحاد الوطني الراديكالي (ERE). كان هذا الاندماج بمثابة نهاية لحزب الشعب ككيان سياسي مستقل.
الشخصيات البارزة في حزب الشعب
- ديمتريوس غوناريس: المؤسس والزعيم الأول للحزب. لعب دورًا حاسمًا في السياسة اليونانية في أوائل القرن العشرين.
- باناجيوتيس تسالدريس: سياسي بارز ورئيس وزراء اليونان في عدة مناسبات. قاد حزب الشعب في فترة ما بين الحربين العالميتين.
- قسطنطين تسالدريس: ابن باناجيوتيس تسالدريس، شغل منصب رئيس الوزراء بعد الحرب العالمية الثانية.
إرث حزب الشعب
على الرغم من أن حزب الشعب لم يعد موجودًا، إلا أنه ترك إرثًا كبيرًا في السياسة اليونانية. كان الحزب قوة سياسية رئيسية في الفترة ما بين الحربين العالميتين، ولعب دورًا مهمًا في تشكيل السياسة اليونانية. يظل الحزب رمزًا للمحافظة والملكية في التاريخ اليوناني.
يُنظر إلى حزب الشعب على أنه يمثل حقبة مهمة في تاريخ اليونان، وهي حقبة شهدت صراعات سياسية واجتماعية عميقة. تعكس مسيرة الحزب التحولات السياسية التي مرت بها اليونان في القرن العشرين، من الملكية إلى الجمهورية، ثم إلى الدكتاتورية، وأخيرًا إلى الديمقراطية.
خاتمة
كان حزب الشعب قوة سياسية يونانية مؤثرة تأسست على يد ديمتريوس غوناريس، مدافعًا عن الملكية والمحافظة في فترة مضطربة من التاريخ اليوناني. رغم مصيره النهائي بالاندماج في أحزاب أخرى، ترك الحزب بصمة واضحة على المشهد السياسي اليوناني، ولا يزال إرثه يثير النقاشات حول طبيعة السلطة والانتماء الوطني في اليونان الحديثة.