الأسباب والخلفية
تعود جذور الحرب إلى سلسلة من النزاعات السابقة بين روسيا وبلاد فارس، أبرزها الحرب الروسية الفارسية (1804-1813). انتهت هذه الحرب بمعاهدة كلستان، التي تنازلت بموجبها بلاد فارس عن مناطق شاسعة في القوقاز لروسيا، بما في ذلك ما يعرف اليوم بأذربيجان وجزء من أرمينيا. أثارت هذه الخسارة استياءً عميقاً في بلاد فارس ورغبة في الانتقام واستعادة الأراضي المفقودة.
بالإضافة إلى ذلك، لعبت السياسة الداخلية الفارسية دوراً في اندلاع الحرب. كان الشاه الفارسي، فتح علي شاه، تحت ضغط من رجال الدين والقادة العسكريين الذين طالبوا باستعادة الهيبة الوطنية من خلال مواجهة روسيا. كما شجع بعض المسؤولين البريطانيين، الذين سعوا إلى تقويض النفوذ الروسي في المنطقة، بلاد فارس سراً على اتخاذ موقف أكثر حزماً ضد روسيا.
أما من الجانب الروسي، فقد كان هناك تصميم على الحفاظ على المكاسب الإقليمية التي تحققت في القوقاز وتوسيعها. كانت روسيا تعتبر المنطقة ذات أهمية استراتيجية واقتصادية كبيرة، وكانت مصممة على منع أي تهديد لمصالحها.
اندلاع الحرب
في صيف عام 1826، أطلق الجيش الفارسي، بقيادة الأمير عباس ميرزا، هجوماً مفاجئاً على الأراضي الروسية في القوقاز. حقق الفرس في البداية بعض النجاحات، وتمكنوا من استعادة بعض المناطق التي خسروها في الحرب السابقة. ومع ذلك، سرعان ما استعادت القوات الروسية زمام المبادرة.
كان الجيش الروسي، على الرغم من كونه أصغر حجماً، أفضل تجهيزاً وتنظيماً من الجيش الفارسي. كما كان لديهم قادة عسكريون أكثر خبرة، مثل الجنرال إيفان باسكيفيتش، الذي تم تعيينه قائداً للقوات الروسية في القوقاز في عام 1827.
المعارك الرئيسية
شهدت الحرب الروسية الفارسية (1826-1828) العديد من المعارك الحاسمة، والتي أثرت بشكل كبير على مسار الحرب:
- معركة شامكور (1826): انتصار فارسي أولي بقيادة الأمير عباس ميرزا، مما أدى إلى رفع الروح المعنوية الفارسية في بداية الحرب.
- معركة غانجا (1826): انتصار روسي حاسم استعاد المدينة الاستراتيجية غانجا (يريفان الحديثة) وأظهر التفوق العسكري الروسي.
- معركة يريفان (1827): استولى الروس على يريفان، وهي مدينة رئيسية ومركز إداري فارسي مهم، مما أضعف بشدة الموقف الفارسي.
- معركة تبريز (1827): سقوط تبريز، ثاني أكبر مدينة في بلاد فارس، في أيدي الروس، مما أجبر الفرس على طلب السلام.
معاهدة تركمانجاي
بعد سلسلة من الهزائم، أُجبر الشاه الفارسي على التفاوض على السلام مع روسيا. في 10 فبراير 1828، تم توقيع معاهدة تركمانجاي. كانت شروط المعاهدة قاسية على بلاد فارس:
- التنازل عن المزيد من الأراضي: تنازلت بلاد فارس عن مناطق أخرى في القوقاز لروسيا، بما في ذلك خانات نخجوان وخانات إيريفان.
- دفع تعويضات حرب كبيرة: أُجبرت بلاد فارس على دفع تعويضات حرب كبيرة لروسيا.
- حقوق تجارية روسية: منحت المعاهدة الروس حقوقاً تجارية واسعة في بلاد فارس.
- حقوق القبطنة: سمحت لروسيا بالحفاظ على أسطول بحري في بحر قزوين، وهو ما حرمت منه بلاد فارس.
كانت معاهدة تركمانجاي بمثابة هزيمة مذلة لبلاد فارس وعززت بشكل كبير النفوذ الروسي في القوقاز. كما أنها وضعت الأساس لعقود من التوتر بين روسيا وبلاد فارس.
النتائج والتداعيات
كان للحرب الروسية الفارسية (1826-1828) آثار بعيدة المدى على كل من روسيا وبلاد فارس:
- التأثير على بلاد فارس: أدت الحرب إلى إضعاف بلاد فارس اقتصادياً وعسكرياً. كما أدت إلى زيادة النفوذ الروسي في الشؤون الفارسية.
- التأثير على روسيا: عززت الحرب السيطرة الروسية على القوقاز ووسعت نفوذها في المنطقة. كما أدت إلى زيادة هيبة روسيا كقوة عظمى.
- الهجرة: أدت المعاهدة إلى هجرة واسعة النطاق للأرمن من بلاد فارس إلى الأراضي الروسية، مما غير التركيبة السكانية للمنطقة.
- الاستياء الفارسي: أثارت المعاهدة استياءً عميقاً في بلاد فارس، مما أدى إلى مزيد من التوتر بين البلدين في السنوات اللاحقة.
- السيطرة الروسية على القوقاز: رسخت الحرب السيطرة الروسية على منطقة القوقاز، مما أثر على التطورات السياسية والاجتماعية والثقافية في المنطقة لعقود قادمة.
باختصار، مثلت الحرب الروسية الفارسية (1826-1828) نقطة تحول في تاريخ العلاقات الروسية الفارسية. عززت روسيا مكانتها كقوة مهيمنة في القوقاز وأدت إلى إضعاف بلاد فارس. كما أنها زرعت بذور الصراع المستقبلي بين البلدين.
خاتمة
كانت الحرب الروسية الفارسية (1826-1828) صراعًا محوريًا أدى إلى ترسيخ النفوذ الروسي في منطقة القوقاز على حساب بلاد فارس. انتهت الحرب بمعاهدة تركمانجاي المهينة، التي تنازلت بموجبها بلاد فارس عن المزيد من الأراضي ودفع تعويضات كبيرة لروسيا. كان لهذه الحرب تداعيات طويلة الأمد، حيث أضعفت بلاد فارس وعززت مكانة روسيا كقوة إقليمية مهيمنة. كما أدت إلى هجرة واسعة النطاق وإلى شعور بالاستياء لدى الفرس، مما أثر على العلاقات بين البلدين لعقود لاحقة.