نعيم بن مسعود (Nuaym ibn Masud)

نسبه ونشأته

هو نعيم بن مسعود بن عامر بن أنيف بن ثعلبة بن قيس بن عوف بن حزيمة بن حرب بن مرة بن سعد بن ذبيان بن بغيض بن ريث بن غطفان بن سعد بن قيس عيلان بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان. ينتمي إلى قبيلة غطفان، وهي قبيلة قيسية مضرية كبيرة وعريقة. نشأ نعيم بن مسعود في كنف قبيلته، وتعلم الفروسية والشجاعة والكرم، وهي الصفات التي كانت سائدة في المجتمع العربي قبل الإسلام.

لم تذكر المصادر التاريخية تفاصيل كثيرة عن حياة نعيم بن مسعود قبل إسلامه، إلا أنه كان يتمتع بمكانة مرموقة في قبيلته، وكان يُعرف بحكمته ورجاحة عقله. تشير بعض الروايات إلى أنه كان على علاقة طيبة باليهود الذين كانوا يسكنون المدينة المنورة، وقد تعلم منهم بعض الأمور المتعلقة بالدين والتجارة.

إسلامه

أسلم نعيم بن مسعود في السنة الخامسة للهجرة، قبل معركة الخندق بوقت قصير. جاء إلى المدينة المنورة وأعلن إسلامه أمام رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبايعه على السمع والطاعة. كان إسلامه مفاجأة للكثيرين، خاصة أنه كان معروفًا بعلاقاته القوية مع اليهود وبمكانته في قبيلة غطفان التي كانت متحالفة مع قريش ضد المسلمين.

بعد إسلامه، سأل نعيم بن مسعود رسول الله صلى الله عليه وسلم: “يا رسول الله، إني أسلمت وقومي لا يعلمون، فمرني بما شئت”. فأجابه النبي صلى الله عليه وسلم: “إنما أنت فينا رجل واحد، فخذل عنا ما استطعت، فإن الحرب خدعة”.

دوره في معركة الخندق

لعب نعيم بن مسعود دورًا حاسمًا في معركة الخندق، حيث استخدم ذكائه وفطنته لإحداث الوقيعة بين الأحزاب المتحالفة ضد المسلمين، وبالتالي إضعاف قوتهم وتشتيت صفوفهم. استغل نعيم بن مسعود علاقاته القديمة مع بني قريظة، وهم قبيلة يهودية كانت تسكن المدينة المنورة، ومع قبيلة غطفان، المتحالفة مع قريش، لإثارة الشكوك والخلافات بينهم.

ذهب نعيم بن مسعود إلى بني قريظة وقال لهم: “يا بني قريظة، قد عرفتم مودتي لكم ونصحي إياكم، إن قريشًا وغطفان ليسوا كأنتم، البلد بلدكم، فيه أموالكم ونساؤكم وأبناؤكم، لا تقدرون أن تتحولوا منه إلى غيره، وإن قريشًا وغطفان قد جاؤوا ليقاتلوا محمدًا وأصحابه، وهم يرون أنهم قد أصابوا منكم فرصة، فإن ظهروا عليهم أخذوا منكم غنائم وتركوا لكم أمركم، وإن لم يظهروا عليهم ذهبوا إلى بلادهم وتركوكم لمحمد، فما ترون؟” قالوا: “الرأي ما رأيت، فماذا نصنع؟” قال: “لا تقاتلوا معهم حتى يعطوكم رهائن من أشرافهم يكونون عندكم حتى يقاتلوا، فإن أصيبوا قتلتموهم، وإن رجعوا رجعوا بكم”.

ثم ذهب نعيم بن مسعود إلى قريش وغطفان وقال لهم: “يا معشر قريش ويا معشر غطفان، قد عرفتم مودتي لكم ونصحي إياكم، إن بني قريظة قد ندموا على ما فعلوا، وقد أرسلوا إلى محمد يقولون له: إنا نريد أن نصطلح معك، ونحن نأخذ منكم رهائن فندفعهم إليك لتقتلهم، فإن فعلنا ذلك فقد برئنا إليك منكم، فإذا أرسلوا إليكم يطلبون منكم رهائن فلا تدفعوا إليهم منهم أحدًا”.

عندما طلب بنو قريظة من قريش وغطفان رهائن، رفضوا ذلك، فتيقن بنو قريظة أن نعيم بن مسعود قد صدقهم، وأن قريشًا وغطفان يريدون أن يتركوهم لمصيرهم. ونتيجة لذلك، دبّ الخلاف والشك بين الأحزاب المتحالفة، وتخاذلوا عن القتال، مما أدى في النهاية إلى انتصار المسلمين في معركة الخندق.

مكانته وفضائله

كان نعيم بن مسعود من الصحابة الذين حظوا بتقدير واحترام كبيرين من قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم والصحابة الآخرين. كان معروفًا بذكائه وفطنته وحنكته السياسية، وكان يتمتع بمكانة مرموقة في قبيلته. وقد أثنى عليه النبي صلى الله عليه وسلم لجهوده في معركة الخندق، واعتبره من الذين ساهموا في نصرة الإسلام والمسلمين.

روى الإمام أحمد في مسنده عن نعيم بن مسعود الأشجعي قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله إني أسلمت، وقومي لا يعلمون، فمرني بما شئت. قال: “اذهب فخذل عنا ما استطعت فإن الحرب خدعة”.

توفي نعيم بن مسعود رضي الله عنه في عهد الخليفة عثمان بن عفان رضي الله عنه، تاركًا وراءه إرثًا عظيمًا من الذكاء والفطنة والشجاعة والإخلاص للإسلام والمسلمين.

دروس مستفادة من قصة نعيم بن مسعود

تحمل قصة نعيم بن مسعود رضي الله عنه العديد من الدروس والعبر، منها:

  • أهمية الذكاء والفطنة في خدمة الإسلام والمسلمين.
  • جواز استخدام الخداع في الحرب لتحقيق النصر.
  • فضل الصحابة رضي الله عنهم وجهودهم في نصرة الإسلام.
  • أهمية الوحدة والتكاتف بين المسلمين لمواجهة التحديات.
  • ضرورة التحلي بالصبر والثبات في سبيل الله.

أقوال العلماء عنه

أثنى العديد من العلماء والمؤرخين على نعيم بن مسعود رضي الله عنه، وأشادوا بذكائه وفطنته ودوره في معركة الخندق. قال عنه ابن حجر العسقلاني في كتابه “الإصابة في تمييز الصحابة”: “نعيم بن مسعود الأشجعي الغطفاني، صحابي مشهور، شهد الخندق، وكان له فيه بلاء حسن”. وقال عنه الذهبي في كتابه “سير أعلام النبلاء”: “نعيم بن مسعود، صحابي جليل، ذكي فطين، كان له دور كبير في معركة الخندق”.

خاتمة

نعيم بن مسعود الأشجعي الغطفاني، صحابي جليل، أسلم في وقت حرج ولعب دورًا حاسمًا في معركة الخندق بذكائه وفطنته. استخدم علاقاته لإحداث الوقيعة بين الأحزاب المتحالفة ضد المسلمين، مما أدى إلى تشتيت صفوفهم وانتصار المسلمين. يعتبر مثالًا للصحابي المخلص الذي سخر قدراته لخدمة الإسلام ونصرة المسلمين، وترك إرثًا عظيمًا من الدروس والعبر للأجيال القادمة.

المراجع