أشكال اللاواقعية
تتعدد أشكال اللاواقعية وتختلف باختلاف الموضوع الذي تتناوله. فيما يلي بعض الأمثلة البارزة:
- اللاواقعية الميتافيزيقية: تنكر وجود كيانات معينة تعتبر أساسية في الواقعية الميتافيزيقية. على سبيل المثال، اللاواقعية المتعلقة بالكليات (Universals) قد تنكر وجود الكليات المجردة التي تفترض الواقعية أنها تشارك فيها الأشياء الفردية.
- اللاواقعية الرياضية: تتحدى فكرة أن العبارات الرياضية تعبر عن حقائق موضوعية موجودة بشكل مستقل. الشكل الأكثر شيوعًا هو الحدسية (Intuitionism)، التي ترى أن الحقيقة الرياضية تعتمد على إمكانية بناء دليل عليها ذهنيًا.
- اللاواقعية الأخلاقية: ترفض فكرة وجود حقائق أخلاقية موضوعية. العديد من اللاواقعيين الأخلاقيين يؤكدون أن الأحكام الأخلاقية هي ببساطة تعبيرات عن المشاعر أو المواقف الشخصية، وليست ادعاءات حول الواقع.
- اللاواقعية الدلالية: تركز على معنى العبارات والادعاءات. اللاواقعية الدلالية، كما دافع عنها مايكل دامت، تربط معنى العبارة بشروط التحقق منها. إذا لم يكن هناك طريقة مبدئية لتحديد ما إذا كانت العبارة صحيحة أو خاطئة، فإنها تعتبر غير ذات معنى.
اللاواقعية الميتافيزيقية بالتفصيل
اللاواقعية الميتافيزيقية تتناول الأسئلة الأساسية حول طبيعة الوجود والواقع. يمكن أن تتخذ أشكالًا عديدة، بما في ذلك:
- الاسمية (Nominalism): تنكر وجود الكليات المجردة وتؤكد أن كل ما هو موجود هو أشياء فردية معينة. الأسماء العامة ليست سوى علامات لغوية نستخدمها لتجميع الأشياء المتشابهة، وليست انعكاسًا لواقع موضوعي مشترك.
- المثالية (Idealism): تؤكد أن الواقع في جوهره عقلي أو يعتمد على العقل. هناك أشكال مختلفة من المثالية، بعضها يرى أن الواقع هو نتاج وعي فردي، والبعض الآخر يربطه بوعي مطلق أو كوني.
- الظاهراتية (Phenomenalism): ترى أن الأشياء المادية هي مجرد مجموعات من الأحاسيس أو التجارب الحسية المحتملة. لا يوجد شيء وراء هذه الأحاسيس يشكل جوهر الشيء المادي.
اللاواقعية الرياضية بالتفصيل
تثير اللاواقعية الرياضية تساؤلات عميقة حول طبيعة المعرفة الرياضية والحقيقة الرياضية. الحدسية هي أحد أبرز أشكال اللاواقعية الرياضية، وتقوم على المبادئ التالية:
- البناءية (Constructivism): تؤكد أن الشيء الرياضي موجود فقط إذا كان من الممكن بناؤه أو تعريفه بشكل واضح. لا يكفي إثبات أن افتراض عدم وجود شيء رياضي يؤدي إلى تناقض؛ يجب أن نكون قادرين على إظهار كيفية بناء هذا الشيء.
- رفض قانون الثالث المرفوع (Law of Excluded Middle): ترفض الحدسية قانون الثالث المرفوع، الذي ينص على أن أي عبارة إما صحيحة أو خاطئة. في الرياضيات الحدسية، قد تكون هناك عبارات لا يمكننا إثبات صحتها أو خطأها، وبالتالي فهي غير محددة.
اللاواقعية الأخلاقية بالتفصيل
تتعامل اللاواقعية الأخلاقية مع طبيعة الأحكام والقيم الأخلاقية. تشمل المواقف اللاواقعية الأخلاقية:
- الذاتية الأخلاقية (Moral Subjectivism): ترى أن الأحكام الأخلاقية تعبر عن آراء أو مشاعر شخصية، ولا توجد معايير موضوعية للحكم على صحتها أو خطأها.
- النسبية الأخلاقية (Moral Relativism): تؤكد أن الأحكام الأخلاقية صحيحة أو خاطئة بالنسبة إلى ثقافة أو مجتمع معين، ولا توجد حقائق أخلاقية عالمية.
- اللاأدرية الأخلاقية (Moral Agnosticism): تدعي أنه لا يمكننا معرفة ما إذا كانت هناك حقائق أخلاقية موضوعية.
- الخطأ النظري (Error Theory): يرى أن جميع الأحكام الأخلاقية خاطئة لأنها تفترض وجود قيم موضوعية غير موجودة.
اللاواقعية الدلالية بالتفصيل
تركز اللاواقعية الدلالية على العلاقة بين اللغة والواقع، وكيف نحدد معنى العبارات. مايكل دامت، أحد أبرز المدافعين عن اللاواقعية الدلالية، يرى أن معنى العبارة يتحدد بشروط التحقق منها. هذا يعني أننا نفهم العبارة فقط إذا عرفنا كيفية التحقق من صحتها أو خطأها. إذا لم يكن هناك طريقة مبدئية للتحقق من العبارة، فإنها تعتبر غير ذات معنى.
تؤدي هذه الرؤية إلى مشاكل في فهم العبارات حول الماضي، حيث قد لا تكون هناك طريقة للتحقق منها الآن، وكذلك العبارات حول الأشياء التي لا يمكن ملاحظتها بشكل مباشر.
الحجج المؤيدة والمنتقدة للاواقعية
هناك العديد من الحجج المؤيدة والمنتقدة للاواقعية، وتختلف هذه الحجج باختلاف نوع اللاواقعية المطروحة. بعض الحجج الشائعة تشمل:
- حجج البساطة: يجادل بعض الفلاسفة بأن اللاواقعية هي الموقف الأكثر بساطة لأنه يتجنب افتراض وجود كيانات غير ضرورية. على سبيل المثال، الاسمية تتجنب افتراض وجود الكليات المجردة.
- حجج المعرفة: يجادل البعض بأننا لا نستطيع معرفة أي شيء عن الكيانات التي يفترضها الواقعيون، وبالتالي يجب علينا تبني موقف لا واقعي.
- حجج التماسك: يجادل البعض بأن اللاواقعية أكثر اتساقًا مع رؤيتنا العلمية للعالم.
- حجج اللغة: يستخدم اللاواقعيون الدلاليون حججًا لغوية لإظهار أن معنى العبارات يعتمد على شروط التحقق منها.
من ناحية أخرى، يوجه الواقعيون انتقادات مختلفة للاواقعية، بما في ذلك:
- حجج الحدس: يجادل البعض بأن اللاواقعية تتعارض مع حدسنا حول الواقع. على سبيل المثال، يبدو لنا بديهيًا أن الأشياء المادية موجودة بشكل مستقل عن إدراكنا.
- حجج النجاح العلمي: يجادل البعض بأن نجاح العلوم يعتمد على افتراض أن النظريات العلمية تصف واقعًا موضوعيًا.
- حجج القابلية للتطبيق: يجادل البعض بأن اللاواقعية تجعل من الصعب تفسير كيف يمكننا تطبيق مفاهيمنا على العالم.
- مشكلة التفسير: تواجه اللاواقعية صعوبة في تفسير كيف يمكننا فهم العبارات حول الأشياء التي لا يمكن ملاحظتها أو التحقق منها بشكل مباشر.
أهمية اللاواقعية
على الرغم من أن اللاواقعية قد تبدو موقفًا متطرفًا للبعض، إلا أنها لعبت دورًا مهمًا في تطور الفلسفة. لقد دفعت الفلاسفة إلى التفكير بشكل نقدي حول طبيعة المعرفة والواقع واللغة، وساهمت في تطوير نظريات فلسفية جديدة. كما أن اللاواقعية لها آثار عملية في مجالات مثل الرياضيات والأخلاق والعلوم.
خاتمة
اللاواقعية هي موقف فلسفي معقد ومتعدد الأوجه يتحدى افتراضات الواقعية التقليدية. تتخذ اللاواقعية أشكالًا مختلفة، بما في ذلك اللاواقعية الميتافيزيقية والرياضية والأخلاقية والدلالية. على الرغم من وجود العديد من الحجج المؤيدة والمنتقدة للاواقعية، إلا أنها تظل موضوعًا مهمًا للنقاش الفلسفي، ولها آثار عميقة على فهمنا للعالم وأنفسنا.