مقدمة
أُجريت انتخابات جنوب أفريقيا العامة في 12 يونيو 1929. حقق الحزب الوطني بقيادة جيمس باري مونيك هيرتزوغ فوزًا صريحًا، مما عزز موقعه في السلطة. شكلت هذه الانتخابات علامة فارقة في تاريخ جنوب أفريقيا، حيث عكست التحالفات السياسية المتغيرة والمخاوف الاجتماعية والاقتصادية التي كانت سائدة في ذلك الوقت. كان السياق السياسي لهذه الانتخابات معقدًا، وشمل قضايا مثل العلاقات مع الإمبراطورية البريطانية، والتمييز العنصري المتزايد، وتأثير الكساد الكبير.
خلفية تاريخية
شهدت جنوب أفريقيا في عشرينيات القرن الماضي فترة من التطورات السياسية والاقتصادية الهامة. بعد الحرب العالمية الأولى، واجهت البلاد تحديات اقتصادية، بما في ذلك انخفاض أسعار الذهب والصوف، وهما من الصادرات الرئيسية. أدت هذه الصعوبات الاقتصادية إلى اضطرابات اجتماعية وزيادة التوترات بين المجموعات العرقية المختلفة. سياسيًا، كان المشهد يهيمن عليه الحزب الوطني، الذي يمثل مصالح الأفريكانيين بشكل أساسي، وحزب جنوب أفريقيا، الذي كان يمثل مصالح البيض الناطقين باللغة الإنجليزية.
تأسس الحزب الوطني في عام 1914، وسعى إلى تعزيز مصالح الأفريكانيين (البيض من أصل هولندي) وحماية هويتهم الثقافية واللغوية. كان جيمس باري مونيك هيرتزوغ شخصية بارزة في الحزب، وقاد الحزب بنجاح في انتخابات عام 1924، وشكل حكومة ائتلافية مع حزب العمل. كان هذا التحالف مدفوعًا بالرغبة في حماية العمال البيض من المنافسة المتزايدة من العمال السود، ووضع الأساس لسياسات الفصل العنصري المستقبلية.
حزب جنوب أفريقيا، بقيادة يان سموتس، كان أكثر اعتدالًا في مواقفه، ودعا إلى المصالحة بين الأفريكانيين والبيض الناطقين باللغة الإنجليزية، والحفاظ على العلاقات الوثيقة مع الإمبراطورية البريطانية. ومع ذلك، واجه الحزب صعوبات في الحفاظ على وحدته، بسبب الانقسامات الداخلية والاختلافات في الرأي حول القضايا الرئيسية.
القضايا الرئيسية في الانتخابات
دارت انتخابات عام 1929 حول عدة قضايا رئيسية، بما في ذلك:
- العلاقات مع الإمبراطورية البريطانية: كان الحزب الوطني يدعو إلى قدر أكبر من الاستقلال الذاتي لجنوب أفريقيا عن بريطانيا، في حين فضل حزب جنوب أفريقيا الحفاظ على العلاقات الوثيقة مع الإمبراطورية.
- السياسات العرقية: كانت مسألة الفصل العنصري قضية رئيسية في الانتخابات. كان الحزب الوطني يؤيد سياسات الفصل العنصري الصارمة، بهدف الحفاظ على التفوق الأبيض وضمان سيطرة البيض على الاقتصاد والسياسة. في المقابل، كان حزب جنوب أفريقيا أكثر حذرًا في مواقفه، لكنه لم يعارض بشكل قاطع سياسات الفصل العنصري.
- الاقتصاد: واجهت جنوب أفريقيا صعوبات اقتصادية في أواخر عشرينيات القرن الماضي، وكان الناخبون قلقين بشأن البطالة والتضخم. وعد الحزب الوطني باتخاذ تدابير لحماية الصناعات المحلية وتوفير فرص العمل للبيض، في حين دعا حزب جنوب أفريقيا إلى سياسات مالية محافظة وتشجيع الاستثمار الأجنبي.
الأحزاب المتنافسة
شملت الأحزاب الرئيسية التي تنافست في انتخابات عام 1929:
- الحزب الوطني (National Party): بقيادة جيمس باري مونيك هيرتزوغ، يمثل مصالح الأفريكانيين ويدعو إلى قدر أكبر من الاستقلال الذاتي لجنوب أفريقيا.
- حزب جنوب أفريقيا (South African Party): بقيادة يان سموتس، يمثل مصالح البيض الناطقين باللغة الإنجليزية ويدعو إلى المصالحة بين المجموعات العرقية المختلفة.
- حزب العمل (Labour Party): يمثل مصالح العمال البيض ويدعو إلى تحسين ظروف العمل وزيادة الأجور.
- حزب الاتحاد (Unionist Party): حزب صغير يمثل مصالح البيض الناطقين باللغة الإنجليزية ويدعو إلى الحفاظ على العلاقات الوثيقة مع الإمبراطورية البريطانية.
نتائج الانتخابات
حقق الحزب الوطني فوزًا صريحًا في انتخابات عام 1929، حيث حصل على 78 مقعدًا في مجلس الجمعية. حصل حزب جنوب أفريقيا على 61 مقعدًا، بينما حصل حزب العمل على 8 مقاعد، وحصل حزب الاتحاد على 3 مقاعد. سمح هذا الفوز لجيمس باري مونيك هيرتزوغ بتشكيل حكومة جديدة، والاستمرار في تنفيذ سياساته.
النتائج التفصيلية:
- الحزب الوطني: 78 مقعدًا
- حزب جنوب أفريقيا: 61 مقعدًا
- حزب العمل: 8 مقاعد
- حزب الاتحاد: 3 مقاعد
يعكس هذا التوزيع للمقاعد تفوق الحزب الوطني المدعوم بشكل كبير من الأفريكانيين، في حين مثل حزب جنوب أفريقيا شريحة كبيرة من البيض الإنجليز. أما أحزاب العمال والاتحاد فكان تمثيلها محدودًا، مما يدل على تضاؤل نفوذها في المشهد السياسي.
تداعيات الانتخابات
كان لانتخابات عام 1929 تداعيات كبيرة على جنوب أفريقيا. عززت الانتخابات قوة الحزب الوطني، وسمحت له بتنفيذ سياسات الفصل العنصري بشكل أكثر فعالية. كما أدت الانتخابات إلى زيادة التوترات بين المجموعات العرقية المختلفة، وتعميق الانقسامات داخل المجتمع الجنوب أفريقي.
بعد الانتخابات، اتخذت حكومة هيرتزوغ عدة خطوات لتعزيز الفصل العنصري، بما في ذلك:
- سن قوانين جديدة تقيد حقوق السود في التصويت والملكية والتعليم.
- توسيع نطاق الفصل العنصري ليشمل مجالات أخرى من الحياة، مثل الإسكان والتوظيف.
- قمع المعارضة السياسية من قبل السود والبيض الليبراليين.
أدت هذه السياسات إلى تفاقم الظلم والتمييز الذي يعاني منه السود، ووضعت الأساس لنظام الفصل العنصري الذي استمر لعقود.
تأثير الكساد الكبير
بعد فترة وجيزة من انتخابات عام 1929، ضرب الكساد الكبير العالم، مما أثر سلبًا على اقتصاد جنوب أفريقيا. انخفضت أسعار الذهب والصوف، وارتفعت معدلات البطالة والتضخم. أدت هذه الصعوبات الاقتصادية إلى زيادة الاضطرابات الاجتماعية والسياسية، وزادت من شعبية الأحزاب المتطرفة.
في عام 1933، اتحد الحزب الوطني وحزب جنوب أفريقيا لتشكيل حزب الاتحاد، في محاولة لمواجهة التحديات الاقتصادية والسياسية التي تواجه البلاد. ومع ذلك، أدى هذا الاتحاد إلى انقسامات داخل الحزب الوطني، حيث عارض بعض الأعضاء الاندماج مع حزب جنوب أفريقيا.
كان للكساد الكبير تأثير عميق على جنوب أفريقيا، حيث كشف عن نقاط الضعف في الاقتصاد والمجتمع. كما أدى إلى زيادة التوترات السياسية والاجتماعية، ومهد الطريق لسياسات أكثر تطرفًا في المستقبل.
خاتمة
تعتبر انتخابات جنوب أفريقيا العامة لعام 1929 حدثًا محوريًا في تاريخ البلاد. أدت الانتخابات إلى تعزيز قوة الحزب الوطني، وسمحت له بتنفيذ سياسات الفصل العنصري بشكل أكثر فعالية. كما أدت الانتخابات إلى زيادة التوترات بين المجموعات العرقية المختلفة، وتعميق الانقسامات داخل المجتمع الجنوب أفريقي. كان للكساد الكبير الذي أعقب الانتخابات تأثير كبير على جنوب أفريقيا، حيث كشف عن نقاط الضعف في الاقتصاد والمجتمع، وزاد من التوترات السياسية والاجتماعية.