نشأته وتعليمه
ولد غوتفريد هابرلر في بورغنشلوس، النمسا (التي تُعرف الآن بـ بورشتاين، النمسا). تلقى تعليمه في جامعة فيينا، حيث حصل على الدكتوراه في الاقتصاد عام 1923. خلال فترة دراسته، تأثر بالعديد من الاقتصاديين البارزين في المدرسة النمساوية، مثل لودفيج فون ميزس وفريدريش هايك. هذه التأثيرات المبكرة شكلت تفكيره الاقتصادي ووجهت اهتماماته البحثية.
مسيرته المهنية
بعد حصوله على الدكتوراه، بدأ هابرلر مسيرته المهنية في جامعة فيينا كمحاضر. في عام 1931، انتقل إلى جامعة هارفارد كأستاذ زائر. في عام 1936، أصبح أستاذًا دائمًا في هارفارد، وظل هناك حتى تقاعده عام 1971. خلال فترة عمله في هارفارد، كان له تأثير كبير على العديد من الطلاب الذين أصبحوا اقتصاديين بارزين. كما شغل مناصب استشارية في العديد من المؤسسات الدولية، بما في ذلك الأمم المتحدة وصندوق النقد الدولي.
إسهاماته في التجارة الدولية
يُعتبر هابرلر من أبرز المساهمين في نظرية التجارة الدولية. قدم تحليلًا دقيقًا لمزايا التجارة الحرة وأثرها على النمو الاقتصادي. من أهم أعماله في هذا المجال كتابه “نظرية التجارة الدولية” (The Theory of International Trade)، الذي نُشر عام 1936. في هذا الكتاب، طور هابرلر مفهوم “تكلفة الفرصة البديلة” كأداة لتحليل المزايا النسبية بين الدول. أوضح أن الدول يجب أن تتخصص في إنتاج السلع والخدمات التي لديها فيها أقل تكلفة فرصة بديلة، وأن التجارة الحرة تسمح للدول بالاستفادة من هذه المزايا النسبية.
كما انتقد هابرلر سياسات الحماية التجارية، مؤكدًا أنها تؤدي إلى تقليل الكفاءة الاقتصادية وإعاقة النمو. جادل بأن التجارة الحرة تعزز المنافسة والابتكار، وتوفر للمستهلكين مجموعة واسعة من المنتجات بأسعار أقل.
إسهاماته في دورات الأعمال
قدم هابرلر أيضًا إسهامات هامة في نظرية دورات الأعمال. كان من أوائل الاقتصاديين الذين حاولوا دمج العوامل النقدية وغير النقدية في تفسير التقلبات الاقتصادية. في كتابه “الرخاء والكساد” (Prosperity and Depression)، الذي نُشر عام 1937، استعرض هابرلر مجموعة واسعة من النظريات حول دورات الأعمال، وقدم تقييمًا نقديًا لها. اقترح هابرلر نظرية خاصة به، تجمع بين عناصر من النظريات النقدية والنظريات “الحقيقية” (التي تركز على العوامل غير النقدية مثل الابتكار والإنتاجية). جادل بأن دورات الأعمال هي نتيجة لتفاعل معقد بين العوامل النقدية وغير النقدية، وأن السياسات النقدية يمكن أن تلعب دورًا في تخفيف حدة التقلبات الاقتصادية.
إسهاماته في النظرية النقدية
كان هابرلر من أنصار السياسة النقدية المستقرة. اعتقد أن البنوك المركزية يجب أن تركز على الحفاظ على استقرار الأسعار وتجنب التضخم المفرط أو الانكماش. انتقد السياسات النقدية التقديرية، مؤكدًا أنها غالبًا ما تؤدي إلى عدم اليقين والتقلبات الاقتصادية. دعا إلى اتباع قواعد نقدية بسيطة وشفافة، مثل استهداف التضخم.
كما انتقد هابرلر نظرية “الركود المزمن” (secular stagnation)، التي كانت شائعة في الأربعينيات والخمسينيات من القرن الماضي. جادل بأن الاقتصادات المتقدمة ليست محكومة بالركود، وأن السياسات الاقتصادية الصحيحة يمكن أن تعزز النمو الاقتصادي المستدام.
إسهاماته في النمو الاقتصادي
اهتم هابرلر أيضًا بقضايا النمو الاقتصادي. أكد على أهمية الادخار والاستثمار في تعزيز النمو الاقتصادي على المدى الطويل. جادل بأن السياسات الحكومية يجب أن تشجع الادخار والاستثمار، وأن تخلق بيئة مواتية للأعمال التجارية. كما أكد على أهمية التعليم والابتكار في تعزيز النمو الاقتصادي.
في مقالاته وكتاباته، شدد هابرلر على دور المؤسسات القوية في دعم النمو الاقتصادي. المؤسسات التي تحمي حقوق الملكية، وتفرض العقود، وتوفر سيادة القانون، تعتبر ضرورية لخلق بيئة مستقرة وجذابة للاستثمار والابتكار.
مؤلفاته الرئيسية
- نظرية التجارة الدولية (The Theory of International Trade)، 1936
- الرخاء والكساد (Prosperity and Depression)، 1937
أفكاره وتأثيره
كان هابرلر مدافعًا قويًا عن اقتصاد السوق الحرة. اعتقد أن الأسواق الحرة هي أفضل طريقة لتخصيص الموارد وتعزيز النمو الاقتصادي. كان من أشد المنتقدين للتدخل الحكومي في الاقتصاد، مؤكدًا أنه غالبًا ما يؤدي إلى نتائج عكسية. كان هابرلر أيضًا من أشد المدافعين عن التجارة الحرة، معتقدًا أنها تعزز الكفاءة الاقتصادية وتزيد من رفاهية المستهلكين.
ترك هابرلر إرثًا دائمًا من خلال أبحاثه وتعليماته. كان له تأثير كبير على العديد من الاقتصاديين البارزين، بمن فيهم ميلتون فريدمان. أفكاره لا تزال ذات صلة اليوم، خاصة في سياق العولمة والتحديات الاقتصادية التي تواجه العالم.
الجوائز والتكريمات
حصل هابرلر على العديد من الجوائز والتكريمات تقديرًا لإسهاماته في علم الاقتصاد، بما في ذلك:
- زمالة جمعية الاقتصاد القياسي
- زمالة الأكاديمية الأمريكية للفنون والعلوم
- رئيس الجمعية الاقتصادية الأمريكية (1963)
حياته الشخصية
تزوج هابرلر من إيرما فون شوتزنبيرجر عام 1936. كان لديهم طفلان. توفي هابرلر في واشنطن العاصمة في عام 1995 عن عمر يناهز 94 عامًا.
خاتمة
غوتفريد هابرلر كان اقتصاديًا بارزًا لعب دورًا هامًا في تطور الفكر الاقتصادي في القرن العشرين. قدم إسهامات كبيرة في مجالات التجارة الدولية، ودورات الأعمال، والنمو الاقتصادي، والنظرية النقدية. كان مدافعًا قويًا عن اقتصاد السوق الحرة والتجارة الحرة. ترك هابرلر إرثًا دائمًا من خلال أبحاثه وتعليماته، ولا تزال أفكاره ذات صلة اليوم.