الخلفية والتأليف
بعد النجاح الهائل الذي حققته أوبرا جيلبرت وسوليفان، وخاصةً “ميكادو”، كان هناك طلب كبير على أعمال جديدة من تأليف سوليفان. سعى سوليفان إلى توسيع نطاق إبداعه، وكان حريصًا على كتابة أوبرا “جادة” أكثر من الأعمال الهزلية التي اشتهر بها مع جيلبرت. وجد في رواية “إيفانهو” مادة غنية بالدراما والشخصيات المعقدة، مما جعله مشروعًا جذابًا.
تم تكليف سوليفان بتأليف الأوبرا من قبل الممول جون بيداس، الذي كان يهدف إلى تأسيس دار أوبرا إنجليزية وطنية. كان بيداس يعتقد أن “إيفانهو” هي الخيار الأمثل لتدشين هذا المشروع، نظرًا لشعبيتها الكبيرة في إنجلترا وقصتها الوطنية. كُلف جوليان ستيرجو، وهو كاتب مسرحي معروف آنذاك، بكتابة النص المسرحي.
واجه سوليفان العديد من التحديات أثناء تأليف “إيفانهو”. كان الجدول الزمني ضيقًا، وكان سوليفان يعمل أيضًا على مشاريع أخرى في نفس الوقت. بالإضافة إلى ذلك، كان يعاني من مشاكل صحية متزايدة. ومع ذلك، تمكن من إكمال الأوبرا في الوقت المحدد، وبدأ التحضير للعرض الأول.
العرض الأول والاستقبال
حقق العرض الأول لأوبرا “إيفانهو” نجاحًا كبيرًا. حضر العرض جمهور كبير ومتحمس، وشمل العديد من الشخصيات البارزة في المجتمع الإنجليزي. لاقى أداء المغنين والفرقة الموسيقية استحسانًا كبيرًا، وأشاد النقاد بالموسيقى التصويرية لسوليفان والنص المسرحي لستيرجو. ومع ذلك، لم يخلُ الأمر من بعض الانتقادات، حيث اعتبر البعض أن الأوبرا طويلة جدًا وبطيئة الوتيرة في بعض الأحيان.
على الرغم من هذه الانتقادات، استمرت “إيفانهو” في تحقيق نجاح كبير خلال الأشهر التي تلت العرض الأول. عُرضت الأوبرا لأكثر من 150 مرة متتالية، وهو رقم قياسي في ذلك الوقت. ساهم نجاح “إيفانهو” في تعزيز مكانة سوليفان كواحد من أهم الملحنين الإنجليز في عصره.
الشخصيات
- إيفانهو: فارس نورماندي نبيل، تم نفيه من قبل والده لولائه للملك ريتشارد قلب الأسد.
- روينا: وريثة ساكسونية جميلة، خطيبة إيفانهو.
- السير بريان دي بوا جيلبير: فارس من فرسان الهيكل، يشتهر بمهاراته القتالية وولائه الشديد.
- ريبيكا: امرأة يهودية جميلة وحكيمة، ابنة إسحاق من يورك.
- إسحاق من يورك: مرابي ثري، والد ريبيكا.
- الملك ريتشارد قلب الأسد: ملك إنجلترا، يعود متخفيًا إلى البلاد بعد أسره في الخارج.
- الأمير جون: شقيق الملك ريتشارد، يتآمر للاستيلاء على العرش.
- والد إيفانهو (سيدريك): نبيل ساكسوني، يرفض الاعتراف بابنه إيفانهو بسبب ولائه للنورمانديين.
ملخص الحبكة
تدور أحداث الأوبرا في إنجلترا في القرن الثاني عشر، في فترة الصراع بين النورمانديين والساكسونيين. يعود إيفانهو، وهو فارس نبيل، إلى إنجلترا بعد أن كان في خدمة الملك ريتشارد قلب الأسد في الحملات الصليبية. يعود إيفانهو متخفيًا، لأنه منفي من قبل والده لولائه للنورمانديين. يلتقي إيفانهو بروينا، وريثة ساكسونية جميلة، والتي هي أيضًا خطيبته، ويقع في حبها. ومع ذلك، يواجه إيفانهو العديد من التحديات، بما في ذلك عداوة السير بريان دي بوا جيلبير، وهو فارس من فرسان الهيكل يشتهر بمهاراته القتالية وولائه الشديد، والذي يريد الزواج من روينا لنفسه.
تتصاعد الأحداث عندما يتم اختطاف روينا وريبيكا، وهي امرأة يهودية جميلة وحكيمة، من قبل بوا جيلبير. يتمكن إيفانهو، بمساعدة الملك ريتشارد قلب الأسد المتخفي، من إنقاذ روينا وريبيكا. في مبارزة حاسمة، يهزم إيفانهو بوا جيلبير، مما يؤدي إلى موته. في النهاية، يتصالح إيفانهو مع والده ويتزوج من روينا.
الأغاني والمقاطع الموسيقية الشهيرة
تضم أوبرا “إيفانهو” العديد من الأغاني والمقاطع الموسيقية الشهيرة، بما في ذلك:
- “Ho, Jolly Jenkin”: أغنية كورالية حماسية تغنيها فرقة من الرجال المرحين.
- “The Lists are set”: مقطع موسيقي درامي يصف الاستعدادات للمبارزة.
- “Lord of our chosen race”: ترنيمة مؤثرة تغنيها ريبيكا.
- “Glory to God”: مقطع كورالي احتفالي يختتم الأوبرا.
التأثير والإرث
كان لأوبرا “إيفانهو” تأثير كبير على المشهد الموسيقي الإنجليزي في أواخر القرن التاسع عشر. ساهمت الأوبرا في تعزيز مكانة سوليفان كملحن جاد، وألهمت العديد من الملحنين الآخرين لكتابة أوبرا إنجليزية. ومع ذلك، تضاءل الاهتمام بـ “إيفانهو” بمرور الوقت، ونادرًا ما يتم عرضها اليوم. ومع ذلك، لا تزال الأوبرا تعتبر عملًا مهمًا في تاريخ الموسيقى الإنجليزية، وتشهد على موهبة سوليفان وقدرته على كتابة موسيقى متنوعة ومؤثرة.
تحليلات نقدية
تلقت أوبرا “إيفانهو” آراء متباينة من النقاد على مر السنين. أشاد البعض بالموسيقى التصويرية لسوليفان، واعتبروها من أفضل أعماله. أشاد آخرون بالنص المسرحي لستيرجو، واعتبروه مخلصًا لرواية والتر سكوت. ومع ذلك، انتقد البعض الآخر طول الأوبرا وبطء وتيرتها في بعض الأحيان. اعتبر البعض أيضًا أن الشخصيات غير متطورة بما فيه الكفاية.
على الرغم من هذه الانتقادات، لا تزال “إيفانهو” تعتبر عملًا مهمًا في تاريخ الأوبرا الإنجليزية. إنها شهادة على موهبة سوليفان وقدرته على كتابة موسيقى مؤثرة ومتنوعة. كما أنها تعكس اهتمام الجمهور الإنجليزي في أواخر القرن التاسع عشر بالقصص التاريخية والوطنية.
خاتمة
تعتبر أوبرا “إيفانهو” للسير آرثر سوليفان عملًا فنيًا هامًا يعكس الفترة الزمنية التي ظهرت فيها. على الرغم من أنها ليست من بين أشهر أعمال سوليفان، إلا أنها تظل قطعة قيمة في تاريخ الموسيقى الإنجليزية، وتشهد على موهبة الملحن وقدرته على تقديم أعمال فنية متنوعة ومؤثرة. الأوبرا مقتبسة من رواية شهيرة، وتعرض قصة حب وبطولة وشجاعة في إطار تاريخي مشوق.