مقدمة
عقبة بن عامر الجهني، صحابي جليل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقائد شجاع، وعالم متبحر في علوم القرآن والحديث والفقه. تولى إمرة مصر في عهد الدولة الأموية، وشهد له بالكفاءة والعدل والإحسان إلى الرعية. ترك بصمة واضحة في التاريخ الإسلامي، وسجل اسمه في سجل الخالدين بصفحات من نور.
نسبه ونشأته
هو عقبة بن عامر بن عبس بن عمرو بن عدي بن عمرو بن رفاعة بن مودوعة بن عدي بن غنم بن الربعة بن رشدان بن قيس بن جهينة الجهني. يعود نسبه إلى قبيلة جهينة العربية العريقة، التي سكنت منطقة تهامة وما حولها. لم تذكر المصادر التاريخية تفاصيل كثيرة عن نشأته قبل الإسلام، ولكن من المؤكد أنه ترعرع في بيئة عربية أصيلة، وتشبع بقيم الشجاعة والكرم والمروءة.
إسلامه وصحبته
أسلم عقبة بن عامر رضي الله عنه في وقت مبكر، وشهد مع النبي صلى الله عليه وسلم غزوة أحد، وشارك في جميع الغزوات والمعارك التي تلتها، وأبلى فيها بلاءً حسناً. كان من المقربين إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وحظي بثقته وتقديره. روى عنه أحاديث كثيرة، وكان من حفاظ القرآن الكريم.
فضائله ومناقبه
يتميز عقبة بن عامر رضي الله عنه بفضائل ومناقب جمة، منها:
- السبق إلى الإسلام: كان من أوائل الذين آمنوا بالنبي صلى الله عليه وسلم، وصدقوه وآزروه.
- الجهاد في سبيل الله: شارك في العديد من الغزوات والمعارك، وقاتل بشجاعة وإقدام.
- حفظ القرآن الكريم: كان من حفاظ القرآن الكريم، وعمل على نشره وتعليمه للناس.
- رواية الحديث الشريف: روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أحاديث كثيرة، وكان من الثقات في الرواية.
- الفقه والعلم: كان فقيهاً عالماً، يستفتيه الناس في أمور دينهم ودنياهم.
- الورع والتقوى: كان ورعاً تقياً، يخاف الله في السر والعلن.
- الكرم والجود: كان كريماً جواداً، ينفق ماله في سبيل الله، ويعين المحتاجين.
- الشجاعة والإقدام: كان شجاعاً مقداماً، لا يخشى في الحق لومة لائم.
- حسن الخلق والتواضع: كان حسن الخلق، متواضعاً، يحب الناس ويحسن إليهم.
توليه إمرة مصر
في عهد الدولة الأموية، وتحديداً في عام 44 هـ (665 م)، عُيّن عقبة بن عامر رضي الله عنه والياً على مصر من قبل معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه. وقد استمر في ولايته هذه لمدة ثلاث سنوات، أظهر خلالها كفاءة عالية في إدارة شؤون البلاد، وعدلاً في الحكم، وإحساناً إلى الرعية.
قام عقبة بن عامر رضي الله عنه بالعديد من الإنجازات خلال فترة ولايته على مصر، منها:
- توطيد الأمن والاستقرار: عمل على توطيد الأمن والاستقرار في مصر، ومحاربة الفتن والقلاقل.
- توسيع الفتوحات الإسلامية: قاد الجيوش الإسلامية لفتح بعض المناطق في شمال أفريقيا.
- تحسين الأوضاع الاقتصادية: عمل على تحسين الأوضاع الاقتصادية للمصريين، وتشجيع التجارة والزراعة.
- نشر العلم والثقافة: اهتم بنشر العلم والثقافة في مصر، وتشجيع العلماء والأدباء.
- بناء المساجد والمدارس: قام ببناء العديد من المساجد والمدارس في مصر.
- تطبيق الشريعة الإسلامية: حرص على تطبيق الشريعة الإسلامية في جميع جوانب الحياة.
وبسبب عدله وحسن إدارته، أحبه المصريون وأثنوا عليه، وشهدوا له بالخير والصلاح.
روايته للحديث
كان عقبة بن عامر رضي الله عنه من رواة الحديث النبوي، وقد روى عن النبي صلى الله عليه وسلم العديد من الأحاديث في مختلف المجالات. وقد اعتمد عليه أصحاب الكتب الستة وغيرهم من أئمة الحديث في رواية الأحاديث. من أشهر الأحاديث التي رواها:
- حديث: “من توضأ فأحسن الوضوء ثم صلى ركعتين لا يحدث فيهما نفسه غفر له ما تقدم من ذنبه”.
- حديث: “ألا أخبركم بخيركم؟ قالوا: بلى يا رسول الله. قال: أطولكم أعماراً، وأحسنكم أعمالاً”.
- حديث: “إذا رأيتم الهلال فصوموا، وإذا رأيتموه فأفطروا”.
وقد كان رضي الله عنه حريصاً على التثبت من صحة الأحاديث التي يرويها، وكان يتحرى الدقة والأمانة في النقل.
وفاته
توفي عقبة بن عامر رضي الله عنه في مصر سنة 58 هـ (677/678 م) على أرجح الأقوال. وقد حزن المسلمون لوفاته، ورثوه بقصائد ومراثي تعبر عن حبهم وتقديرهم له. دفن في مصر، وقبره معروف ومشهور، يزوره الناس للتبرك والدعاء.
أثره في التاريخ الإسلامي
ترك عقبة بن عامر رضي الله عنه أثراً كبيراً في التاريخ الإسلامي، فهو صحابي جليل، وقائد شجاع، وعالم متبحر، وإداري ناجح. وقد ساهم في نشر الإسلام وتعزيزه، وخدم المسلمين وأحسن إليهم. يعتبر قدوة حسنة للمسلمين في جميع العصور، ومثالاً يحتذى به في العلم والعمل والإخلاص.
لقد كان عقبة بن عامر رضي الله عنه شخصية فذة، جمعت بين العلم والعمل، والشجاعة والتواضع، والورع والتقوى. وسيبقى اسمه خالداً في ذاكرة التاريخ، ومحفوراً في قلوب المسلمين.
خاتمة
عقبة بن عامر الجهني، صحابي جليل وقائد فذ، ترك بصمة واضحة في التاريخ الإسلامي من خلال إيمانه الراسخ، وجهاده المتواصل، وعلمه الغزير، وإدارته الحكيمة. كان مثالاً للصحابي المخلص الذي نذر حياته لخدمة الإسلام والمسلمين، وسيبقى ذكره خالداً في قلوب الأمة.