مقدمة
الفزع الأرجواني (بالإنجليزية: Lavender Scare) هو مصطلح يشير إلى حالة من الذعر الأخلاقي والخوف الجماعي التي اجتاحت الولايات المتحدة الأمريكية في منتصف القرن العشرين، تحديدًا في الفترة الممتدة من أواخر الأربعينيات وحتى الستينيات. تميزت هذه الفترة باستهداف المثليين جنسيًا والمتحولين جنسيًا الذين يعملون في الحكومة الفيدرالية ومؤسسات الدولة، حيث اتُهموا بأنهم يشكلون خطرًا على الأمن القومي وأُعتبروا عرضة للابتزاز والتأثير الأجنبي.
جاء الفزع الأرجواني بالتوازي مع “الفزع الأحمر” (Red Scare)، وهو الخوف من الشيوعية والتأثير السوفيتي في المجتمع الأمريكي. وقد غذى كلا الفزعين مناخًا من عدم الثقة والريبة والقمع السياسي والاجتماعي.
جذور الفزع الأرجواني
تعود جذور الفزع الأرجواني إلى عدة عوامل تاريخية واجتماعية، بما في ذلك:
- المفاهيم الطبية والنفسية السائدة: في ذلك الوقت، كان يُنظر إلى المثلية الجنسية على أنها مرض عقلي أو انحراف جنسي، وفقًا للتصنيفات الطبية والنفسية المعمول بها.
- المناخ الأخلاقي المحافظ: سادت في المجتمع الأمريكي قيم أخلاقية محافظة تشدد على الزواج التقليدي والأدوار الجندرية النمطية.
- الحرب الباردة: أدت الحرب الباردة إلى تصاعد التوتر بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي، مما أثار مخاوف بشأن الأمن القومي والتأثير الأجنبي.
- الاعتقاد بأن المثليين الجنسيين عرضة للابتزاز: كان يُعتقد أن المثليين جنسيًا، بسبب وضعهم الاجتماعي والقانوني الهش، أكثر عرضة للابتزاز من قبل أجهزة الاستخبارات الأجنبية، وبالتالي يشكلون خطرًا على الأمن القومي.
تأثيرات الفزع الأرجواني
كان للفزع الأرجواني تأثيرات مدمرة على حياة الآلاف من المثليين جنسيًا والمتحولين جنسيًا الذين عملوا في الحكومة الفيدرالية. شملت هذه التأثيرات:
- الفصل من الوظائف: تم فصل آلاف الموظفين الحكوميين بسبب ميولهم الجنسية أو هويتهم الجندرية.
- التحقيقات والمراقبة: تعرض العديد من الأفراد للتحقيقات والمراقبة من قبل مكتب التحقيقات الفيدرالي (FBI) ووكالات حكومية أخرى.
- التشهير والوصم الاجتماعي: تعرض الأفراد الذين تم الكشف عن ميولهم الجنسية أو هويتهم الجندرية للتشهير والوصم الاجتماعي، مما أدى إلى تدمير حياتهم المهنية والشخصية.
- تأثير مروع على المجتمع المثلي: خلق الفزع الأرجواني مناخًا من الخوف والصمت داخل المجتمع المثلي، مما أدى إلى تفاقم التمييز والاضطهاد.
شخصيات رئيسية في الفزع الأرجواني
برزت عدة شخصيات رئيسية في الفزع الأرجواني، بما في ذلك:
- السناتور جوزيف مكارثي: على الرغم من أن مكارثي اشتهر بدوره في “الفزع الأحمر”، إلا أنه لعب أيضًا دورًا في الفزع الأرجواني من خلال استهداف المثليين جنسيًا في الحكومة.
- كلايد تولسون: النائب الثاني لمدير مكتب التحقيقات الفيدرالي (FBI) في عهد إدغار هوفر، لعب دورًا فعالًا في التحقيقات والمراقبة التي استهدفت المثليين جنسيًا.
- دوايت د. أيزنهاور: الرئيس الأمريكي الذي أصدر الأمر التنفيذي رقم 10450 في عام 1953، والذي سمح بفصل الموظفين الحكوميين الذين يُعتبرون خطرًا على الأمن القومي، بما في ذلك المثليين جنسيًا.
الأمر التنفيذي رقم 10450
في عام 1953، أصدر الرئيس دوايت د. أيزنهاور الأمر التنفيذي رقم 10450، الذي وسع نطاق معايير الأمن القومي ليشمل “الانحراف الجنسي”. سمح هذا الأمر بفصل الموظفين الحكوميين الذين يُعتبرون خطرًا على الأمن القومي بسبب ميولهم الجنسية أو هويتهم الجندرية. أدى هذا الأمر إلى فصل آلاف الموظفين الحكوميين وتسبب في أضرار جسيمة للمجتمع المثلي.
المعارضة والنقد
على الرغم من قوة الفزع الأرجواني، إلا أنه واجه معارضة ونقدًا من بعض الأفراد والمنظمات. بدأت بعض المجموعات الحقوقية في تحدي التمييز ضد المثليين جنسيًا والمطالبة بالمساواة. كما انتقد بعض الصحفيين والمثقفين الفزع الأرجواني واعتبروه انتهاكًا للحريات المدنية.
نهاية الفزع الأرجواني
بدأ الفزع الأرجواني في التراجع في الستينيات مع ظهور حركة حقوق المثليين وتزايد الوعي بقضاياهم. في عام 1973، ألغت الجمعية الأمريكية للأطباء النفسيين المثلية الجنسية من قائمة الأمراض العقلية. ومع ذلك، استمر التمييز ضد المثليين جنسيًا في الحكومة الفيدرالية حتى التسعينيات.
إرث الفزع الأرجواني
ترك الفزع الأرجواني إرثًا مظلمًا في تاريخ الولايات المتحدة. يذكرنا هذا الحدث بأهمية حماية الحريات المدنية ومكافحة التمييز والتعصب. كما أنه يسلط الضوء على الحاجة إلى تغيير المفاهيم الخاطئة والمتحيزة حول المثلية الجنسية والهوية الجندرية.
الاعتذار والتعويض
في السنوات الأخيرة، تم تقديم اعتذارات رسمية وتعويضات للأفراد الذين تضرروا من الفزع الأرجواني. في عام 2017، اعتذر رئيس مكتب إدارة شؤون الموظفين الأمريكيين رسميًا عن سياسات التمييز التي تم تطبيقها خلال الفزع الأرجواني. كما تم تقديم تشريعات لتقديم تعويضات مالية للأفراد الذين تم فصلهم من وظائفهم بسبب ميولهم الجنسية أو هويتهم الجندرية.
خاتمة
الفزع الأرجواني هو فصل مظلم في تاريخ الولايات المتحدة يجسد الخوف والتحيز والتمييز ضد المثليين جنسيًا والمتحولين جنسيًا. من خلال فهم هذه الفترة التاريخية، يمكننا العمل على بناء مجتمع أكثر شمولاً وتسامحًا وإنصافًا للجميع.