الخلفية
في بداية الحرب العالمية الثانية، كان العلماء يدركون إمكانية استخدام الانشطار النووي لإنشاء أسلحة ذات قوة تدميرية هائلة. أدى هذا الإدراك إلى إطلاق مشروع مانهاتن في الولايات المتحدة، وهو جهد سري للغاية لتطوير القنبلة الذرية قبل ألمانيا النازية. كان أحد التحديات الرئيسية التي واجهها المشروع هو الحصول على كمية كافية من المواد الانشطارية، وهما اليورانيوم والبلوتونيوم، لصنع القنبلة.
تم اقتراح طريقتين رئيسيتين لتصميم القنبلة: تصميم “المدفع” وتصميم “الاندماج الداخلي”. في تصميم المدفع، يتم إطلاق كتلة من المواد الانشطارية (مثل اليورانيوم أو البلوتونيوم) داخل أنبوب لتصطدم بكتلة أخرى من المواد الانشطارية في الطرف الآخر. هذا التصادم يخلق كتلة حرجة تبدأ تفاعلًا متسلسلًا نوويًا، مما يؤدي إلى انفجار.
في تصميم الاندماج الداخلي، يتم ضغط كرة من المواد الانشطارية باستخدام متفجرات تقليدية. هذا الضغط يزيد من كثافة المادة، مما يجعلها فائقة الأهمية وتبدأ التفاعل المتسلسل. كان تصميم الاندماج الداخلي أكثر تعقيدًا من تصميم المدفع، لكنه كان يعد باستخدام كمية أقل من المواد الانشطارية.
تصميم الرجل النحيل
تم تصميم “الرجل النحيل” ليكون قنبلة نووية من نوع المدفع تستخدم البلوتونيوم كمادة انشطارية. كان التصميم الأولي مشابهاً لتصميم “الولد الصغير”، الذي كان يستخدم اليورانيوم. كان من المفترض أن يكون “الرجل النحيل” أطول وأرفع من “الولد الصغير”، ومن هنا جاء اسمه. كان من المتوقع أن يبلغ طوله حوالي 5.3 أمتار وقطره 61 سم، ويزن حوالي 2300 كجم.
كان التصميم يتضمن إطلاق أسطوانة من البلوتونيوم (“القذيفة”) داخل أنبوب لتصطدم بأسطوانة أخرى من البلوتونيوم (“الهدف”) في الطرف الآخر. سيخلق هذا التصادم كتلة حرجة تبدأ التفاعل المتسلسل. كان من المقرر إطلاق “القذيفة” باستخدام متفجرات تقليدية.
تم اختيار البلوتونيوم لأنه كان يمكن إنتاجه بكميات أكبر من اليورانيوم -235. ومع ذلك، سرعان ما اكتشف العلماء أن البلوتونيوم المنتج في المفاعلات النووية يحتوي على كمية كبيرة من البلوتونيوم -240، وهو نظير يخضع للانشطار التلقائي. هذا يعني أن البلوتونيوم -240 يمكن أن يبدأ التفاعل المتسلسل قبل الأوان، مما يؤدي إلى “فرقعة” بدلاً من انفجار كامل.
كانت “الفرقعة” عبارة عن انفجار نووي صغير وغير فعال. تمثل هذه المشكلة تحديًا كبيرًا لتصميم “الرجل النحيل”.
مشاكل البلوتونيوم -240
أدت مشكلة البلوتونيوم -240 إلى توقف تطوير “الرجل النحيل”. اكتشف العلماء أنه لا يمكن استخدام البلوتونيوم المنتج في المفاعلات في تصميم من نوع المدفع. كان الحل هو استخدام تصميم الاندماج الداخلي، الذي كان أقل حساسية للانشطار التلقائي للبلوتونيوم -240.
تم تطوير تصميم جديد، وهو “الرجل السمين”، الذي كان يعتمد على مبدأ الاندماج الداخلي. كان “الرجل السمين” أكثر تعقيدًا من “الرجل النحيل”، لكنه كان أكثر فعالية ويمكن أن يستخدم البلوتونيوم المنتج في المفاعلات. تم اختبار “الرجل السمين” بنجاح في ترينيتي في يوليو 1945، وأُلقي على ناغازاكي في أغسطس 1945.
بسبب مشاكله التقنية، لم يتم استخدام “الرجل النحيل” أبدًا في أي سلاح نووي. ومع ذلك، لعبت الأبحاث والتطوير التي أجريت عليه دورًا مهمًا في تطوير القنبلة الذرية في نهاية المطاف.
النتائج
على الرغم من أن “الرجل النحيل” لم يتم استخدامه كسلاح، إلا أن تطويره كان له عدة نتائج مهمة:
- أدى إلى فهم أعمق لخصائص البلوتونيوم: كشفت الأبحاث التي أُجريت على “الرجل النحيل” عن التحديات التي يفرضها البلوتونيوم -240 وأدت إلى تطوير تقنيات جديدة لإنتاج ومعالجة البلوتونيوم.
- ساهم في تطوير تصميم الاندماج الداخلي: دفعت المشاكل المتعلقة بتصميم المدفع العلماء إلى التركيز على تصميم الاندماج الداخلي، مما أدى إلى تطوير “الرجل السمين”.
- ساعد في تسريع مشروع مانهاتن: على الرغم من فشل “الرجل النحيل” كتصميم عملي، إلا أن العمل عليه ساعد في تسريع مشروع مانهاتن من خلال توفير رؤى قيمة ومعلومات أساسية.
الإرث
يظل “الرجل النحيل” تذكيرًا بالتحديات التقنية والعلمية التي واجهها العلماء خلال مشروع مانهاتن. على الرغم من أنه لم يتم استخدامه كسلاح، إلا أنه لعب دورًا حاسمًا في تطوير القنبلة الذرية وتشكيل مسار الحرب العالمية الثانية. كما يسلط الضوء على أهمية البحث والتطوير في مجال الأسلحة النووية، والتداعيات الأخلاقية والعالمية المحتملة لمثل هذه الأسلحة.
خاتمة
كان “الرجل النحيل” تصميمًا لقنبلة نووية من نوع المدفع تعتمد على البلوتونيوم. بسبب مشكلة الانشطار التلقائي للبلوتونيوم -240، لم يتم استخدام هذا التصميم أبدًا. ومع ذلك، فإن الأبحاث التي أجريت عليه ساهمت في تطوير تصميم الاندماج الداخلي الذي استُخدم في قنبلة “الرجل السمين”. يمثل “الرجل النحيل” مثالًا على التحديات التقنية التي واجهها العلماء خلال مشروع مانهاتن.