مقدمة
تابوت العهد، المعروف أيضًا بتابوت الشهادة أو تابوت الله، هو أثر يعتقد أنه الأقدس في الديانة اليهودية. وفقًا للروايات التوراتية، صُنع التابوت بأمر من الله، وهو عبارة عن صندوق مطلي بالذهب، احتوى على لوحي الشريعة اللذين نقش عليهما الوصايا العشر، بالإضافة إلى أشياء أخرى ذات أهمية دينية. يمثل التابوت حضور الله وعهده مع بني إسرائيل، وقد لعب دورًا محوريًا في تاريخهم الديني والسياسي.
الوصف التوراتي للتابوت
يصف سفر الخروج في العهد القديم وصفًا دقيقًا للتابوت وكيفية صنعه. وفقًا للنص، كان التابوت مصنوعًا من خشب السنط ومغطى بالذهب الخالص من الداخل والخارج. كان طوله ذراعين ونصف، وعرضه ذراع ونصف، وارتفاعه ذراع ونصف (الذراع يساوي حوالي 45-50 سم). كان للتابوت غطاء مصنوع من الذهب الخالص يُعرف باسم “الغطاء” أو “مغطى الرحمة”، وفوقه تمثالان من الكروبين (ملائكة) مصنوعان من الذهب، يواجهان بعضهما البعض بأجنحة ممدودة تغطي الغطاء.
كانت هناك حلقات ذهبية مثبتة على جانبي التابوت، حيث يتم إدخال عصوين من خشب السنط المغطى بالذهب لحمل التابوت. كان يُمنع منعًا باتًا لمس التابوت مباشرة، وكان حمله مقتصرًا على اللاويين، وهم من سبط لاوي المكلفين بخدمة الهيكل.
محتويات التابوت:
- لوحا الشريعة: وهما الألواح الحجرية التي نقش عليها الوصايا العشر التي أعطاها الله لموسى على جبل سيناء.
- قسط المن: وهو وعاء ذهبي صغير يحتوي على المن، وهو الطعام الذي أنزله الله على بني إسرائيل في البرية.
- عصا هارون: وهي عصا هارون، شقيق موسى، التي أزهرت بمعجزة إلهية لإثبات اختيار الله له كرئيس كهنة.
أهمية التابوت في تاريخ بني إسرائيل
لعب تابوت العهد دورًا حاسمًا في حياة بني إسرائيل الدينية والسياسية. كان التابوت يمثل حضور الله بينهم، وكان يعتبر رمزًا لقوته وحمايته. كان التابوت يصاحب بني إسرائيل في رحلاتهم في البرية، وفي حروبهم ضد أعدائهم.
عندما استقر بنو إسرائيل في أرض كنعان، تم وضع التابوت في خيمة الاجتماع، وهي خيمة مقدسة كانت تستخدم للعبادة وتقديم الذبائح. في عهد الملك داود، تم نقل التابوت إلى القدس، ووضعه في خيمة خاصة أعدها له داود. خطط داود لبناء هيكل عظيم للتابوت، لكن الله أمره بأن يبني الهيكل ابنه سليمان.
قام الملك سليمان ببناء الهيكل الأول في القدس، ووضع التابوت في قدس الأقداس، وهو أقدس مكان في الهيكل. كان قدس الأقداس غرفة مظلمة لا يدخلها إلا رئيس الكهنة مرة واحدة في السنة، في يوم الغفران (يوم كيبور)، لتقديم الذبائح وطلب المغفرة عن خطايا الشعب.
اختفاء التابوت
في عام 587 أو 586 قبل الميلاد، قام نبوخذ نصر الثاني، ملك بابل، بغزو القدس وتدمير الهيكل الأول. تشير المصادر التاريخية إلى أن البابليين نهبوا كنوز الهيكل، لكن مصير تابوت العهد لا يزال لغزًا. لم يذكر سفر الملوك الثاني في العهد القديم أن التابوت أُخذ إلى بابل، ولم يذكره سفر عزرا أو نحميا عند إعادة بناء الهيكل الثاني.
نظريات حول اختفاء التابوت:
- تم إخفاء التابوت: يعتقد البعض أن الكهنة أو اللاويين قاموا بإخفاء التابوت قبل وصول البابليين لحمايته من النهب. هناك العديد من الأماكن المقترحة لإخفاء التابوت، بما في ذلك:
- جبل نبو: في الأردن.
- كهوف قمران: حيث تم العثور على مخطوطات البحر الميت.
- إثيوبيا: حيث تدعي الكنيسة الأرثوذكسية الإثيوبية أنها تمتلك التابوت الحقيقي في كنيسة القديسة مريم في أكسوم.
- تحت الهيكل: يعتقد البعض أن التابوت لا يزال مخفيًا تحت ساحة الحرم القدسي في القدس.
- تم تدمير التابوت: يعتقد البعض الآخر أن التابوت تم تدميره على يد البابليين أو في وقت لاحق.
- تم أخذه إلى بابل: على الرغم من عدم وجود ذكر صريح لذلك في الكتاب المقدس، إلا أن البعض يعتقد أن التابوت ربما تم أخذه إلى بابل كغنائم حرب.
التابوت في الثقافة الشعبية
أثار تابوت العهد اهتمامًا كبيرًا في الثقافة الشعبية، وظهر في العديد من الكتب والأفلام وألعاب الفيديو. ربما يكون أشهر ظهور للتابوت في فيلم “Indiana Jones and the Raiders of the Lost Ark” (إنديانا جونز وسارقو التابوت الضائع) عام 1981، حيث يسعى إنديانا جونز للعثور على التابوت قبل أن يتمكن النازيون من الحصول عليه.
ساهم هذا الفيلم في زيادة الوعي بتابوت العهد، وأثار فضول الكثيرين حول تاريخه وأهميته. ومع ذلك، فإن تصوير الفيلم للتابوت كأداة خارقة للطبيعة ذات قوى مدمرة هو خيال محض ولا يستند إلى أي دليل تاريخي أو ديني.
التابوت في الديانة المسيحية والإسلام
الديانة المسيحية: يعتبر تابوت العهد مهمًا في المسيحية باعتباره رمزًا للعهد القديم بين الله وبني إسرائيل. يعتقد المسيحيون أن العهد الجديد الذي أسسه يسوع المسيح قد حل محل العهد القديم، وأن يسوع هو “تابوت العهد الجديد”.
الإسلام: ورد ذكر التابوت في القرآن الكريم في سورة البقرة، الآية 248: “وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَى وَآلُ هَارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلَائِكَةُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ”. تشير الآية إلى أن التابوت كان علامة على ملك طالوت، وأنه يحتوي على بقايا مما تركه آل موسى وآل هارون.
تختلف التفسيرات الإسلامية حول محتويات التابوت، لكنها تتفق على أنه كان يحمل آثارًا مقدسة ومهمة.
الجهود الأثرية للعثور على التابوت
على مر القرون، بذلت العديد من المحاولات للعثور على تابوت العهد. قام بعض علماء الآثار والمغامرون بالتنقيب في مواقع مختلفة في الشرق الأوسط وإفريقيا بحثًا عن التابوت، لكن دون جدوى.
لا يزال موقع التابوت الدقيق لغزًا، ولا يوجد دليل قاطع على وجوده حتى اليوم. ومع ذلك، فإن الاهتمام بالتابوت لا يزال قائمًا، ويستمر البحث عنه من قبل الأفراد والمجموعات المختلفة.
خاتمة
تابوت العهد هو أثر ديني ذو أهمية تاريخية وثقافية كبيرة. يمثل التابوت حضور الله وعهده مع بني إسرائيل، وقد لعب دورًا محوريًا في تاريخهم. على الرغم من اختفاء التابوت منذ آلاف السنين، إلا أنه لا يزال يثير الفضول والاهتمام في جميع أنحاء العالم. سواء تم العثور عليه أم لا، فإن تابوت العهد سيظل رمزًا قويًا للإيمان والتراث.