<![CDATA[
مقدمة
كونشرتو إي فلات، المعروف باسم “دومبارتون أوكس”، هو كونشرتو حجرة ألفه إيغور سترافينسكي. يحمل الكونشرتو نقشًا “دومبارتون أوكس، 8.v.38” ويشير إلى تاريخ إكماله في الثامن من مايو عام 1938. تم تأليف العمل بين عامي 1937 و 1938، وقد سُمي على اسم ملكية “دومبارتون أوكس” في واشنطن العاصمة، حيث أقامه الزوجان روبرت وودز بليس وميلدريد بارنز بليس.
خلفية تاريخية
في عام 1937، كلف روبرت وودز بليس إيغور سترافينسكي بتأليف كونشرتو حجرة للاحتفال بالذكرى الثلاثين لزواجه من ميلدريد بارنز بليس. كان الزوجان من رعاة الفنون المتحمسين، وقد حولا ملكيتهما في “دومبارتون أوكس” إلى مركز ثقافي مرموق. كان بليس دبلوماسيًا ثريًا، وميلدريد وريثة، مما سمح لهما بدعم العديد من الفنانين والموسيقيين.
قبل سترافينسكي التكليف وبدأ العمل على الكونشرتو في عام 1937. كان سترافينسكي في ذلك الوقت يعيش في فرنسا، لكنه سافر إلى الولايات المتحدة عدة مرات للعمل على المشروع. انتهى من تأليف الكونشرتو في ربيع عام 1938، وقدمه إلى الزوجين بليس في عيد زواجهما الثلاثين.
التركيب الموسيقي
يتكون كونشرتو “دومبارتون أوكس” من ثلاثة حركات:
- الحركة الأولى: تيمبو جيستو (Tempo giusto)
- الحركة الثانية: أليغريتو (Allegretto)
- الحركة الثالثة: كون موتو (Con moto)
تتميز الحركة الأولى بإيقاع حيوي ومتصلب، مع تأثيرات من موسيقى باخ. تتميز الحركة الثانية بطابع أكثر غنائية، مع ألحان جميلة وأجواء هادئة. أما الحركة الثالثة، فهي حركة حيوية ومبهجة تنهي الكونشرتو بطريقة رائعة.
يعرض الكونشرتو تأثيرات من موسيقى الباروك، وخاصة أعمال باخ وهاندل، ولكن بأسلوب سترافينسكي الحديث والمميز. يستخدم سترافينسكي هنا تركيبة آلية صغيرة نسبيًا، مما يخلق نسيجًا موسيقيًا واضحًا ومفصلًا.
تتسم الكتابة الموسيقية بالحدة والإيقاعات المعقدة والتناغمات غير التقليدية، وهي سمات مميزة لأسلوب سترافينسكي النيوكلاسيكي.
الأجهزة الموسيقية
تم تأليف كونشرتو “دومبارتون أوكس” لفرقة حجرة تتألف من:
- فلوت
- كلارينيت
- باصون
- بوقان فرنسيان
- ثلاث كمانات
- ثلاث فيولات
- اثنان تشيلو
- كونتراباس
الأداء والاستقبال
تم عرض كونشرتو “دومبارتون أوكس” لأول مرة في 8 مايو 1938 في “دومبارتون أوكس” في واشنطن العاصمة. قاد العرض الأول الموسيقي والملحن البلجيكي نادية بولانجيه. كان الاستقبال الأولي متباينًا، حيث وجد البعض أن العمل صعبًا وغير تقليدي، بينما أشاد آخرون بابتكاره وذكائه.
على مر السنين، اكتسب الكونشرتو تقديرًا أوسع وأصبح الآن جزءًا أساسيًا من ذخيرة موسيقى الحجرة. يُعتبر عملًا مهمًا في مسيرة سترافينسكي ويُحتفل به لتركيبته الفريدة وأهميته التاريخية.
تحليل موسيقي
الحركة الأولى (Tempo giusto): تبدأ الحركة بإيقاع حاد ومتقطع، يتميز بالتناقضات الديناميكية الحادة والعبارات القصيرة والمتقطعة. يستخدم سترافينسكي هنا تقنيات البوليفونية لإنشاء نسيج معقد ومتشابك من الأصوات. هناك إشارات واضحة إلى موسيقى باخ، خاصة في استخدام التكرار المتسلسل والهارمونيات الواضحة.
الحركة الثانية (Allegretto): تقدم الحركة الثانية تباينًا صارخًا مع الحركة الأولى، حيث تتميز بإيقاع أبطأ وأكثر سلاسة ولحن أكثر غنائية. ومع ذلك، لا يزال سترافينسكي يحافظ على أسلوبه المميز من خلال استخدام التناغمات غير التقليدية والتغييرات المفاجئة في الديناميكية. هناك أيضًا شعور بالفكاهة والتهكم في هذه الحركة، مما يمنحها طابعًا فريدًا.
الحركة الثالثة (Con moto): تعود الحركة الثالثة إلى الطاقة والحيوية التي ميزت الحركة الأولى. يتميز الإيقاع هنا بالسرعة والقوة، وتتخلل اللحن عبارات قصيرة ومتقطعة. هناك أيضًا عناصر من موسيقى الرقص في هذه الحركة، مما يمنحها طابعًا مبهجًا وممتعًا. تنتهي الحركة بنهاية قوية ومثيرة، مما يترك انطباعًا دائمًا لدى المستمع.
تأثير الكونشرتو
كان لكونشرتو “دومبارتون أوكس” تأثير كبير على موسيقى القرن العشرين. ألهم العديد من الملحنين لتأليف أعمال مماثلة لفرقة حجرة، وساعد في تعزيز أسلوب سترافينسكي النيوكلاسيكي. كما ساهم في زيادة الاهتمام بموسيقى الباروك وأدى إلى إعادة تقييم أعمال باخ وهاندل.
إرث دومبارتون أوكس
لا يزال “دومبارتون أوكس” اليوم مركزًا ثقافيًا هامًا، حيث يستضيف الحفلات الموسيقية والمحاضرات والمعارض الفنية. تُعقد فيه أيضًا برامج بحثية في مجالات مختلفة، بما في ذلك تاريخ الفن وعلم الآثار ودراسات الحدائق والمناظر الطبيعية. يظل إرث الزوجين بليس حيًا من خلال دعمهم المستمر للفنون والعلوم.
خاتمة
كونشرتو “دومبارتون أوكس” هو عمل موسيقي بارز يجمع بين عناصر من موسيقى الباروك والحداثة بأسلوب فريد ومميز. يُعتبر تحفة فنية في موسيقى الحجرة ويحظى بتقدير كبير من قبل الموسيقيين والمستمعين على حد سواء. يمثل الكونشرتو شهادة على عبقرية سترافينسكي ودعم الزوجين بليس للفنون.