مقدمة
يشير مصطلح “ماري ملكة اسكتلندا” إلى شخصيتين تاريخيتين بارزتين، وهما ماري الأولى ملكة اسكتلندا وماري الثانية ملكة إنجلترا واسكتلندا وإيرلندا. على الرغم من أن كلتيهما تحملان اسم ماري وتتمتعان بمكانة ملكية، إلا أنهما عاشتا في فترات تاريخية مختلفة ولعبتا أدوارًا متميزة في تاريخ بريطانيا.
ماري الأولى ملكة اسكتلندا (Mary, Queen of Scots)
ماري الأولى ملكة اسكتلندا، المعروفة أيضًا باسم ماري ستيوارت، ولدت في 8 ديسمبر 1542 وتوفيت في 8 فبراير 1587. تولت العرش الاسكتلندي في عام 1542 بعد وفاة والدها الملك جيمس الخامس، وكانت تبلغ من العمر ستة أيام فقط. نظرًا لصغر سنها، حكمت اسكتلندا من خلال الأوصياء حتى بدأت حكمها الفعلي في عام 1561.
حياتها المبكرة وزواجها الأول: قضت ماري معظم طفولتها في فرنسا، وتزوجت من فرانسيس الثاني ملك فرنسا في عام 1558. عندما توفي فرانسيس في عام 1560، عادت ماري إلى اسكتلندا في عام 1561 لتولي العرش.
فترة حكمها في اسكتلندا: شهدت فترة حكم ماري في اسكتلندا صراعات سياسية ودينية كبيرة. كانت كاثوليكية في بلد أصبح بروتستانتيًا بشكل متزايد، مما أدى إلى توترات مع النبلاء الاسكتلنديين البروتستانت. تزوجت من هنري ستيوارت، اللورد دارنلي، في عام 1565، ولكن زواجهما كان مضطربًا وقصير الأجل. في عام 1567، اغتيل دارنلي في ظروف غامضة، وتزوجت ماري بعد ذلك بوقت قصير من جيمس هيبورن، إيرل بوثويل، الذي كان يُشتبه في تورطه في مقتل دارنلي. أثارت هذه الأحداث غضبًا شعبيًا وأدت إلى تمرد ضد ماري.
التنازل عن العرش والسجن: أجبرت ماري على التنازل عن العرش في عام 1567 لصالح ابنها الرضيع جيمس السادس، وهربت إلى إنجلترا، حيث طلبت الحماية من ابنة عمها، الملكة إليزابيث الأولى. ومع ذلك، اعتبرت إليزابيث ماري تهديدًا لعرشها، حيث كانت ماري أيضًا حفيدة مارغريت تيودور، وبالتالي كان لها مطالبة بالعرش الإنجليزي. قضت ماري السنوات التسع عشرة التالية في الأسر في إنجلترا.
تورطها في المؤامرات وإعدامها: خلال فترة سجنها، تورطت ماري في عدة مؤامرات كاثوليكية للإطاحة بإليزابيث وتنصيبها ملكة على إنجلترا. كشفت رسائل مشفرة عن تورطها في مؤامرة بابينغتون، مما أدى إلى محاكمتها بتهمة الخيانة وإدانتها. أُعدمت ماري في 8 فبراير 1587 في قلعة فروثرينغهي.
ماري الثانية (Mary II)
ماري الثانية ولدت في 30 أبريل 1662 وتوفيت في 28 ديسمبر 1694. كانت ملكة إنجلترا واسكتلندا وإيرلندا من عام 1689 حتى وفاتها، حكمت جنبًا إلى جنب مع زوجها وابن عمها ويليام الثالث (ويليام أوف أورانج). كانت ماري ابنة جيمس الثاني ملك إنجلترا (جيمس السابع ملك اسكتلندا) وزوجته الأولى آن هايد.
خلفيتها وزواجها: نشأت ماري كبروتستانتية، على الرغم من أن والدها اعتنق الكاثوليكية لاحقًا. تزوجت من ويليام أوف أورانج في عام 1677، وهو أمير هولندي وحفيد تشارلز الأول ملك إنجلترا. كان هذا الزواج ذا أهمية سياسية كبيرة، حيث وحد بين العرش الإنجليزي والقوة البروتستانتية في أوروبا.
الثورة المجيدة وتولي العرش: في عام 1688، أطاح البرلمان الإنجليزي بجيمس الثاني في حدث يعرف باسم الثورة المجيدة. كان جيمس غير محبوب بسبب سياساته الكاثوليكية ومحاولاته لفرض الكاثوليكية على البلاد. دعا البرلمان ويليام وماري لتولي العرش بشكل مشترك. في عام 1689، تم تتويج ويليام وماري كملكين مشاركين لإنجلترا واسكتلندا وإيرلندا.
فترة حكمها: خلال فترة حكمهما المشترك، كان ويليام مسؤولاً بشكل أساسي عن الشؤون العسكرية والخارجية، بينما اهتمت ماري بالشؤون الداخلية. ومع ذلك، كان ويليام يعتمد بشدة على ماري في إدارة البلاد أثناء غيابه في الحملات العسكرية. كانت ماري تحظى بشعبية كبيرة بسبب تقواها واهتمامها برفاهية شعبها. وقعت خلال فترة حكمها أحداث مهمة مثل إعلان وثيقة الحقوق عام 1689، التي حدت من سلطات الملك وحمت حقوق البرلمان والشعب.
وفاتها وإرثها: توفيت ماري بسبب الجدري في عام 1694 عن عمر يناهز 32 عامًا. لم يكن لديها أطفال، وبعد وفاتها، حكم ويليام بمفرده حتى وفاته في عام 1702. لعبت ماري دورًا مهمًا في تاريخ إنجلترا كملكة بروتستانتية شاركت في الثورة المجيدة التي أدت إلى ترسيخ النظام الملكي الدستوري.
أوجه التشابه والاختلاف بين ماري الأولى وماري الثانية
على الرغم من أن كلا الملكتين تحملان اسم ماري وتتمتعان بمكانة ملكية، إلا أن هناك اختلافات كبيرة بينهما:
- الفترة الزمنية: عاشت ماري الأولى في القرن السادس عشر، بينما عاشت ماري الثانية في القرن السابع عشر.
- الخلفية الدينية: كانت ماري الأولى كاثوليكية، بينما كانت ماري الثانية بروتستانتية.
- ظروف الوصول إلى العرش: ورثت ماري الأولى العرش الاسكتلندي كطفلة، بينما وصلت ماري الثانية إلى العرش الإنجليزي والإسكتلندي من خلال الثورة المجيدة.
- نهاية حياتهما: أُعدمت ماري الأولى بتهمة الخيانة، بينما توفيت ماري الثانية بسبب المرض.
ومع ذلك، هناك أيضًا بعض أوجه التشابه بينهما:
- الأهمية التاريخية: لعبت كلتا الملكتين دورًا مهمًا في تاريخ بريطانيا.
- التحديات: واجهت كلتاهما تحديات كبيرة خلال فترة حكمهما، بما في ذلك الصراعات الدينية والسياسية.
تأثيرهما على التاريخ
تركت كل من ماري الأولى وماري الثانية بصمة واضحة على التاريخ الأوروبي، وإن كان ذلك بطرق مختلفة:
ماري الأولى ملكة اسكتلندا: كانت شخصية مثيرة للجدل، ولا تزال قصتها تثير الجدل حتى يومنا هذا. يعتبرها البعض ضحية للمؤامرات السياسية والدينية، بينما يرى البعض الآخر أنها مسؤولة عن مصيرها بسبب قراراتها السيئة. بغض النظر عن وجهة النظر، لا يمكن إنكار تأثيرها على التاريخ الاسكتلندي والإنجليزي. أدت مطالبتها بالعرش الإنجليزي إلى توترات طويلة الأمد بين إنجلترا واسكتلندا، ومهدت إعدامها الطريق لابنها جيمس السادس ليصبح ملكًا على كلتا المملكتين في عام 1603، مما وحد تاجي إنجلترا واسكتلندا.
ماري الثانية: كانت جزءًا أساسيًا من الثورة المجيدة، التي أسست النظام الملكي الدستوري في إنجلترا. حكمت بشكل مشترك مع زوجها، ويليام الثالث، وأظهرت قدرة كبيرة على إدارة البلاد في غيابه. ساهمت في ترسيخ البروتستانتية في إنجلترا وحماية حقوق الشعب والبرلمان.
خاتمة
باختصار، يشير مصطلح “ماري ملكة اسكتلندا” إلى شخصيتين تاريخيتين متميزتين: ماري الأولى ملكة اسكتلندا، وماري الثانية ملكة إنجلترا واسكتلندا وإيرلندا. على الرغم من اختلاف خلفياتهما وظروف وصولهما إلى العرش، إلا أن كلتيهما لعبتا دورًا مهمًا في تاريخ بريطانيا وتركتا إرثًا دائمًا. ماري الأولى، بشخصيتها المثيرة للجدل ومصيرها المأساوي، وماري الثانية، بمشاركتها في الثورة المجيدة وترسيخ النظام الملكي الدستوري، تظل شخصيتين محوريتين في التاريخ الأوروبي.