التأسيس والأهداف
تأسست ستراجا تاري بمبادرة من الملك كارول الثاني في عام 1935، في فترة شهدت فيها رومانيا صعود الحركات المتطرفة، سواء اليمينية أو اليسارية. كان الملك كارول الثاني يسعى إلى إيجاد وسيلة لتعزيز سلطته وتوحيد الأمة تحت قيادته، وتشكيل جيل جديد من الرومانيين المخلصين للدولة والملك. تم تصميم ستراجا تاري لتكون منظمة شاملة تضم الشباب من جميع الخلفيات الاجتماعية والاقتصادية، وتهدف إلى تلقينهم مبادئ الوطنية والانضباط والعمل الجاد.
الأهداف الرئيسية لستراجا تاري كانت:
- تعزيز الوطنية: غرس حب الوطن والولاء للدولة الرومانية في قلوب الشباب.
- التنمية الأخلاقية والجسدية: تنمية الشخصية الأخلاقية والجسدية للشباب، وإعدادهم ليكونوا مواطنين صالحين.
- التدريب العسكري: توفير التدريب العسكري الأساسي للشباب، وإعدادهم للدفاع عن الوطن في حالة الحرب.
- الخدمة الاجتماعية: تشجيع الشباب على المشاركة في الأنشطة الاجتماعية والتطوعية، وخدمة المجتمع.
- مكافحة التطرف: مواجهة الأيديولوجيات المتطرفة، مثل الفاشية والشيوعية، وتعزيز قيم الديمقراطية والاعتدال.
الهيكل التنظيمي
كانت ستراجا تاري منظمة هرمية ذات هيكل تنظيمي معقد، يشمل مستويات مختلفة من القيادة والإدارة. كان الملك كارول الثاني هو القائد الأعلى للمنظمة، وكان يتمتع بسلطة مطلقة في اتخاذ القرارات وتحديد السياسات. كان هناك أيضًا مجلس إدارة مركزي يشرف على عمل المنظمة على المستوى الوطني، ويتألف من ممثلين عن مختلف الوزارات والهيئات الحكومية.
تم تقسيم ستراجا تاري إلى وحدات إقليمية ومحلية، تتوافق مع التقسيمات الإدارية لرومانيا. كان لكل وحدة قائد مسؤول عن تنظيم الأنشطة والبرامج في منطقته. تم تنظيم الشباب في مجموعات صغيرة، تتألف من 10 إلى 15 عضوًا، وكان لكل مجموعة قائد منتخب من بين أعضائها.
بالإضافة إلى الهيكل الإداري، كان لستراجا تاري أيضًا هيكل تعليمي وتدريبي، يشمل مدارس ومعسكرات تدريب خاصة. تم تصميم هذه المؤسسات لتوفير التعليم النظري والتدريب العملي للشباب، وتلقينهم مبادئ الوطنية والانضباط والمهارات العسكرية الأساسية.
الأنشطة والبرامج
نفذت ستراجا تاري مجموعة واسعة من الأنشطة والبرامج، التي تهدف إلى تحقيق أهدافها المعلنة. شملت هذه الأنشطة:
- التدريب العسكري: شارك الشباب في التدريب العسكري الأساسي، مثل التدريب على الأسلحة والتمارين البدنية والمسيرات العسكرية.
- التعليم الوطني: تلقى الشباب دروسًا في التاريخ الروماني والجغرافيا والأدب، بهدف تعزيز حب الوطن والولاء للدولة.
- الأنشطة الرياضية: شارك الشباب في مجموعة متنوعة من الأنشطة الرياضية، مثل كرة القدم وألعاب القوى والجمباز، بهدف تعزيز اللياقة البدنية والروح الرياضية.
- الخدمة الاجتماعية: شارك الشباب في الأنشطة الاجتماعية والتطوعية، مثل تنظيف الشوارع والمساعدة في المستشفيات ودعم الأسر المحتاجة.
- المخيمات الصيفية: شارك الشباب في المخيمات الصيفية، التي تضمنت الأنشطة الترفيهية والتعليمية والتدريبية، بهدف تعزيز الصداقة والتعاون بين الشباب من مختلف الخلفيات.
- المسيرات والمظاهرات: شارك الشباب في المسيرات والمظاهرات الوطنية، التي تهدف إلى إظهار الدعم للملك والحكومة، وتعزيز الوحدة الوطنية.
الجدل والانتقادات
على الرغم من أهدافها المعلنة، واجهت ستراجا تاري انتقادات واسعة النطاق من مختلف الجهات. اتهمت المنظمة بأنها أداة في يد الملك كارول الثاني لتعزيز سلطته وتقويض نفوذ الأحزاب السياسية الأخرى. كما اتهمت بأنها تروج لدعاية شوفينية وقومية متطرفة، وتشجع على التمييز ضد الأقليات العرقية والدينية.
بالإضافة إلى ذلك، تعرضت ستراجا تاري لانتقادات بسبب استخدامها للعنف والترهيب ضد المعارضين السياسيين. اتهمت المنظمة بأنها متورطة في هجمات على أعضاء الحرس الحديدي والأحزاب السياسية الأخرى، وأنها تستخدم العنف لقمع حرية التعبير والتجمع.
يعتقد بعض المؤرخين أن ستراجا تاري كانت محاولة من الملك كارول الثاني لمواجهة صعود الحرس الحديدي، الحركة الفاشية التي كانت تحظى بشعبية متزايدة في رومانيا في ذلك الوقت. ومع ذلك، يرى آخرون أن المنظمة كانت مجرد أداة لتعزيز سلطة الملك وقمع المعارضة.
النهاية والحل
تم حل ستراجا تاري في عام 1940، بعد تنازل الملك كارول الثاني عن العرش وتولي ابنه ميهاي الأول الحكم. جاء حل المنظمة في أعقاب سلسلة من الأحداث السياسية والعسكرية التي أدت إلى تفكك رومانيا، بما في ذلك فقدان الأراضي لصالح الاتحاد السوفيتي والمجر وبلغاريا.
بعد الحرب العالمية الثانية، تم حظر ستراجا تاري من قبل الحكومة الشيوعية الجديدة، واعتبرت منظمة فاشية. تم اعتقال العديد من أعضاء المنظمة ومحاكمتهم بتهمة الخيانة والتعاون مع النظام السابق. ومع ذلك، لا تزال ستراجا تاري موضوعًا للجدل والنقاش في رومانيا، حيث يعتبرها البعض منظمة وطنية تهدف إلى خدمة الأمة، بينما يعتبرها البعض الآخر منظمة فاشية تروج للعنف والكراهية.
تأثيرها على المجتمع الروماني
تركت ستراجا تاري إرثًا معقدًا على المجتمع الروماني. فمن ناحية، ساهمت المنظمة في تعزيز الشعور بالوحدة الوطنية والولاء للدولة الرومانية. كما ساهمت في تطوير البنية التحتية التعليمية والرياضية في رومانيا، وتوفير التدريب والتعليم للشباب. ومن ناحية أخرى، ساهمت المنظمة في انتشار الأيديولوجيات القومية المتطرفة والعنف السياسي، وتكريس نظام الحكم الاستبدادي في رومانيا.
لا تزال ستراجا تاري موضوعًا للنقاش والتحليل في رومانيا، حيث يحاول المؤرخون والباحثون فهم دورها وتأثيرها على المجتمع الروماني. بغض النظر عن التقييم النهائي، لا يمكن إنكار أن ستراجا تاري كانت قوة مؤثرة في رومانيا خلال فترة ما بين الحربين العالميتين.
خاتمة
كانت ستراجا تاري منظمة شبه عسكرية تأسست في رومانيا عام 1935 بهدف غرس القيم الوطنية والأخلاقية في الشباب. وعلى الرغم من أهدافها المعلنة، واجهت انتقادات بسبب ارتباطها بالملك كارول الثاني، وترويجها للقومية المتطرفة، واستخدامها للعنف. تم حلها عام 1940، لكنها تركت إرثًا معقدًا على المجتمع الروماني.