<![CDATA[
مقدمة
نيكولاي أليكسييفيتش فوزنيسنسكي (بالروسية: Николай Алексеевич Вознесенский، 1 ديسمبر 1903 – 1 أكتوبر 1950) كان سياسيًا واقتصاديًا سوفيتيًا بارزًا، لعب دورًا محوريًا في التخطيط الاقتصادي للاتحاد السوفيتي خلال فترة حاسمة من تاريخه. شغل مناصب رفيعة المستوى في الحكومة والحزب الشيوعي، وأشرف على تنفيذ الخطط الخمسية التي هدفت إلى تحويل الاقتصاد السوفيتي إلى قوة صناعية عظمى. على الرغم من مسيرته المهنية اللامعة وإسهاماته الكبيرة، انتهت حياة فوزنيسنسكي بشكل مأساوي بالإعدام في عام 1950 في إطار ما عرف لاحقًا بعمليات التطهير الستالينية.
نشأته وبداياته السياسية
ولد نيكولاي فوزنيسنسكي في قرية تيفير في محافظة تفير (الآن منطقة تفيرسكايا) في روسيا عام 1903. انضم إلى الحزب البلشفي في عام 1921، مما يشير إلى انخراطه المبكر في السياسة الثورية. تلقى تعليمه في معهد الاقتصاد التابع للمعهد الأحمر للأساتذة، حيث اكتسب فهمًا عميقًا للنظريات الاقتصادية الماركسية. سرعان ما لفت انتباه القيادة العليا للحزب الشيوعي، وبدأ في الصعود في الرتب بفضل قدراته التنظيمية ومهاراته في التخطيط.
مسيرته المهنية في التخطيط الاقتصادي
في ثلاثينيات القرن العشرين، شغل فوزنيسنسكي مناصب قيادية في وكالات التخطيط الاقتصادي السوفيتية. أصبح نائب رئيس لجنة تخطيط الدولة (Gosplan) في عام 1938، ثم رئيسًا لها في عام 1941. كرئيس لـ Gosplan، كان مسؤولاً عن تنسيق وتطوير الخطط الخمسية التي تحدد أهداف الإنتاج والاستثمار للاقتصاد السوفيتي. كان لهذه الخطط تأثير عميق على التنمية الصناعية والزراعية في الاتحاد السوفيتي.
- الخطة الخمسية الثالثة (1938-1941): أشرف فوزنيسنسكي على تنفيذ هذه الخطة التي ركزت على تعزيز الصناعات الثقيلة وتحديث الجيش السوفيتي، استعدادًا للحرب المحتملة.
- جهود التخطيط خلال الحرب العالمية الثانية (1941-1945): لعب دورًا حاسمًا في تحويل الاقتصاد السوفيتي إلى وضع الحرب، وتوجيه الموارد نحو إنتاج الأسلحة والمعدات العسكرية اللازمة لهزيمة الغزو النازي.
- الخطة الخمسية الرابعة (1946-1950): بعد الحرب، قاد فوزنيسنسكي جهود إعادة بناء الاقتصاد السوفيتي المدمر، وإعادة التركيز على الصناعات المدنية مع الحفاظ على قوة دفاعية قوية.
تميزت فترة فوزنيسنسكي في Gosplan بالابتكار والكفاءة. أدخل أساليب جديدة للتخطيط والتحليل الاقتصادي، وأشرف على تطوير نماذج رياضية معقدة لتحسين تخصيص الموارد. كما كان مدافعًا قويًا عن اللامركزية في التخطيط، ومنح المؤسسات المحلية المزيد من الاستقلالية في اتخاذ القرارات.
دوره في الحرب العالمية الثانية
خلال الحرب العالمية الثانية، لعب فوزنيسنسكي دورًا حيويًا في تنظيم الاقتصاد السوفيتي لدعم المجهود الحربي. أشرف على نقل المصانع والمعدات من المناطق المهددة بالغزو الألماني إلى المناطق الشرقية الأكثر أمانًا. ضمن تخصيص الموارد اللازمة لإنتاج الأسلحة والذخيرة والإمدادات الأخرى التي تحتاجها الجيش الأحمر. كان عمله حاسمًا في تمكين الاتحاد السوفيتي من الصمود في وجه الهجوم النازي وفي النهاية هزيمة ألمانيا.
الصعود إلى السلطة والنفوذ
بفضل نجاحه في التخطيط الاقتصادي خلال الحرب وبعدها، صعد فوزنيسنسكي بسرعة في الرتب السياسية. في عام 1941، أصبح نائب رئيس مجلس مفوضي الشعب (لاحقًا مجلس الوزراء)، وهو أعلى هيئة تنفيذية في الحكومة السوفيتية. في عام 1947، أصبح عضوًا كامل العضوية في المكتب السياسي للجنة المركزية للحزب الشيوعي، وهو أعلى هيئة لصنع القرار في الاتحاد السوفيتي. كان يُنظر إليه على نطاق واسع على أنه خليفة محتمل لستالين.
كتاب “اقتصاد الحرب في الاتحاد السوفيتي خلال الحرب الوطنية”
في عام 1947، نشر فوزنيسنسكي كتابًا بعنوان “اقتصاد الحرب في الاتحاد السوفيتي خلال الحرب الوطنية” (بالروسية: Военная экономика СССР в период Отечественной войны). يقدم هذا الكتاب تحليلًا شاملاً لكيفية تمكن الاتحاد السوفيتي من حشد موارده الاقتصادية لهزيمة ألمانيا النازية. تم الإشادة بالكتاب على نطاق واسع لعمقه التحليلي ورؤيته الثاقبة، وترجم إلى العديد من اللغات. أكد الكتاب على أهمية التخطيط المركزي والدور الحاسم للدولة في إدارة الاقتصاد خلال الحرب.
السقوط والإعدام
على الرغم من مسيرته المهنية اللامعة، سقط فوزنيسنسكي ضحية للمؤامرات السياسية والصراعات على السلطة التي ميزت فترة حكم ستالين. في عام 1949، اتُهم بارتكاب مخالفات في التخطيط الاقتصادي والإدلاء ببيانات خاطئة حول الوضع الاقتصادي للاتحاد السوفيتي. تم فصله من جميع مناصبه الحكومية والحزبية، وتم اعتقاله في وقت لاحق. في 1 أكتوبر 1950، حُكم عليه بالإعدام وأُعدم رمياً بالرصاص. تم تطهير اسمه وإعادة تأهيله بعد وفاة ستالين في عام 1954.
إعادة التأهيل والإرث
بعد وفاة ستالين، تمت مراجعة قضية فوزنيسنسكي من قبل لجنة خاصة. وجدت اللجنة أن الاتهامات الموجهة إليه كانت ملفقة وأن إعدامه كان غير مبرر. في عام 1954، تم تطهير اسمه وإعادة تأهيله رسميًا، وتمت استعادة عضويته في الحزب الشيوعي. اليوم، يُذكر فوزنيسنسكي كواحد من أبرز المخططين الاقتصاديين في الاتحاد السوفيتي. يُنظر إليه على أنه مفكر مبتكر وقائد كفء، لعب دورًا حاسمًا في التنمية الاقتصادية للاتحاد السوفيتي خلال فترة حاسمة من تاريخه.
خاتمة
كان نيكولاي فوزنيسنسكي شخصية محورية في التخطيط الاقتصادي السوفيتي، حيث أشرف على الخطط الخمسية التي حولت الاتحاد السوفيتي إلى قوة صناعية. على الرغم من صعوده السريع ومساهماته الكبيرة، انتهت حياته بشكل مأساوي بالإعدام في ظل حكم ستالين. بعد وفاته، تم تكريمه وإعادة تأهيله، مما أكد إرثه كمفكر اقتصادي مؤثر وقائد كفء.