أبيمالك ملك جرار
أشهر شخصية تحمل اسم أبيمالك في الكتاب المقدس هو ملك جرار الفلسطيني، الذي يظهر في سفري التكوين وإبراهيم. في سفر التكوين، الإصحاح 20، نجد قصة إبراهيم وزوجته سارة. عندما وصل إبراهيم إلى جرار، خاف من أن يقتله أهل البلد بسبب جمال سارة، فادعى أنها أخته. أخذ أبيمالك سارة إلى قصره، معتقداً أنها أخت إبراهيم. لكن الله ظهر لأبيمالك في حلم وحذره من أن سارة هي زوجة إبراهيم، وأن أخذه لها سيجلب اللعنة على مملكته.
استيقظ أبيمالك مذعوراً، ووبخ إبراهيم على خداعه. ثم ردّ سارة إلى إبراهيم وقدم له هدايا ثمينة من الغنم والبقر والعبيد، وسمح له بالإقامة في أي مكان يختاره في أرضه. كما أعطى أبيمالك إبراهيم ألف قطعة فضة كتعويض لسارة، قائلاً: “هو لكِ غطاء عين على كل ما عندكِ، وعند الجميع تتبرّئين”. صلى إبراهيم إلى الله من أجل أبيمالك، فشفى الله أبيمالك وزوجته وجواريه، لأن الله كان قد أغلق كل رحم في بيت أبيمالك بسبب قضية سارة زوجة إبراهيم.
لاحقاً، في سفر التكوين، الإصحاح 21، نجد قصة أخرى بين إبراهيم وأبيمالك. نشأ خلاف بين رعاة إبراهيم ورعاة أبيمالك على بئر ماء. ذهب إبراهيم إلى أبيمالك واحتج على هذا الأمر. فأجاب أبيمالك بأنه لم يكن يعلم شيئاً عن هذا الأمر، وأن رجاله لم يخبروه. أخذ إبراهيم غنماً وبقراً وقدمها لأبيمالك وقطعا عهداً معاً. وعندما أقام إبراهيم سبع نعاج، سأل أبيمالك إبراهيم عن سبب إقامته لهذه النعاج. فأجاب إبراهيم بأنها علامة على أنه حفر البئر. لذلك سمي ذلك المكان بئر سبع، لأن إبراهيم وأبيمالك تحالفا هناك.
من هذه القصص، يمكننا أن نستنتج أن أبيمالك كان ملكاً عادلاً ومستقيماً، وخائفاً من الله. كان حريصاً على تجنب إغضاب الله، ومستعداً للاعتراف بأخطائه وتصحيحها. كما كان حريصاً على الحفاظ على السلام مع جيرانه، ومستعداً لتقديم التنازلات من أجل تحقيق ذلك.
أبيمالك بن جدعون
شخصية أخرى تحمل اسم أبيمالك في الكتاب المقدس هو ابن جدعون (يربعل) من سِكيم. بعد موت جدعون، طمع أبيمالك في السلطة، وتآمر مع أهل سِكيم لقتل جميع إخوته، أبناء جدعون السبعين. تمكن أبيمالك من قتل ستة وتسعين منهم على حجر واحد، لكن يوثام، الابن الأصغر لجدعون، نجا واختبأ.
توج أهل سِكيم وأهل بيت ميلو أبيمالك ملكاً عليهم. صعد يوثام إلى قمة جبل جرزيم وصرخ بصوت عال، وروى لهم مثلاً عن الأشجار التي أرادت أن تنصب عليها ملكاً. رفضت شجرة الزيتون وشجرة التين وشجرة الكرمة الملك، لأنها كانت مشغولة بإنتاج ثمارها. وأخيراً، وافقت شجرة العوسج على أن تكون ملكة، لكنها حذرت الأشجار الأخرى من أنها إذا لم تضع ثقتها فيها، فإن النار ستخرج من العوسج وتحرق أرز لبنان.
بعد ذلك، أوضح يوثام أن هذا المثل ينطبق على أبيمالك وأهل سِكيم. فقد قتل أبيمالك إخوته، ونصب نفسه ملكاً، وأهل سِكيم خانوا بيت جدعون وأقاموا أبيمالك ملكاً عليهم. تنبأ يوثام بأن النار ستخرج من أبيمالك وتحرق أهل سِكيم، وأن النار ستخرج من أهل سِكيم وتحرق أبيمالك.
بعد ثلاث سنوات، نشأ خلاف بين أبيمالك وأهل سِكيم. تآمر أهل سِكيم على أبيمالك، ووضعوا كميناً له على قمم الجبال. علم أبيمالك بالأمر، فخرج بجيشه وحارب أهل سِكيم. هزم أبيمالك أهل سِكيم، ودخل المدينة وقتل جميع من فيها. ثم أحرق برج سِكيم بالنار، فمات فيه ألف رجل وامرأة.
بعد ذلك، ذهب أبيمالك إلى تاباص وحاصرها. وأثناء محاصرته لبرج في المدينة، ألقت امرأة قطعة رحى على رأسه وكسرته. فدعا أبيمالك غلامه وحمله على أن يقتله بالسيف، لئلا يقال عنه إنه قتل على يد امرأة. وهكذا مات أبيمالك.
تعتبر قصة أبيمالك بن جدعون مثالاً على الطموح الشرير والعنف الذي يمكن أن ينجم عنه. كما أنها تظهر أن الظلم والخيانة لا يدومان، وأن الله سينتقم للمظلومين.
معاني ودلالات اسم أبيمالك
يحمل اسم أبيمالك دلالات دينية وتاريخية مهمة. فهو يذكرنا بملوك فلسطين القدماء، الذين كانوا على علاقة متوترة مع بني إسرائيل. كما يذكرنا بأهمية العدل والاستقامة، وبخطورة الطموح الشرير والعنف.
في العصر الحديث، لا يزال اسم أبيمالك مستخدماً في بعض الثقافات، وإن كان استخدامه نادراً. يعتبر الاسم اسماً ذكورياً قوياً وذا معنى عميق.
أبيمالك كلقب ملكي
بالإضافة إلى كونه اسم علم، يبدو أن “أبيمالك” كان أيضاً لقباً ملكياً استخدمه ملوك فلسطين في بعض الفترات. تشير بعض الدراسات إلى أن هذا اللقب كان شائعاً بين ملوك جرار، كما ذكر في سفر التكوين.
استخدام لقب “أبيمالك” قد يشير إلى نظام حكم ملكي مشابه لأنظمة الحكم في مناطق أخرى من الشرق الأدنى القديم، حيث كان الملوك يحملون ألقاباً ذات دلالات دينية وسياسية محددة.
خاتمة
أبيمالك هو اسم يحمل معاني تاريخية ودينية عميقة. يظهر هذا الاسم في الكتاب المقدس العبري كاسم لملك فلسطيني عادل ومستقيم، وكاسم لابن جدعون الطموح والشرير. كما قد يكون الاسم لقباً ملكياً استخدمه ملوك فلسطين في بعض الفترات. قصة أبيمالك تعلمنا أهمية العدل والاستقامة، وخطورة الطموح الشرير والعنف، وأن الظلم والخيانة لا يدومان.