حياتها
لا يُعرف سوى القليل عن حياة مارغريت بوريت. تشير التقديرات إلى أنها ولدت في النصف الثاني من القرن الثالث عشر، ربما في مقاطعة هينو. لم تكن راهبة، بل كانت من جماعة البيغارد (Beguines)، وهي حركة دينية للنساء اللواتي يعشن حياة تقوى دون أداء النذور الرسمية. مارست البيغارد أعمال الخير، وعشن في مجتمعات صغيرة، وكرسن أنفسهن للصلاة والتأمل.
بدأت مارغريت في نشر كتابها “مرآة النفوس البسيطة” حوالي عام 1290. الكتاب عبارة عن حوار بين الحب والعقل والروح، ويصف رحلة الروح نحو الاتحاد بالله. يعتبر الكتاب عملًا معقدًا وغامضًا، وقد أثار جدلاً واسعًا منذ نشره.
بسبب آرائها الدينية غير التقليدية، تعرضت مارغريت للاشتباه من قبل السلطات الكنسية. في عام 1306، تم استدعاؤها أمام محكمة كنسية في فالنسيان للتحقيق معها. أمرت المحكمة بتسليم الكتاب للتفتيش، وحظرت عليها نشره أو مناقشته. رفضت مارغريت التعاون مع المحكمة، واستمرت في نشر كتابها وتعليم أفكارها. وقد وضع الكتاب تحت الأختام من قبل أسقف شالون، وأُرسل إلى 21 عالم لاهوتي للحصول على رأيهم فيه. عادت الآراء مدمرة. ومع ذلك، استمرت مارغريت في الترويج لأفكارها.
في عام 1308، تم القبض على مارغريت في شومبي (Chompy) واقتيدت إلى باريس لمحاكمتها بتهمة الهرطقة. اتهمت بالترويج لأفكار تتعارض مع تعاليم الكنيسة الكاثوليكية، بما في ذلك الاعتقاد بأن الروح يمكن أن تصل إلى حالة من الاتحاد الكامل بالله، حيث تصبح فوق القانون الأخلاقي. بعد سجنها لمدة ثمانية عشر شهرًا ومواصلة رفضها إزالة الكتاب من التداول أو التراجع عن معتقداتها، أدينت بتهمة الهرطقة وأُحرقت على الوتد في ساحة دي جريف في باريس في 1 يونيو 1310. تم حرق كتابها علنًا أمام كاتدرائية نوتردام.
مرآة النفوس البسيطة
“مرآة النفوس البسيطة” (بالفرنسية القديمة: Le Mirouer des simples ames anienties et qui seulement demourent en vouloir et desir d’amour) هو العمل الرئيسي لمارغريت بوريت. الكتاب مكتوب باللغة الفرنسية القديمة، ويتألف من حوالي 140 فصلًا. وهو عبارة عن حوار شعري ونثري بين شخصيات مجازية مثل “الحب” و”العقل” و”الروح”، ويصف رحلة الروح نحو الاتحاد بالله.
مواضيع الكتاب الرئيسية:
- التأليه: فكرة أن الروح يمكن أن تتحد بالله وتصبح إلهية.
- الحب الإلهي: التركيز على الحب كقوة دافعة للاتحاد بالله.
- التخلي عن الذات: ضرورة التخلي عن الإرادة الفردية من أجل الاتحاد بالله.
- بساطة الروح: فكرة أن الروح في جوهرها بسيطة ونقية، وأن التعقيدات تنشأ من الارتباط بالعالم المادي.
أهمية الكتاب:
يعتبر “مرآة النفوس البسيطة” عملًا هامًا في الأدب الصوفي في العصور الوسطى. يقدم الكتاب نظرة ثاقبة على الفكر الديني للمرأة في العصور الوسطى، ويعكس تيارًا من التصوف الراديكالي الذي كان موجودًا في تلك الحقبة. كما يعتبر الكتاب عملًا أدبيًا مهمًا، يتميز بأسلوبه الشعري ولغته الغنية.
الجدل حول الكتاب:
أثار “مرآة النفوس البسيطة” جدلاً واسعًا منذ نشره. اتُهم الكتاب بالترويج للهرطقة بسبب تركيزه على التأليه والتخلي عن القانون الأخلاقي. ومع ذلك، دافع عنه البعض باعتباره تعبيرًا عن تجربة دينية عميقة وصادقة.
أفكارها اللاهوتية
كانت أفكار مارغريت بوريت لاهوتية متطرفة بالنسبة لعصرها، حيث ركزت على إمكانية الاتحاد المباشر بين الروح والله. كانت تعتقد أن الروح، من خلال عملية التخلي عن الذات والحب الإلهي، يمكن أن تصل إلى حالة من الكمال حيث تتجاوز الحاجة إلى الوساطة الكنسية والقانون الأخلاقي.
بعض الأفكار الرئيسية في لاهوتها:
- الاتحاد التأملي: كانت مارغريت تؤمن بإمكانية تحقيق الاتحاد التأملي مع الله في هذه الحياة. هذا الاتحاد ليس مجرد شعور أو تجربة عاطفية، بل هو تحول حقيقي في الروح.
- التخلي عن الإرادة: لتحقيق الاتحاد مع الله، يجب على الروح أن تتخلى عن إرادتها الخاصة وتستسلم بشكل كامل للإرادة الإلهية. هذا التخلي عن الذات هو شرط أساسي للتقدم الروحي.
- الحب الإلهي: الحب هو القوة الدافعة للاتحاد مع الله. من خلال الحب، يمكن للروح أن تتجاوز حدودها وتتحد مع اللانهائي.
- الروح الحرة: عندما تصل الروح إلى حالة الاتحاد مع الله، تصبح حرة من قيود القانون الأخلاقي والأعراف الاجتماعية. هذا لا يعني أنها تصبح غير أخلاقية، بل يعني أنها تتصرف انطلاقًا من الحب الإلهي بدلاً من الالتزام بالقواعد الخارجية.
تأثير أفكارها:
كان لأفكار مارغريت بوريت تأثير كبير على التصوف اللاحق. ألهمت العديد من المتصوفين والمتصوفات في القرون اللاحقة، وساهمت في تطوير الفكر الصوفي المسيحي. على الرغم من إدانتها بالهرطقة، إلا أن أفكارها استمرت في الانتشار والتأثير على الأجيال اللاحقة.
إرثها
على الرغم من إدانتها بالهرطقة وإحراقها، إلا أن مارغريت بوريت تركت إرثًا دائمًا في تاريخ التصوف المسيحي. يعتبر “مرآة النفوس البسيطة” عملًا كلاسيكيًا في الأدب الصوفي، وقد تم ترجمته إلى العديد من اللغات. ألهمت أفكارها العديد من المتصوفين والمتصوفات في القرون اللاحقة، وساهمت في تطوير الفكر الصوفي المسيحي.
في السنوات الأخيرة، كان هناك اهتمام متزايد بحياة مارغريت بوريت وأعمالها. يعتبرها الكثيرون الآن شخصية مهمة في تاريخ الفكر الديني للمرأة، ورمزًا للمقاومة ضد السلطة الكنسية.
خاتمة
مارغريت بوريت كانت متصوفة فرنسية في العصور الوسطى، اشتهرت بكتابها “مرآة النفوس البسيطة” وبإعدامها بتهمة الهرطقة. على الرغم من الجدل الذي أثارته أفكارها، إلا أنها تركت إرثًا دائمًا في تاريخ التصوف المسيحي، ولا تزال تلهم الكثيرين حتى اليوم.